الفصل التمهيدي
المبحث الأول
الإسلام نظام شامل ومتفرد
يتميز الدين الإسلامي بعدد من السمات والخصائص، ومن أهمها:
- خاصية الشمول:
فقد جـاء الإسـلام بأحكام وتشريعات تستوعب كل مناحي الحياة، وتتناول كل جوانب النشاط الإنسـاني، فهو "رسالة للإنسـان في كل مجالات الحياة، وفي كل ميادين النشاط البشري، فلا يدع جانبا من جـوانب الحياة الإنسـانية إلا كان له فيه موقـف، وقد يتمثل في الإقـرار والتأييد، أو في التصحيح والتعـديل، أو في الإتـمـام والتكميل، أو في التغيـير والتبـديـل، وقد يتدخـل بالإرشاد والتوجيه، أو بالتشـريع والتقنين،
[ ص: 13 ] وقد يسلك سبيل الموعظة الحسنة، وقد يتخذ أسلوب العقوبة الرادعة، كل في موضعه"
>[1] .
وتتجلى شمولية الإسلام في قواعده ومبادئه الكلية، كما تتجلى في أحكامه التفصيلية، وما لم تتناوله أحكام الشريعة بالتفصيل فإنه يندرج تحت قواعدها ومبادئها العامة، بما تتضمنه من معالم هادية، وضوابط واضحة، تكفل الصلاح والاستقامة وتحقيق المصالح الفردية والجماعية على أكمل وجه.
إن الإسلام هو خاتمة الرسالات السماوية، وقد جاءت شريعته مستوعبة للحياة بكل جوانبها، وجميع مجالاتها، ومن يمعن النظر فيما جاءت به شريعة الإسلام من قواعد ومبادئ وأحكام، فإنه يجد فيها من الشمول والسمو والكمال ورعاية المصالح ما لا نظير له في الشرائع الأخرى، دينية كانت أم وضعية، وسابقة كانت أم لاحقة.
فلقد قامت شريعة الإسلام على أصل عظيم، وذلك الأصل هو تحصيل المصالح والمنافع، ودفع المضار والمفاسد، وعن هذا الأصل يقول الإمام ابن تيمية (ت728هـ): "الشريعة مبناها على تحصيل المصالح
[ ص: 14 ] وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها"
>[2] .
وهذا الأصل يقتضي شمولية الشريعة وقدرتها على إيجاد الحلول للمستجـدات والنوازل الحادثة، ولم يزل العلماء بالشريعة يقررون هذا الأصل قديما وحديثا، ومن ذلك قول الإمام الشافعي (ت204هـ):
"فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها"
>[3] .
وهذا القول من الإمام الشافعي هو قول كل عالم وعارف بالشريعة.
لقد جاءت شريعة الإسلام لأجل صلاح وكرامة الإنسان، ولتجعل المجتمعات تعيش في أمن واستقرار واستقامة، ومن هذا المنطلق جاءت بأحكام شاملة تستوعب كل مناحي الحياة.
وقد جعلت الشريعة محاربة الفساد وقطع دابر المفسدين على رأس أولوياتها، وسـلكت في ذلك مسالك عدة، من ذلك: المسلك الوقائي، الذي يبرز في جملة من التشريعات الوقائية العامة، كما يبرز في تشريعات وأحكام وتدابير وقائية خاصة، وبما يتناسب مع كل حالة، ومع كل سلوك
[ ص: 15 ] فاسد ودرجة خطورته.
ومن هذا المنطـلق الشمـولي يأتي البحث في سـيـاسـة الإسـلام الوقائية في مكافحة الفساد المالي والإداري، وسيرى القارئ الكريم ـ من خـلال صفحات البحث القادمة ـ أن للإسلام سياسته الوقائية المتفردة في منطلقـاتـها، ووسائـلها، وآثـارها، وأن شريعة الإسـلام قـد اتـخذت العـديد من الإجراءات والتـدابيـر الوقـائية لمكافحـة الفسـاد المالي والإداري، وأن تلك الإجراءات والتدابير كفيلة - لو طبقت - بمكافحة ظـاهرة الفسـاد المالي والإداري، واجتثاثه من جذوره، وتخليص المجتمعات من شروره.
[ ص: 16 ]