المبحث الأول: أرض فلسطين كلها وقف إسلامي:
إن القـول بأن أرض فلسـطـين مـلك للمسـلمين وأنـها وقف إسـلامي لا ينبغي أن يجادل فيه اثنان؛ لما ذكرناه آنفا من فضل هذه الأرض المباركة، أرض الإسراء والمعراج، ومهد الرسالات السماوية. وذلك ما جعل المسلمين
[ ص: 83 ] يرتبطون بها عقديا؛ وهو السر في أن المعراج انطلق منها -الأرض المقدسة- وكان ممكنا انطلاقه من مكة المكرمة، وتأمل كيف أن عددا هائلا من الأنبياء والمرسلين أعاد الله لهم أرواحـهم وجمعهم في هذا المكان المقـدس؛ بحيث إنهم لم يجتمعوا في غيره، والأهم في ذلك هو إمامة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بهم في الصلاة؛ فكانت بذلك أعظم صلاة في التاريخ بأسره.
وقد ارتبط بها المسلمون من أجل التعبد، وشدوا إليها الرحال، وأن الصلاة مضاعفة فيها، كما ارتبطوا بها سياسيا انطلاقا من إسراء النبي صلى الله عليه وسلم إليها وإمامة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبيـاء والمرسلـين، وانطـلاقا من الفتـح الإسـلامي، الذي حدث في العام الخامس عشر للهجرة على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقد تسلم مفاتيح مدينة القدس من بطريق الروم "صفرونيوس" وكانت العهـدة العمرية؛ وقـد جاء في أهـم بنـودها أن لا يسـكن بمـدينة القـدس أحد من اليهود، علما أنه لم يسكنها أحد منهم في ذلكم الإبان، وقد كانت العهدة العمرية ميثاقا للتسامح الديني وحقوق الإنسان.
كما ارتبط بها المسلمون ارتباطا تاريخيا بحيث سكنها العرب اليبوسيون منذ أكثر من 3500 سنة قبل الميلاد.
هذا، وقد حكمها العرب والمسلمون وقتا طويلا باستثناء سنوات الاحتلال الصليبي والاحتلال الإسرائيلي مع العلم أن قدسنا الشريفة لفظت كل المحتلين وستلفظ إن شاء الله آخر محتل غاشم.
وارتبط بها المسلمون ارتباطا حضاريا بما فيها من مساجد ومدارس وزوايا وأربطة ومبان سكنية تحمل روح المعمار الإسلامي بما فيه الأندلسي والمغربي.
[ ص: 84 ]
ومما يؤكد أن فلسطين وقف إسلامي أن عمر الفاروق رضي الله عنه حين تسلم مفاتيحها تسلمها بنفسه، وكانت عادته إذا فتح أرضا أن يقسمها على الجيش غير أن فلسطين لم تقسم إيذانا بأنها وقف إسلامي، وهل قسم النبي صلى الله عليه وسلم مكة حين فتحها؟ فالقدس كمكة تماما. ولما طالبه بعضهم بالسنة أجاب عمر الفاروق رضي الله عنه : "وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، وأضع عليهم فيها الخراج, وفي رقابهم الجزية، يؤدونها فتكون فيئا للمسلمين: المقاتلة والذرية ولمن يأتي من بعدهم"
>[1] .