المبحث الرابع: وقفية قرية عين كارم:
المطلب الأول: توصيف قرية عين كارم وأهلها: /14
"عين كارم" قرية جميلة ذات الطبيعة الخلابة، والمياه الجارية والجبال العالية، تقع إلى الجنوب من مدينة القدس، ويقال: إن النبي يحيى عليه السلام ولد على أرضها، وتعد من كبرى قرى القدس مساحة وسكانا، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى عين الماء العذبة، التي تتدفق من جبالها، وتسقي أبناءها وبساتينها. اشتهرت بتربتها الخصبة، وغاباتها الحرجية وأشجارها المثمرة المختلفة في كافة [ ص: 116 ] مواقعها مثل (أشجار الزيتون والكرمة والتفاحيات واللوزيات) كما تملك مساحات كبيرة من أشجار السرو والصنوبر الممتدة على مرتفعاتها المشهورة مثل (جبل العقود، ومسكري، ورأس التوتة، ورأس المدورة)، التي تبلغ ارتفاعاتها (600) متر فوق سطح البحر. وتوجد بها العديد من ينابيع المياه العذبة أهمها عين البلد، ونبع عين رواس، ونبع بعيقشة، وعين الحنو، وعين الشقاق الغربي، وعين الخندق والخارجة.
تتمتع عين كارم بطقس بارد شتاء، وحار صيفا، ولطيف ربيعا وخريفا، وإن وجود الغطاء الخضري، الذي يكسو أرضها وجبالها، وارتفاعها عن سطح البحر، جعلاها متنزها جميلا يرتادها الزوار من كافة مناطق فلسطين. وكان تعدادهم عام 1900م، ما يقارب الألف نسمة، وبلغوا في سنة احتلال اليهود للقرية عام 1948م حوالي 4025 نسمة.
يعمل ذووها في الزراعة كمصدر رئيس للدخل، وبعضهم امتهن أعمال البناء والحرفيات.
توجد بها أربع مدارس: اثنتان حكوميتان، واثنتان خاصتان، وبعد احتلالها من قبل اليهود الغاصبين عام 1948م، وإثر مذبحة قرية دير ياسين المجاورة، أجبر أبناؤها على الرحيل عنها، والاستقرار في الضفة الشرقية لنهر الأردن، بداية في مدينة السلط ثم عمان، التي يوجد معظمهم فيها الآن، ويقطنون أحياء جبال الهاشمي الشمالي والتاج، والجوفة، والأشرفية. وبعضهم [ ص: 117 ] اسـتـقر في الزرقـاء. أما عشيرة جعنينة، فاستقر أفرادها في مادبا. كما أن أعدادا لا بأس بها استقرت في السعودية ودول الخليج، بالإضافة إلى الذين هاجروا إلى الأميركيتين.
يمتاز أبناء قرية عين كارم بالشجاعة والإقدام، وقدموا الشهيد تلو الشهيد منذ بدايات المقاومة ضد المتآمرين على فلسطين، بدءا بالاحتلال الإنجليزي عام 1917م، الـذي مهـد لـبريطانيا تنفيذ مخططها في زرع اليهود في أرضنا ثم اغتصابها بالكامل فيما بعد..
وخـلال كل المعارك، التي خاضها أبناؤها، داخليا وخارجيا، لم يتأخروا، ولم يقصروا أبدا، وقدموا الغالي والنفيس، وأوقعوا بالعدو الصهيوني خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
وفي عام 1955م، ضم العدو الإسرائيلي عين كارم إلى بلدية القدس الغربية وأصبحت ضاحية من ضواحيها، والآن يحاول العدو الصهيوني تغيير معالمها الجغرافية وطمس هويتها العربية الإسلامية، وتخصيص جزء من أراضيها لإقامة حي للسفارات الأجنبية المعتمدة لديها، لكن شعبنا الأبي مثلهم كمثل إخوانهم الأبطال في كل مدن وقرى فلسطين الحبيبة يقفون لهم بالمرصاد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. [ ص: 118 ]
التالي
السابق