ومما ذكرنا مسائل فيها خلاف قديم ، وهي - : من نذر الصدقة بجميع ماله ، ومن نذر أن ينحر نفسه ، ومن نذر المشي إلى
مسجد المدينة ، أو
مسجد إيلياء ، أو الركوب ، أو النهوض إلى
مكة ، أو إلى موضع سماه من
الحرم ، ومن نذر عتق عبده إن باعه ، أو عتق عبد فلان إن ملكه .
[ ص: 254 ] فأما الصدقة بجميع المال فقد ذكرنا من قال : لا شيء في ذلك من الصحابة والتابعين إذا خرج مخرج اليمين - وهو قولنا .
وقالت طائفة : من
نذر أن يتصدق بجميع ماله في المساكين فعليه أن يتصدق به كله ، صح ذلك من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رجلا سأله فقال جعلت مالي في سبيل الله ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : فهو في سبيل الله .
وروينا عن
سالم ،
والقاسم بن محمد ، أنهما قالا في هذه المسألة : يتصدق به على بعض بناته .
وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ، أنهما كانا يلزمانه ما جعل على نفسه - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبي سليمان ، قال هؤلاء : فإن أخرجه مخرج اليمين فكفارته كفارة يمين إلا
nindex.php?page=showalam&ids=15858أبا سليمان فقال : لا شيء في ذلك .
وقالت طائفة : يتصدق بجميعه حاشا قوت شهر فإذا أفاد شيئا تصدق بما كان أبقى لنفسه - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر بن الهذيل ، ورأى فيه إذا أخرجه مخرج اليمين كفارة يمين .
وقالت طائفة : يتصدق بثلث ماله ويجزيه - : روينا ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن حبيب عن
ابن شهاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب - وصح نحوه عن
الزهري - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد .
وقالت طائفة : فيه كفارة يمين - : روينا ذلك أيضا عن
عكرمة ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء .
وروينا ذلك قبل عن
عائشة أم المؤمنين ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر - وهو قول
الأوزاعي .
وقالت طائفة - كما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد أنه سئل عمن جعل ماله هديا في سبيل الله عز وجل ؟ فقال : إن الله تعالى لم يرد أن يغتصب أحدا ماله ، فإن كان كثيرا فليهد خمسه وإن كان وسطا فسبعه ، وإن كان قليلا فعشره .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : الكثير ألفان ، والوسط ألف ، والقليل خمسمائة .
[ ص: 255 ] وقالت طائفة - ما روينا بالسند المذكور إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، قال : يتصدق بخمسه .
وقالت طائفة : يتصدق بربع العشر - كما روينا ذلك آنفا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة ، وسوى بين من حلف بصدقة جميع ماله أو بصدقة جزء منه سماه وإنما روينا ذلك عنهم في اليمين بذلك .
وروينا عن
عبد العزيز بن الماجشون أنه استحسن قول
nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة هذا .
وقالت طائفة - كما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،
nindex.php?page=showalam&ids=16667وعمر بن ذر ، كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء فيمن قال : إبلي نذر ، أو هدي ، أنه يجزيه بعير منها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عنه : لعله يجزيه إن كانت إبله كثيرة .
وقال
ابن ذر عنه : يهدي جزورا ثمينا ، ويمسك بقية إبله .
وأما المتأخرون فلهم أقوال غير هذا كله - :
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : من نذر أن يتصدق بجميع ماله نذرا ، أو على سبيل اليمين ، فإنه يلزمه أن يتصدق من ماله بكل نوع تجب فيه الزكاة فقط ، كالمواشي ، والذهب والفضة ، سواء كان معه من ذلك نصاب تجب في مثله الزكاة ، أو كان أقل من النصاب - ولا شيء عليه في سائر أمواله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : ولا ندري ما قولهم في الحبوب وما يزرع ، والثمار ، والعسل ؟ فإن الزكاة في كل هذا عنده نعم ، وفي كل عرض إذا كان للتجارة وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن - وهذا قول في غاية الفساد ولا يعرف عن أحد قبل
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ولا متعلق له بقرآن ولا بسنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول سلف ، ولا قياس ، وموه بعضهم بأن قال : المال هو الذي فيه الزكاة لقول الله تعالى {
خذ من أموالهم صدقة } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : الصدقة المأخوذة إنما هي من جملة ما يملك المرء ، وما اختلف قط عربي ، ولا لغوي ، ولا فقيه ، أن الحوائط ، والدور تسمى : مالا ، وأموالا - وأن من حلف أنه لا مال له وله حمير ، ودور ، وضياع ، فإنه حانث عندهم ، وعند غيرهم - : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=86أبو طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أموالي إلي بيرحاء {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50230وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=331لكعب بن مالك أمسك عليك بعض مالك ؟ فقال : إني أمسك سهمي الذي بخيبر } .
[ ص: 256 ] ويلزم على قولهم الفاسد أن لا تجزئ صدقة أصلا إلا بمال فيه زكاة أو بمقدار الزكاة فقط .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : سواء نذر ذلك أو أخرجه مخرج اليمين إن قال : مالي كله صدقة على المساكين أجزأه ثلثه ، فإن قال : دوري كلها صدقة على المساكين وضياعي كلها صدقة على المساكين ، وثيابي كلها صدقة على المساكين ، ورقيقي كلهم صدقة على المساكين ، فلم يزل هكذا حتى سمى نوعا نوعا حتى أتى على كل ما يملك - : لزمه أن يتصدق بكل ذلك أوله عن آخره ، لا يجزيه منه الثلث إلا أنه يؤمر ولا يجبر .
فلو قال مكان المساكين على إنسان بعينه - : لزمه أن يتصدق عليه بكل ذلك ويجبر على ذلك .
وقالوا : فلو نذر ، أو حلف أن يتصدق بماله كله ، إلا دينارا أنه تلزمه الصدقة بجميعه إلا دينارا - : وهذا قول في غاية الفساد ، لأنه لا قرآن يعضده ، ولا سنة ، ولا رواية ضعيفة ، ولا قول نعلمه عن أحد قبله ولا قياس ، ولا رأي له وجه ; بل هو مخالف لكل ذلك .
ونسألهم عمن نذر أن يتصدق بماله كله إلا نصف دينار ، أو درهما حتى نبلغهم إلى الفلس ، وحبة الخردلة ؟ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب : إن كان ماله كثيرا تصدق بثلثه ، وإن كان يسيرا فربع عشره ، وإن كان علقة قليلة ، فكفارة يمين - وهذا أيضا قول لا وجه له .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد ليس لشيء من هذه الأقوال متعلق يحتاج إلى ذكره إلا قول من قال من قال : يتصدق بجميعه ; وقول من قال : يتصدق بثلثه ، وقول من قال : كفارة يمين فقط .
فأما من قال : كفارة يمين ، فإنهم احتجوا بالخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28665كفارة النذر كفارة يمين } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : وهذا خبر لا حجة لهم فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37478 : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه } ; فلا يخلو النذر بصدقة المال كله من أن يكون طاعة لله تعالى فيلزم الوفاء به ، أو يكون معصية فلا يلزمه أصلا إلا أن يأتي نص صحيح
[ ص: 257 ] في ذلك بحكم ما فيوقف عنده ، فبطل تعلقهم بقوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28665 : كفارة النذر كفارة يمين } - ولهذا الخبر وجه ظاهر نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى .
وأما من قال : يتصدق بجميعه فإنهم قالوا : هو نذر طاعة فعليه الوفاء به .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وليس كما قالوا ، بل ليس هو نذر طاعة على ما نبين إن شاء الله تعالى ؟ وأما من قال : يجزيه الثلث ، فإنهم احتجوا بخبر : رويناه من طريق
أبي داود نا
محمد بن يحيى نا
nindex.php?page=showalam&ids=14105الحسن بن الربيع نا
ابن إدريس قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : حدثني
الزهري عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50232عبد الرحمن بن عبد الله بن مالك عن جده في قصته إذ تخلف عن تبوك قال : قلت : يا رسول الله إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة قال : لا ، قلت : فنصفه ، قال : لا ، قلت : فثلثه ؟ قال : نعم ، قلت : فإني أمسك سهمي من خيبر } .
وبخبر : رويناه من طريق
ابن شهاب : أن
حسين بن السائب بن أبي لبابة أخبره {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50233أن أبا لبابة قال : يا رسول الله إن من توبتي إلى الله - عز وجل - أن أهجر دار قومي ، وأساكنك ، وأنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله ؟ قال : يجزي عنك الثلث } .
ومن طريق
ابن شهاب - : أخبرني بعض
بني السائب بن أبي لبابة عن
أبي لبابة بمثله .
ومن طريق
الزهري أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب فذكر الحديث ، وفيه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50234أن أبا لبابة قال : يا رسول الله ، وأن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله ؟ قال : يجزي عنك الثلث } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : هذا كل ما احتجوا به ، وكله لا حجة لهم فيه ; لأنها كلها مراسيل ، والأول منقطع ; لأن
ابن إدريس يذكر أنه سمعه من
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق .
وأما تمويه المالكيين بالاحتجاج بهذا الخبر فعار عظيم عليهم ; لأنهم مخالفون له كله بتلك التقاسيم الفاسدة ، وبأنهم يرون عليه الوفاء بصدقة نصف ماله إذا نذره - وفي هذا الخبر خلاف ذلك ، والتسوية بين النذر بصدقة جميعه ، وصدقة نصفه - فبطل أن يكون لهذا القول متعلق .
[ ص: 258 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : فإذا بطلت هذه الأقوال إلا قول من قال : يتصدق بجميعه ; لأنه طاعة منذورة - فههنا نتكلم معهم إن شاء الله تعالى ، فنقول - : قال الله تعالى {
وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا } .
وقال تعالى : {
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } .
وقال تعالى : {
وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } فلام الله تعالى ولم يحب من تصدق بكل ما يملك .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري نا
nindex.php?page=showalam&ids=12265أحمد بن صالح نا
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد عن
ابن شهاب أخبرني
عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال : سمعت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50235 nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك - فذكر حديث تخلفه عن تبوك - وأنه قال لرسول الله : إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب بإسناده مثله ، وزاد فيه فقلت : إن أمسك سهمي الذي
بخيبر .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50236أن خير الصدقة ما ترك غنى ، أو تصدق عن غنى ، وابدأ بمن تعول } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12967ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء ، فهكذا وهكذا } .
والأحاديث ههنا كثيرة جدا . ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16903محمد بن إسحاق عن
عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الظفري عن
nindex.php?page=showalam&ids=17053محمود بن لبيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله الأنصاري قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50237كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب فقال : يا رسول الله أصبت هذه من [ ص: 259 ] معدن فخذها فهي صدقة ، ما أملك غيرها ؟ فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه مرارا - وهو يردد كلامه هذا - ثم أخذها عليه السلام فحذفه بها ، فلو أنها أصابته لأوجعته أو لعقرته وقال عليه السلام : يأتي أحدكم بما يملك فيقول : هذه صدقة ثم يقعد فيتكفف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16410عبد الله بن إدريس عن
nindex.php?page=showalam&ids=16903محمد بن إسحاق بإسناده نحوه ، وفي آخره : أنه عليه السلام قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50238خذ عنا مالك ، لا حاجة لنا به } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة بن عجلان عن
عياض بن عبد الله بن سعد أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد الخدري يقول : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50239دخل رجل المسجد فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس أن يطرحوا ثيابا فطرحوا فأمر له منها بثوبين ، ثم حث عليه السلام على الصدقة فطرح الرجل أحد الثوبين فصاح به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال خذ ثوبك } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1360أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى } .
فهذه آثار متواترة متظاهرة بإبطال الصدقة بما زاد على ما يبقي غنى ، وإذا كان الصدقة بما أبقى غنى خيرا وأفضل من الصدقة بما لا يبقي غنى ; فبالضرورة يدري كل أحد أن صدقته بتلك الزيادة لا أجر له فيها ، بل حطت من أجره فهي غير مقبولة ، وما تيقن أنه يحط من الأجر ، أو لا أجر فيه من إعطاء المال فلا يحل إعطاؤه فيه ; لأنه إفساد للمال وإضاعة له وسرف حرام ، فكيف ورده عليه السلام الصدقة بذلك بيان كاف ؟ فإن ذكروا قول الله تعالى {
: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } .
وقوله عليه السلام إذ سئل {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50240أي الصدقة أفضل ؟ فقال : جهد المقل } .
وقوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50241سبق درهم مائة ألف كان لرجل درهمان تصدق بأجودهما } .
وبقوله تعالى {
: والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم } .
[ ص: 260 ] وبحديثي
أبي مسعود {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50242كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرنا بالصدقة ; فينطلق أحدنا فيتحامل فيجيء بالمد ، وصدقة أبي عقيل بصاع تمر } فهذا كله صحيح وحجة لنا لا لهم .
وأما قول الله تعالى {
: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } فليس فيه أنهم لم يبقوا لأنفسهم معاشا ، إنما فيه أنهم كانوا مقلين ، ويؤثرون من بعض قوتهم .
وأما قوله تعالى : {
والذين لا يجدون إلا جهدهم } فمثل هذا أيضا .
وأما قولهم " جهد المقل " ففي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذه اللفظة الموصولة بقوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50236 : وابدأ بمن تعول } فبين هذا القول أنه جهده بعد كفاف من تعول .
وكذلك حديثا
أبي مسعود أيضا ، وإنما كان لرجل درهمان فتصدق بأجودهما ، فكذلك أيضا ، وقد يكون له ضيعة أو له غلة تقوم به فتصدق بأحد درهمين كانا له ولم يقل عليه السلام : إنه لم يكن له غيرهما ؟ فإن ذكروا صدقة
أبي بكر بما يملكه ؟ قلنا : هذا لا يصح ; لأنه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد ، وهو ضعيف عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50243 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر يقول : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصدقة ، فوافق ذلك مالا عندي فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما قال : فجئت بنصف مالي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة ; لأنه بلا شك كانت له دار
بالمدينة معروفة ودار
بمكة - وأيضا : فإن مثل
أبي بكر لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليضيعه فكان في غنى .
فصح بما ذكرنا أن
من نذر أن يتصدق بجميع ماله مجملا ، أو منوعا على سبيل القربة إلى الله تعالى ، لم يلزمه أن يتصدق منه إلا بما أبقى لنفسه ، ولأهله غنى ، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك وغيره .
[ ص: 261 ] فإن ذكروا حديث
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد في الوصية ؟ قلنا : هو عليكم ; لأن أمر الوصية غير أمر الصدقة المنفذة في الحياة باتفاق منا ومنكم - وأيضا فقد منعه عليه السلام من الصدقة بنصفه ، وأنتم لا تقولون هذا ، وليس لأحد أن يوصي بأكثر من الثلث ; ولو ترك ألف ألف دينار أو أكثر - ويرد ما زاد على ذلك ، وأنتم لا تقولون : برد ما نفذ من الصدقة بأكثر من ثلثه في حياته - وبالله تعالى التوفيق .