المبحث الثالث
موقفنا من القيم الغربية
لعل من الأنسب في بداية هذا المبحث، أن نعود إلى عنوان الفصل لنضبط من خلاله زاوية التحليل ومنطق الكلام.
(نحن والقيم الغربية)... هكذا هو عنوان فصلنا، فإذا كنا في المبحث السـابق تـنـاولنا (القـيم الغربية)، يبقى أن نحدد هنا هذه الـ (نحن) والتي تظهر في نون (موقفنا)، في عنوان المبحث.
ماذا نعني بـ(نحن)؟ ليتحدد بذلك موقف من سنبحث؟
هل (نحن) نشير بها إلى (الإسلام) أم إلى (المسلمين)؟ بعبارة أخرى، هل سنـتـحـدث عن مـوقف الإسـلام باعتباره جمـلـة من القيم في بعدهـا النظري، كما تنـاولنا ذلك في الـفـصـل الأول، أم سنـتـحدث عن موقف المسـلـمـين، أي تـمثـلات تلك القيم في الواقع، بغض النظر عن مدى تطابقها أو تنافرها أو حتى تناقضها مع تلك القيم؟
إننا هنا سنتحدث عن موقف المسلمين، وليس الإسلام، وسنرجئ الحديث عن الإسلام كمنظومة قيم إلى الفصل الثالث، عندما نتناول الموقف من الديمقراطية.
أما هنا فسنتناول كيف تعامل المسلمون ـ أو بوجه أدق نخبهم ـ مع القيم الغربية ذات السمات والخصائص والمآلات التي تناولناها في المبحث السابق.
[ ص: 106 ]
إن الدارس لموقف المسلمين من القيم الغربية، سيدرك منذ اللحظة الأولى، أن هذا الموقف أو المواقف، قد تحدد تحت وقع صدمة اللقاء مع الآخر/الحضارة الغربية وحداثتها.
ومن بين غبار ذلك الصدام، خرجت مواقف ثلاثة:
- موقف الذوبان.
- موقف التنافر.
- موقف التفاعل الواعي.
وسنحاول بحسب ما يسمح به المقام، أن نقف مع كل موقف من هذه المواقف، نحلل طبيعته، ونبين أهم مقولاته، وربما أشرنا إلى بعض رموزه.
- اللقاء مع الآخر والصدمة:
كان المسلم يعيش على مستوى الأوهام، في عالم الخيرية الموروثة من أسلافه... أما في الواقع فكان يعيش في عالم قد هجرته الحضارة، وساده الركود والتوازن مع التخلف!!
وفي المنطقة المهجورة حضاريا، يكون الإنسان "أمام حالة (سكون) تختل فيها العلاقة بين شروط الحركة الحضارية، وتتفكك فيها الروابط التي كانت تجمع بين (الروح) و (العقل) و (الإرادة)، وهي العناصر التي تمثل عوامل دفع وفي الوقت ذاته عوامل تنظيم لكل حركة تاريخية تكون نتيجتها بناء حضارة"
>[1] .
هكذا كان الإنسان المسلم... إنسان (ما بعد الموحدين) - كما أسماه مالك بن نبي-
[ ص: 107 ] >[2] ، فاستيقظ فجأة ليصدم بواقع التخلف، الذي انعكست صورته الكالحة في مرآة الآخر الغازي!!
ومن هول الصدمة نشأ تياران:
1- تيار الذوبان في (الآخر).
2ـ تيار التحصن بالذات أمامه.
وقد كان كلا التيارين استجابة نفسية أكثر منها استجابة عقلية، للتحدي الذي فرضه الغازي على المسلمين، بجيوشه وأفكاره ونمط حياته.