116 - مسألة :
وقراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى جائز ، كل ذلك بوضوء وبغير وضوء وللجنب والحائض . برهان ذلك أن قراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى
[ ص: 95 ] أفعال خير مندوب إليها مأجور فاعلها ، فمن ادعى المنع فيها في بعض الأحوال كلف أن يأتي بالبرهان . فأما قراءة القرآن فإن الحاضرين من المخالفين موافقون لنا في هذا لمن كان على غير وضوء ،
واختلفوا في الجنب والحائض . فقالت طائفة : لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ، وهو قول روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وعن غيرهما روي أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=14102كالحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي وغيرهم وقالت طائفة : أما الحائض فتقرأ ما شاءت من القرآن . وأما الجنب فيقرأ الآيتين ونحوهما ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وقال بعضهم : لا يتم الآية ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة . فأما من منع الجنب من قراءة شيء من القرآن ، فاحتجوا بما رواه
عبد الله بن سلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47441أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة } وهذا لا حجة لهم فيه ; لأنه ليس فيه نهي عن أن يقرأ الجنب القرآن ، وإنما هو فعل منه عليه السلام لا يلزم ، ولا بين عليه السلام أنه إنما يمتنع من قراءة القرآن من أجل الجنابة .
وقد يتفق له عليه السلام ترك القراءة في تلك الحال ليس من أجل الجنابة ، وهو عليه السلام لم يصم قط شهرا كاملا غير رمضان ، ولم يزد قط في قيامه على ثلاث عشرة ركعة ، ولا أكل قط على خوان ، ولا أكل متكئا . أفيحرم أن يصام شهر كامل غير رمضان أو أن يتهجد المرء بأكثر من ثلاث عشرة ركعة ، أو أن يأكل على خوان ، أو أن يأكل متكئا ؟ هذا لا يقولونه ، ومثل هذا كثير جدا . وقد جاءت آثار في نهي الجنب ومن ليس على طهر عن أن يقرأ شيئا من القرآن ، ولا يصح منها شيء ، وقد بينا ضعف أسانيدها في غير موضع ، ولو صحت لكانت حجة على من يبيح له قراءة الآية التامة أو بعض الآية ; لأنها كلها نهي عن قراءة القرآن للجنب جملة . وأما من قال يقرأ الجنب الآية أو نحوها ، أو قال لا يتم الآية ، أو أباح للحائض ومنع الجنب فأقوال فاسدة ; لأنها دعاوى لا يعضدها دليل لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة .
ولا من إجماع ولا من قول صاحب ولا من قياس ولا من رأي سديد ، لأن بعض الآية والآية قرآن بلا شك ، ولا فرق بين أن يباح له آية أو أن يباح له أخرى ، أو بين أن يمنع من آية أو يمنع من أخرى ، وأهل هذه الأقوال
[ ص: 96 ] يشنعون مخالفة الصاحب الذي لا يعرف له مخالف ، وهم قد خالفوا ههنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=23وسلمان الفارسي ، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة . رضي الله عنهم وأيضا فإن من الآيات ما هو كلمة واحدة مثل {
والضحى } و {
مدهامتان } و {
والعصر } و {
والفجر } ومنها كلمات كثيرة كآية الدين ، فإذ لا شك في هذا . فإن في إباحتهم له قراءة آية الدين والتي بعدها أو آية الكرسي أو بعضها ولا يتمها ، ومنعهم إياه من قراءة {
والفجر وليال عشر والشفع والوتر } أو منعهم له من إتمام ( مدهامتان ) لعجبا . وكذلك تفريقهم بين الحائض والجنب بأن أمد الحائض يطول ، فهو محال ، لأنه إن كانت قراءتها للقرآن حراما فلا يبيحه لها طول أمدها ، وإن كان ذلك لها حلالا فلا معنى للاحتجاج بطول أمدها . حدثنا
محمد بن سعيد بن نبات ثنا
عبد الله بن نصر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ عن
محمد بن وضاح عن
nindex.php?page=showalam&ids=17180موسى بن معاوية ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة قال : لا بأس أن يقرأ الجنب القرآن وبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17180موسى بن معاوية ثنا
يوسف بن خالد السمتي ثنا
إدريس عن
حماد قال سألت
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن الجنب هل يقرأ القرآن ؟ فقال : وكيف لا يقرؤه وهو في جوفه وبه إلى
يوسف السمتي عن
نصر الباهلي .
قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يقرأ البقرة وهو جنب . أخبرني
محمد بن سعيد بن نبات ثنا
أحمد بن عون الله ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ثنا
محمد بن عبد السلام الخشني ثنا
محمد بن بشار ثنا
غندر ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن الجنب يقرأ فلم ير به بأسا وقال : أليس في جوفه القرآن ؟ وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود وجميع أصحابنا .
وأما
سجود القرآن فإنه ليس صلاة أصلا ، لما حدثناه
عبد الله بن ربيع ثنا
محمد بن معاوية ثنا
أحمد بن شعيب ثنا
محمد بن بشار ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي nindex.php?page=showalam&ids=16769ومحمد بن جعفر قالا ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17392يعلى بن عطاء أنه سمع
عليا الأزدي - وهو علي بن عبد الله البارقي ثقة - أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20800صلاة الليل والنهار مثنى مثنى } وقد صح عنه عليه السلام أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15785الوتر ركعة من آخر الليل }
[ ص: 97 ] فصح أن ما لم يكن ركعة تامة أو ركعتين فصاعدا فليس صلاة .
والسجود في قراءة القرآن ليس ركعة ولا ركعتين فليس صلاة ، وإذ ليس هو صلاة فهو جائز بلا وضوء ، وللجنب وللحائض وإلى غير القبلة كسائر الذكر ولا فرق ، إذ لا يلزم الوضوء إلا للصلاة فقط ، إذ لم يأت بإيجابه لغير الصلاة قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس . فإن قيل : إن السجود من الصلاة ، وبعض الصلاة صلاة . قلنا - وبالله تعالى التوفيق : هذا باطل ; لأنه لا يكون بعض الصلاة صلاة إلا إذا تمت كما أمر بها المصلي ، ولو أن امرأ كبر وركع ثم قطع عمدا لما قال أحد من أهل الإسلام إنه صلى شيئا ، بل يقولون كلهم إنه لم يصل ، فلو أتمها ركعة في الوتر أو ركعتين في الجمعة والصبح والسفر والتطوع لكان قد صلى بلا خلاف . ثم نقول لهم : إن القيام بعض الصلاة والتكبير بعض الصلاة وقراءة أم القرآن بعض الصلاة والجلوس بعض الصلاة ، والسلام بعض الصلاة ، فيلزمكم على هذا أن لا تجيزوا لأحد أن يقول ولا أن يكبر ولا أن يقرأ أم القرآن ولا يجلس ولا يسلم إلا على وضوء ، فهذا ما لا يقولونه ، فبطل احتجاجهم ، وبالله تعالى التوفيق . فإن قالوا هذا إجماع ، قلنا لهم : قد أقررتم بصحة الإجماع على بطلان حجتكم وإفساد علتكم وبالله تعالى التوفيق .
وأما
مس المصحف فإن الآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه فإنه لا يصح منها شيء ; لأنها إما مرسلة وإما صحيفة لا تسند وإما عن مجهول وإما عن ضعيف ، وقد تقصيناها في غير هذا المكان .
وإنما الصحيح ما حدثناه
عبد الله بن ربيع قال ثنا
محمد بن أحمد بن مفرج نا
سعيد بن السكن ثنا
الفربري ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ثنا
الحكم بن نافع ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب عن
الزهري أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أخبره أن
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان أخبره أنه كان عند
هرقل فدعا
هرقل بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به
دحية إلى عظيم
بصرى ، فدفعه إلى
هرقل فقرأه ، فإذا فيه " بسم الله الرحمن الرحيم ، من
محمد عبد الله ورسوله إلى
هرقل عظيم
الروم سلام على من اتبع الهدى ( أما بعد ) فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و {
يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا [ ص: 98 ] وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } . فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث كتابا وفيه هذه الآية إلى
النصارى وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب .
فإن ذكروا ما حدثناه
عبد الله بن ربيع ثنا
محمد بن معاوية ثنا
أحمد بن شعيب ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47442كان ينهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو يخاف أن يناله العدو } فهذا حق يلزم اتباعه وليس فيه أن لا يمس المصحف جنب ولا كافر . وإنما فيه أن لا ينال أهل أرض الحرب القرآن فقط . فإن قالوا : إنما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
هرقل آية واحدة . قيل لهم : ولم يمنع صلى الله عليه وسلم من غيرها وأنتم أهل قياس فإن لم تقيسوا على الآية ما هو أكثر منها فلا تقيسوا على هذه الآية غيرها . فإن ذكروا قول الله تعالى : {
في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون } فهذا لا حجة لهم فيه لأنه ليس أمرا وإنما هو خبر . والله تعالى لا يقول إلا حقا . ولا يجوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جلي أو إجماع متيقن . فلما رأينا المصحف يمسه الطاهر وغير الطاهر علمنا أنه عز وجل لم يعن المصحف وإنما عنى كتابا آخر . كما أخبرنا
محمد بن سعيد بن نبات ثنا
أحمد بن عبد البصير ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ثنا
محمد بن عبد السلام الخشني ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
جامع بن أبي راشد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير في قول الله تعالى : {
لا يمسه إلا المطهرون } قال : الملائكة الذين في السماء حدثنا
حمام بن أحمد حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13542ابن مفرج ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي ثنا
الدبري حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ثنا
يحيى بن العلاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
إبراهيم النخعي عن
علقمة قال :
[ ص: 99 ] أتينا
nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي فخرج علينا من كنيف له فقلنا له : لو توضأت يا
أبا عبد الله ثم قرأت علينا سورة كذا ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان : إنما قال الله عز وجل : {
في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون } وهو الذكر الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة .
حدثنا
محمد بن سعيد بن نبات ثنا
أحمد بن عبد البصير ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ثنا
محمد بن عبد السلام الخشني ثنا
محمد بن بشار ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16769محمد بن جعفر ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور بن المعتمر عن
إبراهيم النخعي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16588علقمة بن قيس : إنه كان إذا أراد أن يتخذ مصحفا أمر نصرانيا فنسخه له . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا بأس أن يحمل الجنب المصحف بعلاقته ولا يحمله بغير علاقة . وغير المتوضئ عندهم كذلك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : لا يحمل الجنب ولا غير المتوضئ المصحف لا بعلاقة ولا على وسادة . فإن كان في خرج أو تابوت فلا بأس أن يحمله اليهودي والنصراني والجنب وغير الطاهر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : هذه تفاريق لا دليل على صحتها لا من قرآن ولا من سنة - لا صحيحة ولا سقيمة - ولا من إجماع ولا من قياس ولا من قول صاحب . ولئن كان الخرج حاجزا بين الحامل وبين القرآن فإن اللوح وظهر الورقة حاجز أيضا بين الماس وبين القرآن ولا فرق وبالله تعالى التوفيق .