المطلب الثالث: رحلة محمد بن عبد الوهاب المكناسي:
إن السلطان "سيدي محمد بن عبد الله"، الذي حكم المغرب ما بين 1757م- 1790م أوفد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، وتحديدا في أول شهر محرم من عام 1200هـ، وفدا إلى السلطـان العثـمـانـي في إسطنبول، برئاسة وزيره الثقة وسفيره "محمد بن عبد الوهاب المكناسي"، الـذي قـام برحـلات متـعـددة إلى بـلاد كثيرة، ولـكن اشـتـهـرت رحـلتـه إلى البـلاط العثماني وزيارته إلى فلسطين وبيت المقدس في كتاب سماه: (إحراز المعلى والرقيب في حج بيت الله الحرام، وزيارة القدس الشريف، والخليل، وقبر الحبيب)
>[1] .
[ ص: 61 ]
أما خلال زيارته للقدس فقد كان مبهورا بمعالمها وآثارها والمقدسات الكثيرة فيها، وقد قال في كتابه عن بيت المقدس: "لها سور حصين، مبني بالحجارة في غاية الإتقان، وأبوابه حصينة الإغلاق، ستة هي: باب العمود، باب الزاهرة، باب الأسبـاط، باب المغاربة، باب النبي داود والخليل وكان أول ما فعلناه أن توجهنا للمسجد الأقصى، فدخلنا أولا إلى قبة الصخرة".
وهنا الرحالة المكناسي يتدفق قلمه للتعبير عن مشاعره تجاه المدينة والمسجد الأقصى المبارك في وصف بنائه والقبة والأعمدة وصفا في غاية الروعة والبيان؛ فيقول في وصفه للمكان تحت الصخرة: "والمكان تحت الصخرة كثير الأنس، يجد الإنسان فيه نشاطا وخفة، وانشراحا لعبادة الله".
ويقول في وصف المسجد: "محرابه، بناؤه، وهو مكسو من داخله بألواح من الرخام عددها سبعة عشر، ثمانية بيض وحمر ترمز إلى صلاتي الظهر والعصر، وثلاثة سود ترمز إلى صلاة المغرب، واثنتان خضراوان ترمزان لصلاة الصبح، وأبوابه أحد عشر بابا، والمسجد مسور". وفي إشارة خاطفة للسكان في رحاب وأكناف بيت المقدس يقول: "ولأهل بيت المقدس بشاشة وطلاقة وأخلاق حسنة، وميل إلى مؤانسة الغريب، ومسامرته والمحادثة معه"
>[2] .
[ ص: 62 ]