الفصل الثاني
سمات العمل التطوعي وغاياته وإشكالياته
في ضوء الحديث النبوي
المبحث الأول: سـمات العمل الخيري
حفل الدين الإسلامي الحنيف بأروع نموذج للعمل التطوعي تتجلى فيه الأهداف والغايات الإنسانية السليمة، مما جعل العمل التطوعي ركيزة أساسية في بناء المجتمع الإسلامي، متميزا بالعديد من التوجيهات الإنسانية، كالتكافل والتراحم والأخوة والتعاطف، مما اشتملت عليه الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، التي تحث على العمل الخيري في مختلف المجالات، لتنطبق على كافة أنواعه وتتوافق مع تنفيذ هذه الأعمال الإنسانية في أي زمان ومكان، كما بينت ما سوف ينال المتطوع من أجر وثواب من الله عز وجل.
ويمكن أن نورد بعض مجالات الخدمات التطوعية، التي تتجلى فيها سمات العمل الخيري التطوعي والتي تضمنتها الشريعة الإسلامية:
[ ص: 67 ] - في مجال الرعاية التعليمية:
- قال تعالى:
( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ) (البقرة:151).
- في مجال رعاية الأيتام والأرامل والمساكين:
- قال تعالى:
( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل ) (النساء:36).
وقال صلى الله عليه وسلم :
( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا".. وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئا ) >[1] .
لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجـنة بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم أو من منزلة النبي، لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قـوم لا يعقلون أمر دينهم، فيكون كافلا لهم ومعلما ومرشدا، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه، بل ولا دنياه، ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه
>[2] .
[ ص: 68 ]
وقال صلى الله عليه وسلم :
( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو: كالذي يصوم النهار ويقوم الليل ) >[3] .. والساعي: الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة، فإذا ثبت هذا الفضل لمن ينفق على من ليس له بقريب ممن اتصف بالوصفين، فالمنفق على المتصف أولى
>[4] .
وفي الحديث أن المسكنة إنما تحمد مع العفة عن السؤال والصبر على الحاجة، وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال وحسن الإرشاد لوضع الصدقة، وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح، وفيه دلالة لمن يقول: إن الفقير أسوأ حالا من المسكين، الذي له شيء لكنه لا يكفيه، والفقير الذي لا شيء له
>[5] .
- في مجال خدمة البيئة:
حثت الشريعة الإسلامية على العمل في أشكال متعددة من خدمة المجتمـع والبيـئـة ومنـهـا إزالـة الأذى عن الطريق، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ... ويميط الأذى عن الطريق صدقة ) >[6] .. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان، أو طير، أو بهيمة، إلا كان له صدقة ) >[7] .
[ ص: 69 ] - في مجال أعمال البر والخير:
حث القرآن علـى أعمـال الـبر وأوجـه الخـير، ومن ذلك قولـه تـعـالى:
( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) (المائدة:3)، وقال تعالى:
( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) (البقرة:261).
- في مجال الإغاثة:
أعمال الإغاثة ونجدة المحتاج من الأعمال الإنسانية، التي يحض عليها الدين الإسـلامي الحـنـيـف، ومنـها إغـاثـة المـلهوف والمكروب والمتضرر، عن أبي هريرة، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ... يعين الرجل في دابته، فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة.. ) >[8] .
وقد جرت سنة الله تبارك وتعالى في البشر أن جعل بعضهم لبعض سخريا ورفع بعضهم فوق بعض درجات ليبلوهم فيما آتاهم، وجعل سعادتهم لا تتم إلا بالتعاون والتواصل، واستقرار حياتهم لا يكون إلا بالتعاطف والتراحم، يرفق القوي بالضعيف ويحسن المكثر إلى المقل ويصل الواجد المنقطع، ولا يكون الشقاء وحصول البلاء إلا حين يفشو في الناس التقاطع والتدابر وتحل الأنانية محل الإيثار.
( اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، [ ص: 70 ] وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام ) >[9] .. "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة"
>[10] .
أي صرف الله عن وجهه نار جهنم، وخص الوجه لأن تعذيبه أنكى في الإيلام وأشد في الهوان
>[11] ( خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره ) >[12] ... (خيرهم لصاحبه) ، أي أكثرهم إحسانا إليه، ولو بالنصيحة.. (خيرهم لجاره)، أي ولو برفع الأذى عنه
>[13] .
والنفس الكريمة يعز عليها أن ترى مسكينا تمزقت ثيابه، أو تبصر حافيا دميت أصابعه، أو تلحظ جائعا يمد بصره إلى شيء لدى غيره، أو أرامل جفت مآقيهم، أو أيتاما تكسرت خواطرهم وتحطمت آمالهم.. فدروب الخير كثيرة، وأبواب البر مشرعة، وحوائج الناس متنوعة: إطعام جائع، وكسوة عار، وتعليم جاهل، وإعانة عاجز، وإنظار معسر، وإسعاف مفجوع وأرملة، وإقامة مستشفى وتوفير علاج ومداواة مريض، وطبع كتاب، وحفر آبار، وزرع أشجار، وتعبيد طرق... فهذه بعض مظاهر العمل الخيري، التي تتجلى فيها سمات العمل التطوعي بصفة عامة.