المـطـلب الأول
نماذج من أعلام السلف
في سياق التفاعل بين نصوص الإسلام وعقول المسلمين برز الكثير من الأعلام في حقب تاريخية مختلفة، إذ ظلت عملية إعمال العقل (الاجتهاد) مستمرة في كل العصور، وحتى في عصور التراجع الحضاري لم يتوقف العقل المسلم عن التفكير والاجتهاد في حده الأدنى رغم الدعوات لغلق أبواب الاجتهاد وتسيد ثقافة التقليد، ولكن الاجتهاد لم يكن بقدر حاجات الأمة ومستجدات الحياة ولا سيما في بعض المجالات كالفقه السياسي الذي كاد أن يموت من الندرة، بينما عانى الفقه الشعائري من التخمة القاتلة.
وبسبب ذلك طالت مرحلة النكوص الحضاري التي استمرت قرونا عديدة من التراجع، مالت فيها دياجير التخلف إلى الكر بينما ذهبت أنوار التقدم نحو الفر، وامتدت الآثار السلبية لهذه القرون الحالكة إلى الآن، فما زالت كثير من مظاهر التخلف تقتات من مخلفات تلك العهود، ومن ذلك قضية الموقف من (الآخر) التي ما زالت واحدة من أهم نقاط الضعف في جدار الفكر الإسلامي المعاصر.
وفي إطار تأصيل حكم الاستفادة من الآخر، لم نجد دراسات متكاملة، كما أسلفنا، في مقدمة هذه الدراسة، بل وجدنا إشارات بسيطة تناثرت هنا وهناك، ونعتقد أن جمعها كما نفعل الآن سيسد ثغرة مهمة في الفكر [ ص: 83 ] الإسـلامي المعـاصر، إذ قـد يؤدي إلى استـكمال الصـورة التي تـقترب إلى حد ما من الصورة الواضحة التي برزت في ثنايا آيات القرآن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وتطبيقات عامة الصحابة، الذين كانوا خير تجسيد لقيم هذا الدين العظيم، ولا سيما الخلفاء الراشدين، الذين أجادوا صناعة العصر الذهبي لهذا الدين في أنفسهم وفي واقع الحياة، حتى بدا الإسلام في وعي كثير من معاصرينا كأنه دين مثالي عصي على التطبيق، وما هو إلا دين واقعي يمتلك الترياق، الذي يرتقي بتراب الإنسان إلى آفاق بعيدة تجعل كثيرا من بني آدم يقتربون من صورة الملائكة، في أشواقهم الروحية وأخلاقهم السامقة ومعاملاتهم الرفيعة.
وإذا تأملنا هذه الإشارات والنتف من أقوال علماء السلف سنجد أنها تتوزع في مجالين اثنين:
الأول: مجال التأصيل الفكري؛ والآخر: مجال التجسيد الفعلي.
التالي
السابق