الـمقـدمـة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة للعالمين، هاديا، ومبشرا، ونذيرا بين يدي الساعة، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن ميدان الدراسات القرآنية ما زال، وسيبقى رحبا فسيحا، يجتذب إليه المختصين والمهتمين بهذا الكتاب العزيز، خدمة له وثوابا به، ولقد استحثنا الله عز وجل على تدبر آياته ومعانيه ومنهجه ومراميه:
( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) (محمد:24)،
( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) (ص:29) ليبقى هذا الكتاب العظيم منهلا لمعاني لا ينقضي أمدها حتى يقبض الله جل جلاله خلقه إليه.
وما زال موضوع القيم بعامة، ولا سيما القيم الحضارية، موضوعا بكرا بحاجة إلى إعمال الجهد فيه، ويأتي ذلك في سياق بيان المنهج القرآني للاسـتخلاف في الأرض وإعـمارها، فـحـركـة الإنسـان على هذا الكـوكب وسـعيه من أجل إعماره لا تنفك عن الحاجة الماسة إلى بيان القيم الضابطة لسعي الإنسان، والحاكمة عليه، والموجهة له، كيما ينحرف عن صراطه السـوي، فإن القلوب والعقول والنفوس يستحثها الإغواء، وتجتذبها الأهواء يمينا
[ ص: 5 ] وشـمالا في سـبل ومناهـج شـتى مغـايرة لمنهـج الله تعـالى ومخالفة له، فضـلا عن أن الأمة ما زالت تتخبط في مأزقها الحضاري، لا تكاد تجد فكاكا منه، وهو ما يهدد مصيرها ومستقبلها في عالم يتلاطم في صراعات يبدو أن لها بداية من دون أن تلوح لها نهاية.
وفي هـذا السـياق، فـإن الأمـة مهددة بفقدان هويتها وخصوصيتها ما لم تلتقط زمام المبادرة الحضـارية المنـضبـطـة بقيمها الخاصة، التي شرعها الله تعالى في كتابه العزيز.
من هنـا جـاءت هذه الدراسة المتواضعة لبيان جوانب من هذه القيم كمـا سنها الله تعالى في سورة العنكبوت، التي شدني إليها زواياها المتعددة، التي شكلت إطلالات مهمة على موضوع القيم الحضارية الفسيح والرحيب.
والله وحده ولي التوفيق.
[ ص: 6 ]