1 - عنف الأم مع أولادها الذكور في مراحل الطفولة والمراهقة والرجولة:

قلما تتعامل الأم بقسوة مع أولادها لغير موضوع التربية، ولكن هناك أمهات يقمن بتعنيف أولادهن، بنين وبنـات، لأسباب أخرى، ومن ذلك أن الأم قد تعنف أبناءها الذكور في حالات، منها:

أ- رفض الولد، ذكرا كان أم أنثى، حينما يكون عدد أفراد الأسرة كبيرا، أو بسبب أن حملها به منعها من الخروج لعملها الوظيفي، الذي تحبه، أو منعها من لقاءات ونزهات مع صديقاتها. [ ص: 63 ]

ب- توافق وقوع كارثة ما على الأسرة مع ولادة المولود، كالوقوع بأزمة مـاليـة حـادة، أو طـلاق الأم، أو وفـاة الـزوج. ونتيجة لذلك تعتـبر الأم أن ولادة هـذا المـولـود كان نحسا عليها وعلى الأسـرة فتـقـوم بقمعه دون إخوته وأخواته.

ج- كون المـولود مصـابا بإعاقة دائمة، كالعمى أو التخلف الذهني أو ما شابه، أو إصابته بعد الولادة بسنوات بمرض عضال كالشلل النصفي أو شلل أحد الأعضاء، أو إصابته بحادث سير مثلا، فتتعامل معه الأم عندئذ بقسوة نتيجة تعبها في تحمل مسؤوليته في حالته تلك، وكأنه هو من فعل ذلك بنفسه. وتقول بعض الأمهات في مثل هذه الحالة: "ماذا فعلت يا ربي حتى أصاب بما أصبت به؟".

وهذا القول، تعليقا منهن ومن كثيرين، ذكورا وإناثا، على أمور يصادفونها في حياتهم، هو اعتراض على حكم الله عز وجل وقضائه؛ لأن من أركان إيمان المسلم: "الإيمان بقضاء الله وقدره، خيره وشره".

وهذا الاعتراض هو بسبب قلة الإيمان في قلوبهم وعدم إدراك أن لله سبحانه وتعالى حكمة في كل شيء، فقد يكون الأمر امتحانا لرفع درجات الإيمان إذا صبر المبتلى، وقد يكون عقابا على ذنب اقترفه المبتلى وتكفيرا له عن هذا الذنب إذا صبر، فليس هناك إنسان معصوم عن الذنوب، وقد قال [ ص: 64 ] الله عز وجل: ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) (الشورى:30).

والعقوبات التذكيرية من رب العالمين سبحانه وتعالى بضرورة التوبة والعودة إليه لا تصيب الأفراد فقط ولكن تصيب كذلك الأمم، فقد قال الله عز وجل: ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) (الروم:41).

ولهـذا فـإن على المؤمـن أن يسلم أمره لله دائما ويرضى بما قسمه له في هـذه الـدنيا، ليكون من المؤمنين، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له ) >^[1]

د- اشتداد النزاع بين الوالدين، فيصبح الأبناء عند ذلك كبش محرقة بينهما، حيث تقوم الأم بتعنيف الأبناء بشتى أنواع الألفاظ النابية وتعييرهم بأنهم أبناء فلان وليسوا أبناءها، وتقوم بالدعاء عليهم وعلى والدهـم، الذي تسبب بعذابها، وصولا، في بعض الحالات، إلى طلاقها وتشريدها، وتنسى في غضبها هذا أن هؤلاء الأبناء هم أيضا أبناؤها. [ ص: 65 ]

هـ- اشتداد ضغط المسؤوليات على الأم، من ترتيب للبيت وغسيل للثياب وتدريس للأبناء مع عدم اكتراث أبنائها بتعبها، والتصرف بلامبالاة بحيث يذهب تعبها هدرا.

و- عنـف الأم مـع أبنائها في فتـرة الصغر، حيث تترك تربيتهم للخدم وتـتـفرغ لتمضية أوقاتها مع صديقاتها خارج البيت. ثم حين يكبرون قليلا ويشعرون بالحاجة لحضورها والاستماع إلى حاجاتهم ومشكلاتـهم، فإنـها تواجه طلباتهم بالصراخ عليهم بأنها لم تقصر معهم، في حين يكون تعاملها مع الآخرين بغـاية التلطف واللبـاقة والكياسة في الكلام.

ويحدث هذا النوع من التعـامل بين الأم وأبنائها، في أغلب الحالات، في البيئات المرتاحـة مـاديا، التي تعيش حياة مترفة. فكثير من الأمـهات في هذه البيئات لا يعرفن حتى إن كان أبناؤهن مرضى أم لا، أو هل ذهبوا إلى المدرسة أم لا، وذلك بسبب تركهن مسؤولية الأولاد للخادمات، وعندما يصبح الأبناء في سن المراهقة، فإن التواصل بين الأبوين والأبناء غالبا ما يتم عبر الهاتف الخلوي أكثر مما يتم في اللقاءات المباشرة.

ز- تمييز أحد الأبناء عن الباقين، لتفوقه الدراسي مثلا، وتوبيخ الآخرين لعدم كونهم مثله، مما يولد نقمة الأبناء على أخيهم.

ح- عدم السماح للأبناء بالمشاركة بألعاب رياضية أو كشفية، أو حتى التواصل مع أقرانهم، بحجة الخوف عليهم من رفاق السوء. [ ص: 66 ]

ط- عدم السماح للأبناء بالتكلم مع أحد من أقرانهم، حتى على الهاتف، ومن دون معرفة من هم أقرانهم، وهل هم صالحون أم طالحون.

ي- حرمان الأبناء من فرص حيوية لبناء مستقبلهم، كحرمانهم من الالتحاق بجامعات مهمة في الخارج، نتيجة لجهل الأم أو بسبب حبها المفرط لأبنائها خوفا من عدم عودتهم بعد انتهاء دراستهم >^[2] .

ك- حـرمان الأبناء في بيئـات فـقـيرة من متابعـة التعـليم، بحجـة أن ما تعلموه من قراءة وكتابة يكفي، وأن عليهم الانخراط باكرا في سوق العمل لتعلم صنعة تعينهم على جلب قوتهم.

ل- الجناية على الأبناء في البيئات الفقيرة وبعض المتوسطة، باعتبارهم مصدر رزق عبر إجبارهم على التسول، فيما هم يشاهدون من هم في مثل سنهم يتابعون تعليمهم.

م- حـرمـان الأبنـاء من عطف أمـهم حين تتزوج ثانية بعد طلاقها أو وفاة زوجها، ونشأتهم بعيدا عنها، بحيث لا تخصص لهم إلا بضع ساعات أسبوعيا أو يوما كاملا، وهو وقت لا يكفي ليحدثوها بمشاكلهم ويغرفوا من حنانها، الذي يفتقدونه. [ ص: 67 ]

ن- شعور الأبناء، الذين ينشؤون في المؤسسات الرعائية بالغربة عن أمهاتهم وعائلاتهم. ويزداد الشعور بالغربة حدة عندما يعودون لبيوتهم في العطل الموسمية ليجدوا أنهم يعاملون معاملة الضيوف العابرين وليس الأبناء المستقرين، وفي الوقت نفسه ليس لديهم أسرة خاصة بهم، ولا مكان مخصص لهم لوضع ثيابهم فيه كبقية أفراد الأسرة.

س- تلكؤ الأم بتزويج ابنها كي لا تفقده بذهابه إلى أخرى (عروسـه)، متذرعة بأن هذه العروس طويلة غير مناسبة، وتلك قصيرة، وهذه متعجرفة، وتلك فقيرة، وما شابه من الانتقادات حتى تصرف نظر ابنهـا عن الزواج ما استـطاعت إلى ذلك سبيـلا، وتستمر عملية البحث عن العروس المناسبة السنة تلو الأخرى حتى تمر سنوات عديدة دون العثور على العروس المناسبة، وإذا ما قال الابن: "هذه مناسبة"، ووضـع الأم تحت الأمر الواقع، فإن الأم تبدأ بعدما صـارت حماة، بافتعال المشـاكل كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا. فتبدأ بتعنيف ابنها بأن زوجته قد فعلت كذا وكذا، ناهـيـك عن تأخره في المصـروف، الذي اعـتـاد أن يقدمه لأمه أو ما شابه ذلك، والسبب في ذلك هو سوء اختياره لزوجته، التي فرضها على الأسرة رغم عدم رضى أمه. [ ص: 68 ]