الحكم الشرعي في قبول التعويض:
قبول التعويض من اليهود أو سماسرتهم عن جزء من أرض فلسطين حرام، وكذلك التنازل عن حق العودة إلى الوطن، وهما من أعظم الكبائر والآثام.. وقد أفتى بذلك علماء الأمة.
فأرض فلسطين أرض خراجية وقفية مقدسة مباركة بإجماع الصحابة منذ الفتح العمري، وقبول التعويض والتنازل عنها لغير المسلمين من أعداء الإسلام باطل شرعا، ومن أعظم المنكرات والآثام، ذلك أن الذي يقبل التعويض عن أرضها وعقاره في فلسطين لليهود يكون مشاركا في التنازل عن إسلامية أرض فلسطين لتصبح يهودية، ومساعدا على هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه، ويكون مواليا لليهود ناصرا لهم في تحقيق أهدافهم التوراتية بتهويد أرض الإسلام وفلسطين، وهدم المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث المسجدين، الذي تشد إليه الرحال، خائنا لوطنه ومقدساته، بائعا لدماء
[ ص: 170 ] المجاهدين والعلماء والشهداء، الذين ضحوا بأرواحهم وأموالهم ودمائهم لتحرير فلسطين منذ عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى يومنا هذا.
وهذا كله من أعظم الكبائر والآثام وموالاة لأعداء الله، والله يقول:
( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) (المائدة:51).
ولقوله تعالى:
( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) (الممتحنة:9).
وقد سبق أن أفتت لجنة كبار العلماء في الأزهر الشريف بهذا، وقالوا في فتواهم: "ولا ريب أن مظاهرة الأعداء وموادتهم يستوي فيها أمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدامهم بالرأي والفكرة وبالسلاح والقوة"، ومن المعلوم أن التنازل للعدو عن الأرض، التي نملكها في فلسطين هو من أعظم ما يقوي جانب العدو ويعطيه الشرعية لاغتصابه وعدوانه.
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن موالاة الأعداء إنما تنشأ عن مرض في القلوب يدفع أصحابها إلى هذه الذلة، التي تظهر بموالاة الأعداء، فقال تعالى:
( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم ) (المائدة:52)، أي يهرولون فيما يدعوهم إليه أعداؤهم من تطبيع أو بيع أرض؛
( يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) (المائدة:52).
[ ص: 171 ]
ويحرم شرعا على المسلمين أن يمكنوا إسرائيل ومن ورائها الدول الاستعمارية من تنفيذ تلك المشروعات، التي لا يراد بها إلا ازدهار دولة اليهود وبقاءها في رغد من العيش وخصوبة في الأرض، حتى تعيش كدولة تناوئ العرب والإسلام في أعز دياره وتفسد في البلاد أشد فساد.
ومن المعلوم شرعا أن أرض فلسطين أمانة في عنق كل مسلم، وصاحب الأرض أمين على أرضه بحفظها إسلامية، ومن تنازل عنها ليهود خان الأمانة وخان الله ورسوله، قال تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) (الأنفال:27).
قال سماحة الشيخ سعد الدين العلمي مفتي القدس السابق ورئيس الهيئة الإسلامية العليا: "إن من يبيع أرضا أو دارا أو عقارا لليهود أو يسمسر على ذلك أو يؤجرهم ذلك أو يمكنهم وضع أيديهم على عقار بأي شكل من الأشكال، كافر ومرتد عن الإسلام، يفسخ عقد الزواج بينه وبين زوجته؛ لردته بمجرد مباشرته لذلك العمل".
وقال سماحة الشيخ عبد الله القلقيلي، رحمه الله، مفتي المملكة الأردنية الهاشميـة سـابقا: "إن كل من يبيـع الأرض، التي من بيت المقدس وما حولها - أي من فلسطين- للأجانب أو يكون سمسارا أو وسيطا في ذلك إنما هو: محارب لله ورسـولـه وخـائن لدينه ووطنه، وأن مـأواه الـنار وبئـس الـقـرار، وأنه متلطخ بالإثم والخسة والعار، وأنه مهما كثر ماله من ذلك فلن يكون له إلا الازدراء والاحتقار، ولعذاب الآخرة أخزى.
[ ص: 172 ]
وقد أفتى الشيخ محمد رشيد رضا، رحمه الله، بأن من يبيع شبرا من أرض فلسطين وما حولها لليهود أو للإنجليز كمن يبيعهم المسجد الأقصى وكمن يبيع الوطن كله- فهي تعد شرعا من المنافع الإسلامية العامة، لا من الأملاك الشـخـصـيـة، وتمـليـك الحربي لـدار الإسـلام باطل وخيانة لله ولرسـولـه ولأمانة الإسلام.
إن التنازل عن أرض فلسطين أو أي جزء منها محاربة لله ولرسوله، واتباع لغير سبيل المؤمنين، الذين حرروها وحفظوا إسلاميتها وبذلوا في سبيل ذلك أرواحهم ودماءهم منذ الفتح العمري بعد معركة حطين إلى يومنا هذا، قال تعالى:
( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) (النساء:115).
إن التنازل عن أرض فلسطين وقبول التعويض عن ذلك، هو تنازل عن حق العودة إليها والواجب الشرعي في تحريرها، وكذلك هو تنازل عن حق المسلمين جميعا فيها، وهذا من أعظم المحرمات والمنكرات، قال تعالى:
( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ) (محمد:35).
قال ابن قدامة المقدسي: "إذا غزا ديار الإسلام الأعداء فأخذوا شبرا واحدا فقد وجب الجهاد بالنفس والمال على كل مسلم ومسلمة، ويخرج الولد بغير إذن والديه والمرأة بغير إذن زوجها".
[ ص: 173 ]
إن المحافظة على إسلامية فلسطين وقدسيتها من حقوق الله تعالى، وقد اختارها الله لتكون مسرى نبيه صلى الله عليه وسلم ومنطلق معراجه، وهي امتداد لساحات المسجد الأقصى، وأجمع المسلمون منذ عهد عمر رضي الله عنه على وقفيتها وقدسيتها، وسماها الله في القرآن الكريم الأرض المقدسة، والأرض التي بارك الله فيها وحولها، فلا يجوز لأحد أن يبيع أرضه لليهود وأعداء الإسلام؛ لأنه بهذا يبيع حق الله المتعلق بإسلامية هذه الأرض، وإعلاء كلمة الله فيها، فكل ما يتعلق بالدين أو العرض هو حق لله تعالى والذي يتنازل عن أرضه في فلسطين كمن يتنازل عن عرضه وشرفه، فهذه الأرض المباركة شرف الإسلام وعرضه لا يفرط في جزء منها مسلم يغار على دينه وشرفه وعرضه ومقدساته.
إن الـقـبـول بالتعـويـض عن أرض فلسـطـين من اليهود سيؤدي إلى تـهويد فلسطـين والتفريط بـحـق المسـلمـين في العودة إليها وشد الرحال إلى مسـجـدها الأقصى، ومعـنـاه بيـع الأراضي الوقفية، التي يحرم بيعها، وزوال السيادة الإسلامية عنها وانتقال السيادة اليهودية عليها، وذلك ما يعرض من باع وتنازل وقبـل التعـويض لغضب الله عز وجل وعـذابه، قـال تعالى:
( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) (النور:63)،
( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) (الشعراء:227).
[ ص: 174 ]