صفحة جزء
[ ص: 28 ] مسألة :

قال علي : ذكرنا في أول كلامنا ههنا في الأضاحي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره ولا من أظفاره شيئا } ، ولم نذكر اعتراض المخالفين في ذلك بالنسيان فاستدركنا ههنا ما روي عن أم سلمة أم المؤمنين أنها أفتت بذلك .

ونا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد نا يزيد بن زريع نا سعيد بن أبي عروبة نا ابن أبي كثير هو يحيى - أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان : أن الرجل إذا اشترى أضحية ، ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره حتى يضحي .

قال سعيد : قال قتادة : فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال : نعم ، فقلت : عمن يا أبا محمد ؟ قال : عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال مسدد : ونا المعتمر بن سليمان التيمي سمعت أبي يقول : كان ابن سيرين يكره إذا دخل العشر أن يأخذ الرجل من شعره حتى يكره أن يحلق الصبيان في العشر ، وهو قول الشافعي ، وأبي ثور ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي سليمان ، وهو قول الأوزاعي ، وخالف ذلك أبو حنيفة ، ومالك - وما نعلم لهما حجة أصلا ، إلا أن بعضهم ذكر ما روينا من طريق مالك عن عمارة بن عبد الله بن صياد عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا بالاطلاء في العشر ، قالوا : وهو راوي هذا الخبر .

وما روينا من طريق عكرمة أنه ذكر له هذا الخبر فقال : فهلا اجتنب النساء والطيب - وما نعلم لهم غير هذا أصلا ، وهذا كله لا شيء - :

أما الرواية عن سعيد أنه كان لا يرى بأسا بالاطلاء في العشر ; فالاحتجاج به باطل لوجوه - :

أولها : أنه لا حجة في قول سعيد ، وإنما الحجة التي ألزمناها الله تعالى فهي روايته ورواية غيره من الثقات .

وثانيها : أنه قد صح عن سعيد خلاف ذلك مما ذكرنا قبل وهو أولى بسعيد . [ ص: 29 ] وثالثها : أنه قد يتأول سعيد في الاطلاء أنه بخلاف حكم سائر الشعر ، وأن النهي إنما هو شعر الرأس فقط .

ورابعها : أن يقال لهم : كما قلتم لما روي عن سعيد خلاف هذا الحديث الذي روي دل على ضعف ذلك الحديث ; لأنه لا يدع ما روي إلا لما هو أقوى عنده منه ; فالأولى بكم أن تقولوا لما روى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم خلاف ما روي عن سعيد : دل ذلك على ضعف تلك الرواية عن سعيد ، إذ لا يجوز أن يفتي بخلاف ما روى - فهذا اعتراض أولى من اعتراضكم .

وخامسها : أنه قد يكون المراد بقول سعيد في الاطلاء في العشر إنما أراد عشر المحرم لا عشر ذي الحجة ; وإلا فمن أين لكم أنه أراد عشر ذي الحجة ؟ واسم العشر يطلق على عشر المحرم كما يطلق على عشر ذي الحجة ؟

وسادسها : أن نقول : لعل سعيدا رأى ذلك لمن لا يريد أن يضحي ، فهذا صحيح ، وأما قول عكرمة ففاسد ، لأن الدين لا يؤخذ بقول عكرمة ورأيه ، إنما هذا منه قياس والقياس كله باطل .

ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل ، لأنه ليس إذا وجب أن لا يمس الشعر ، والظفر ، بالنص الوارد في ذلك يجب أن يجتنب النساء والطيب ، كما أنه إذا وجب اجتناب الجماع والطيب ، لم يجب بذلك اجتناب مس الشعر والظفر .

فهذا الصائم فرض عليه اجتناب النساء ، ولا يلزمه اجتناب الطيب ، ولا مس الشعر ، والظفر - وكذلك المعتكف ، وهذه المعتدة يحرم عليها الجماع والطيب ، ولا يلزمها اجتناب قص الشعر والأظفار .

فظهر حماقة قياسهم وقولهم في الدين بالباطل ، وهذه فتيا صحت عن الصحابة رضي الله عنهم ولا يعرف فيها مخالف منهم لهم ، فخالفوا ذلك برأيهم .

ورواه مالك مرسلا ، فخالفوا المرسل والمسند - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية