الخاتمة
بعد هذه الرحلة في ثنايا معركة خيبر وطيـاتها بحثا عن القيم الحضـارية، التي رافقتها وكشفت الجوهر الحقيقي للإسلام ولنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وجدت أن خير ما أختم به هذه الدراسة شهادة لاثنين من أبرز مؤرخي العالم وكتابه المعاصرين وهما: "ويل ديورانت" و"مايكل هارت".
يقول "ديورانت" في كتـابـه "قصـة الحضـارة" (ج13/ص47): "وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا: إن محمدا كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية مرارة الجـو وجـدب الصـحراء، وقد نـجح في تحقيق هذا الغرض تماما لم يدانه فيه أي مصلح آخر عبر التاريخ كله... وأقام فوق اليهودية والمسيحية ودين بلاده القديم دينا سهلا واضحا قويا وصرحا خلقيا، واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يوم النـاس هـذا قـوة ذات خطر - أي شأن عظيم - في نصف العالم".
ويقول "مايكل هارت" في كتابه "أعظم مائة شخصية في التاريخ" (ص14-15): "لقد اخترت محمدا صلى الله عليه وسلم في أول هذه القائمة، ولا بد أن [ ص: 135 ] يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق في ذلك، ولكن محمدا عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي، وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائدا سيـاسـيا وعسـكريا ودينيا... وأكثر هؤلاء الذين اخترتهم قد ولدوا ونشأوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسيا وفكريا، إلا محمد صلى الله عليه وسلم فهو قد ولد في سنة (570م) ، وبسرعة اكتسب الرسول والإسلام قوة ومنعة، وأصبح محمد صلى الله عليه وسلم أقوى وأعمق أثرا في قلوب الناس...".
وإذا كان النجاح الديني والروحي الذي أشـار إليه كلاهما واضح الدلالة، فإن نجاح النبي صلى الله عليه وسلم الدنيوي - وقد أشار إليه كلاهما أيضا - يعني حتما إرساء أسس وقواعد وقيم حضارية أثمرت واحدة من أهم الحضارات، التي ما زالت ظلالها تظلل العالم حتى اليوم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه الطيبين الطاهرين. [ ص: 136 ]
التالي
السابق