1177 - مسألة : ومن
أراد أن يحنث فله أن يقدم الكفارة قبل أن يحنث أي الكفارات لزمته : من العتق ، أو الكسوة ، أو الإطعام ، أو الصيام - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبو سليمان : لا يجزئه ذلك إلا بعد الحنث .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أما العتق ، أو الكسوة ، أو الإطعام ، فيجزئ تقديمه قبل الحنث - وأما الصيام فلا يجزئ إلا بعد الحنث .
وحجة الشافعيين : أن العتق ، والكسوة ، والإطعام : من فرائض الأموال ، والأموال
[ ص: 330 ] من حقوق الناس ، وحقوق الناس جائز تقديمها قبل آجالها - وأما الصوم فمن فرائض الأبدان ، وفرائض الأبدان لا يجزئ تقديمها قبل أوقاتها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذه قضية فاسدة ، وهم موافقون لنا على أن تعجيل أموال الناس إنما تجب برضا صاحب الحق ، والذي عليه الحق معا ، لا برضا أحدهما دون الآخر ، وأن هذا إنما يجب أيضا فيما هو حق للإنسان بعينه فتراضى هو وغريمه على تقديمه أو تأخيره أو إسقاطه أو إسقاط بعضه .
وأما كل ما ليس لإنسان بعينه وإنما هو حق لله تعالى وقته بوقت محدود ، وليس ههنا مالك بعينه يصح رضاه في تقديمه ، لا في تأخيره ، ولا في إسقاطه ، ولا في إسقاط بعضه وإنما هو حق لله تعالى لا يحل فيه إلا ما حد لله تعالى .
قال الله تعالى : {
ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } .
ويقال لهم أيضا : إن حقوق الناس يجوز فيها التأخير والإسقاط ، فهل يجوز في الكفارات الإسقاط ، أو التأخير إلى أجل أو إلى غير أجل ؟ فظهر فساد قولهم جملة .
وأما المالكيون : فإنهم وإن كانوا أصابوا ههنا فقد تناقضوا جدا لأنهم أجازوا تقديم الكفارة إثر اليمين ، وقبل الحنث .
ولم يجيزوا تقديم الزكاة إثر كسب المال لكن قبل الحول بشهر ونحوه ، ولا أجازوا تقديم صدقة الفطر إثر ابتداء الصوم لكن قبل الفطر بيومين فأقل فقط .
ولم يجيزوا تقديم كفارة الظهار أصلا ، ولا بساعة قبل ما يوجبها عندهم من إرادة الوطء ، ولا أجازوا تقديم كفارة قتل الخطإ قبل ما يوجبها من موت المقتول ولا بطرفة عين ، ولا كفارة قتل الصيد في
الحرم قبل قتله .
وأجازوا إذن الورثة للموصي في أكثر من الثلث قبل أن يجب لهم المال بموته ، فظهر تناقض أقوالهم - ولله تعالى الحمد .
[ ص: 331 ]
وأما الحنفيون فتناقضوا أقبح تناقض ، لأنهم أجازوا تقديم الزكاة قبل الحول بثلاثة أعوام ، وتقديم زكاة الزرع إثر زرعه في الأرض ، وأجازوا تقديم الكفارة في جزاء الصيد بعد جراحه وقبل موته - وتقديم كفارة قتل الخطإ قبل موت المجروح .
ولم يجيزوا للورثة الإذن في الوصية بأكثر من الثلث قبل وجوب المال لهم بالموت - ولا أجازوا إسقاط الشفيع حقه من الشفعة بعد عرض شريكه أخذ الشقص عليه قبل وجوب أخذه له بالبيع ; فظهر تخليطهم وسخف أقوالهم - وبالله تعالى نعوذ من الخذلان .
وكلهم لا يجيز الاستثناء قبل اليمين ، ولا قضاء دين قبل أخذه ، ولا صلاة قبل وقتها ، فلم يبق إلا قولنا ، وقول أصحابنا المانعين من تقديم كل حق له وقت قبل وقته ، فإنهم قالوا :
الكفارة لا تجب إلا بالحنث ، وهي فرض بعد الحنث بالنص والإجماع ، فتقديمها قبل أن تجب تطوع لا فرض ، ومن المحال أن يجزئ التطوع عن الفرض .
وقالوا : قال تعالى : {
ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } والدلائل ههنا تكثر جدا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذه أدلة صحاح ; ونحن موافقون لهم في أنه لا يجزئ شيء من الشريعة قبل وقته إلا في موضعين - : أحدهما : كفارة اليمين ، فجائز تقديمها قبل الحنث ، لكن بعد إرادة الحنث ولا بد . والثاني :
إسقاط الشفيع حقه بعد عرض الشفيع عليه أن يأخذ أو يترك قبل البيع ، فإسقاطه حقه حينئذ لازم له فقط .
وإنما فعلنا ذلك للنصوص المخرجة لهذين الشرعين عن حكم سائر الشريعة في أنه لا يجزئ ولا يجوز أداء شيء منها قبل الوقت الذي حده الله تعالى له .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وقد احتج بعض من وافقنا ههنا في تصحيح قولنا بأن قال : قال الله تعالى : {
ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } .
قال : فالكفارة واجبة بنفس اليمين .
[ ص: 332 ]
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : ولا حجة لنا في هذا ، لأنه قد جاء النص والإجماع المتيقن : على أن من لم يحنث فلا كفارة تلزمه ، فصح أنه ليس بنفس اليمين تجب الكفارة - واحتج بعضهم بأن في الآية حذفا بلا خلاف وأنه : فأردتم الحنث ، أو حنثتم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذه دعوى منهم في أن المحذوف هو " فأردتم الحنث " لا يقبل إلا ببرهان ، فوجب طلب البرهان في ذلك - : فنظرنا فوجدنا ما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم نا
زهير بن حرب نا
مروان بن معاوية الفزاري نا
يزيد بن كيسان عن
nindex.php?page=showalam&ids=11973أبي حازم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50290من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأتها وليكفر عن يمينه } .
ومن طريق
أحمد بن شعيب أنا
أحمد بن سليمان نا
nindex.php?page=showalam&ids=16577عفان هو ابن مسلم نا
nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير بن حازم قال : سمعت
الحسن هو البصري يقول : نا
nindex.php?page=showalam&ids=77عبد الرحمن بن سمرة قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9884إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير } .
وهكذا رويناه أيضا من طريق
سعيد بن أبي عروبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=77عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن طريق
أحمد بن شعيب أنا
nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي نا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16718عمرو بن مرة سمعت
عبد الله بن عمرو مولى الحسن بن علي يحدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم قال [ قال ] رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36260من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه } .
[ ص: 333 ]
فهذه الأحاديث جامعة لجميع أحكام ما اختلفوا فيه من جواز تقديم الكفارة قبل الحنث ، لأن في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة تقديم الحنث قبل الكفارة .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=77عبد الرحمن بن سمرة تقديم الكفارة قبل الحنث .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم الجمع بين الحنث والكفارة بواو العطف التي لا تعطي رتبة - هكذا جاء من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري فوجب استعمال جميعها ، ولم يكن بعضها أولى بالطاعة من بعض ، ولا تحل مخالفة بعضها لبعض ، فكان ذلك جائزا - وبالله تعالى التوفيق .
وصح بهذا أن الحذف الذي في الآية إنما هو إذا أردتم الحنث أو حنثتم ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين عن ربه عز وجل .
واعترض بعضهم بأن قال : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50291فليكفر ثم ليأت الذي هو خير } هو مثل قول الله تعالى : {
ثم كان من الذين آمنوا } .
وكقوله تعالى : {
ثم آتينا موسى الكتاب } .
وكقوله تعالى : {
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } .
قال هذا القائل : ولفظة " ثم " في هذه الآيات لا توجب تعقيبا ، بل هي واقعة على ما كان قبل ما عطف اللفظ عليه " بثم " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : ليس كما ظنوا - : أما قوله تعالى : {
ثم كان من الذين آمنوا } فإن نص الآيات هو قوله تعالى : {
وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة } .
وقد ذكرنا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50292قول رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=137لحكيم بن حزام أسلمت على ما أسلفت من الخير } فصح بهذه الآية عظيم نعمة الله تعالى على عباده في قبوله كل عمل بر عملوه في كفرهم ثم أسلموا ، فالآية على ظاهرها وهي زائدة على سائر ما في القرآن من قبوله تعالى أعمال من آمن ثم عمل الخير - والحمد لله رب العالمين .
[ ص: 334 ]
وأما قوله تعالى : {
ثم آتينا موسى الكتاب } فليس كما ظنوا لأن أول الآية قوله عز وجل : {
وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن } .
وقد قال تعالى : {
ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما } وقال تعالى : {
ملة أبيكم إبراهيم } .
فصح أن الصراط الذي أمرنا الله تعالى باتباعه وأتانا به
محمد صلى الله عليه وسلم هو صراط
إبراهيم عليه السلام ، وقد كان قبل
موسى بلا شك ثم آتى الله تعالى
موسى الكتاب ، فهذا تعقيب بمهلة لا شك فيه .
فأما قوله تعالى : {
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } فعلى ظاهره ، لأن الله تعالى خلق أنفسنا وصورها ، وهي التي أخذ الله عليها العهد : {
ألست بربكم قالوا بلى } .
ثم بعد ذلك أسجد الملائكة
لآدم عليه السلام ، فبطل تعلقهم بهذه الآيات - ثم حتى لو خرجت عن ظاهرها ، أو كانت " ثم " لغير التعقيب فيها لم يجب لذلك أن تكون " ثم " لغير التعقيب حيثما وجدت ، لأن ما خرج عن موضوعه في اللغة بدليل في موضع ما لم يجز أن يخرج في غير ذلك الموضع عن موضوعه في اللغة - وهذا من تمويههم الفاسد الذي لا ينتفعون به إلا في تحيير من لم يمعن النظر في أول ما يفجئونه به - وبالله تعالى التوفيق .
وقولنا هذا هو قول
عائشة أم المؤمنين - : ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة نا
المعتمر بن سليمان التيمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16453عبد الله بن عون عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين أن
nindex.php?page=showalam&ids=209مسلمة بن مخلد ،
nindex.php?page=showalam&ids=23وسلمان الفارسي كانا يكفران قبل الحنث .
وبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبي بكر بن أبي شيبة نا
nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث عن
أشعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين : أن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبا الدرداء دعا غلاما له فأعتقه ثم حنث ، فصنع الذي حلف عليه .
وبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة نا
أزهر عن
ابن عون أن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين : كان يكفر قبل الحنث - : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة ،
وسفيان ،
والأوزاعي ،
[ ص: 335 ] nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وعبد الله بن المبارك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16040وسليمان بن داود الهاشمي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ،
nindex.php?page=showalam&ids=11997وأبي خيثمة ، وغيرهم .
ولا يعلم لمن ذكرنا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم إلا أن مموها موه برواية
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
الأسلمي هو إبراهيم بن أبي يحيى - عن رجل سماه عن
محمد بن زياد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه كان لا يكفر حتى يحنث - وهذا باطل ، لأن
ابن أبي يحيى مذكور بالكذب ، ثم عمن لم يسم .
ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة ، لأنه ليس فيه أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لم يجز الكفارة قبل الحنث ، إنما فيه : أنه كان يؤخر الكفارة بعد الحنث فقط - ونحن لا ننكر هذا .