الوعد 1126 - مسألة : ومن
وعد آخر بأن يعطيه مالا معينا أو غير معين ، أو بأن يعينه في عمل ما - حلف له على ذلك أو لم يحلف - لم يلزمه الوفاء به ، ويكره له ذلك ، وكان الأفضل لو وفى به .
وسواء أدخله بذلك في نفقة أو لم يدخله كمن قال : تزوج فلانة وأنا أعينك في صداقها بكذا وكذا ، أو نحو هذا - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبي سليمان .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : لا يلزمه شيء من ذلك إلا أن يدخله بوعده ذلك في كلفة ، فيلزمه ويقضي عليه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16438ابن شبرمة الوعد كله لازم ، ويقضي به على الواعد ويجبر .
فأما تقسيم
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : فلا وجه له ولا برهان يعضده ، لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس .
فإن قالوا قد أضر به إذ كلفه من أجل وعده عملا ونفقة ؟ قلنا : فهبكم أنه كما تقولون من أين وجب على من أضر بآخر ، وظلمه وغره أن يغرم له مالا ؟ ما علمنا هذا في دين الله تعالى إلا حيث جاء به النص فقط {
ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } .
وأما من ذهب إلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16438ابن شبرمة فإنهم احتجوا بقول الله تعالى {
: كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } .
والخبر الصحيح من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=839أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر } .
[ ص: 279 ] والآخر : الثابت من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50255 : من علامة النفاق ثلاثة - وإن صلى ، وصام ، وزعم أنه مسلم : - إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان } .
فهذان أثران في غاية الصحة ، وآثار أخر لا تصح - : أحدها : من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث عن
ابن عجلان أن رجلا من موالي
nindex.php?page=showalam&ids=4891عبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي حدثه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50256عن عبد الله بن عامر قالت لي أمي هاه تعال أعطك ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت أن تعطيه ؟ فقالت : أعطيه تمرا ، فقال عليه السلام : أما أنك لو لم تعطيه شيئا ، كتبت عليك كذبة } هذا لا شيء ; لأنه عمن لم يسم .
وآخر : من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم {
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وأي المؤمن حق واجب } .
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد ضعيف وهو مرسل .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش عن
أبي إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
ولا تعد أخاك وعدا فتخلفه ، فإن ذلك يورث بينك وبينه عداوة } .
وهذا مرسل ،
nindex.php?page=showalam&ids=12434وإسماعيل بن عياش ضعيف .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16581عقيل بن خالد عن
ابن شهاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50259من قال لصبي : تعال هاه لك ، ثم لم يعطه شيئا فهي كذبة } .
ابن شهاب كان إذ مات
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ابن أقل من تسع سنين لم يسمع منه كلمة .
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك : يرون المرسل كالمسند ، ويحتجون بما ذكرنا - فيلزمهم أن يقضوا بإنجاز الوعد على الواعد ولا بد ، وإلا فهم متناقضون ، فلو صحت هذه الآثار لقلنا بها .
وأما الحديثان اللذان صدرنا بهما فصحيحان إلا أنه لا حجة فيهما علينا ; لأنهما ليسا على ظاهرهما ; لأن من وعد بما لا يحل ، أو عاهد على معصية ، فلا يحل له الوفاء بشيء من ذلك ، كمن وعد بزنى ، أو بخمر ، أو بما يشبه ذلك .
فصح أن ليس كل من وعد فأخلف ، أو عاهد فغدر : مذموما ، ولا ملوما ، ولا
[ ص: 280 ] عاصيا ، بل قد يكون مطيعا مؤدي فرض ; فإذ ذلك كذلك فلا يكون فرضا من إنجاز الوعد والعهد ، إلا على من وعد بواجب عليه ، كإنصاف من دين ، أو أداء حق فقط .
وأيضا : فإن من وعد وحلف واستثنى فقد سقط عنه الحنث بالنص والإجماع المتيقن ، فإذا سقط عنه الحنث لم يلزمه فعل ما حلف عليه ، ولا فرق بين وعد أقسم عليه وبين وعد لم يقسم عليه .
وأيضا : فإن الله تعالى يقول : {
ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } فصح تحريم
الوعد بغير استثناء ، فوجب أن من وعد ولم يستثن فقد عصى الله تعالى في وعده ذلك .
ولا يجوز أن يجبر أحد على معصية ، فإن استثنى فقال : إن شاء الله تعالى ، أو إلا أن يشاء الله تعالى ، أو نحوه مما يعلقه بإرادة الله عز وجل ، فلا يكون مخلفا لوعده إن لم يفعل ; لأنه إنما وعده أن يفعل إن شاء الله تعالى - وقد علمنا أن الله تعالى لو شاءه لأنفذه فإن لم ينفذه ، فلم يشأ الله تعالى كونه .
وقول الله تعالى {
: كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } على هذا أيضا مما يلزمهم ، كالذي وصف الله تعالى عنه إذ يقول : {
ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه } .
فصح ما قلنا ; لأن الصدقة واجبة ، والكون من الصالحين واجب ، فالوعد والعهد بذلك فرضان : فرض إنجازهما - وبالله تعالى التوفيق .
وأيضا : فإن هذا نذر من هذا الذي عاهد الله تعالى على ذلك ، والنذر فرض - وبالله تعالى نتأيد .