[ ص: 464 ] كتاب الصلح 1270 - مسألة :
لا يحل الصلح ألبتة على الإنكار ، ولا على السكوت الذي لا إنكار معه ، ولا إقرار ، ولا على إسقاط يمين قد وجبت ، ولا على أن يصالح مقر على غيره وذلك الذي صولح عنه منكر ، وإنما يجوز
الصلح مع الإقرار بالحق فقط - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى إلا أنه جوز
الصلح على السكوت الذي لا إقرار معه ولا إنكار .
وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلا أنه جوز
الصلح على إسقاط اليمين ، وأن يقر إنسان عن غيره ويصالح عنه بغير أمره - وهذا نقض لأصله - وهو أيضا قول
nindex.php?page=showalam&ids=15858أبي سليمان ، إلا أنه جوز الصلح على إسقاط اليمين - وهذا نقض لأصله - : روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين قال : كان لرجل على رجل حق فصالحه عنه ثم رجع فيه فخاصمه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح : شاهدان ذوا عدل : أنه تركه ولو شاء أديته إليه .
فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح لم يجز الصلح إلا مع قدرة صاحب الحق على أخذ حقه بأداء الذي عليه الحق إليه حقه ، وفسخه إن يكن كذلك - وهو قولنا .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة نا
ابن أبي زائدة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد عن
الشعبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح قال : أيما امرأة صولحت عن ثمنها ولم يبين لها ما ترك زوجها ، فتلك الريبة كلها .
وهذا أيضا بيان أنه لم يجز الصلح إلا على إقرار بمعلوم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك : الصلح على الإنكار ، وعلى السكوت الذي لا إقرار معه ولا إنكار جائز .
[ ص: 465 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : برهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : {
لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } .
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47739إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فصح أن كل مال حرام على غير صاحبه ويحرم على صاحبه أن يبيحه لغيره إلا حيث أباح القرآن ، والسنة إخراجه ، أو أوجبا إخراجه .
ولم يأت نص بجواز الصلح على شيء مما ذكرنا .
والحديث المشهور من طريق
الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50353جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله ، قال أحد الخصمين : إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته ، فقالوا لي : على ابنك الرجم ففديت ابني بمائة من الغنم ووليدة ، ثم سألت أهل العلم فقالوا : إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقضين بينكما بكتاب الله ، أما الوليدة ، والغنم فرد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام } وذكر باقي الخبر - فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح المذكور وفسخه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : احتج المتأخرون المجيزون للصلح على الإنكار وعلى سائر ما ذكرنا بقول الله تعالى : {
والصلح خير } . وبقول الله تعالى : {
أوفوا بالعقود } .
وبما روينا من طريق
كثير بن عبد الله وهو كثير بن زيد - عن أبيه عن جده ، وعن
الوليد بن رباح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، كلاهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69952الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا والمسلمون عند شروطهم } .
وبما حدثناه
أحمد بن عمر بن أنس نا
nindex.php?page=showalam&ids=12002أبو ذر الهروي نا
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل بن أحمد نا
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود السجستاني نا
nindex.php?page=showalam&ids=13298يحيى بن محمد بن صاعد نا
nindex.php?page=showalam&ids=17409يوسف بن موسى القطان نا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى [ ص: 466 ] نا
عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه قال : كتب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري : والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما .
وبما روينا من طرق كثيرة منها عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ،
nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع ،
nindex.php?page=showalam&ids=17249وهشيم ،
وابن أبي زائدة ، كلهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد عن
الشعبي قال : أتي
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب في شيء فقال : إنه لجور ، ولو لا أنه صلح لرددته .
واحتجوا أيضا بقول الله تعالى : {
إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } قالوا : والصلح على الإنكار تجارة عن تراض منهما ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : هذا كل ما احتجوا به ، وكله لا حجة لهم في شيء منه بل كله حجة عليهم على ما نبين إن شاء الله تعالى - : أما قوله تعالى : {
والصلح خير } ، {
أوفوا بالعقود } فالمخالفون لنا في هذه المسألة وجميع أهل الإسلام موافقون لنا على أن كلتا هاتين الآيتين ليستا على عمومهما ، وأن الله تعالى لم يرد قط كل صلح ، ولا كل عقد ، وأن امرأ لو صالح على إباحة فرجه ، أو فرج امرأته ، أو على خنزير ، أو على خمر ، أو على ترك صلاة ، أو على إرقاق حر ، أو عقد على نفسه كل هذا لكان هذا صلحا باطلا لا يحل ، وعقدا فاسدا مردودا ، فإذ لا شك في هذا فلا يكون صلح ، ولا عقد يجوز إمضاؤهما ، إلا صلح ، أو عقد : شهد القرآن والسنة بجوازهما .
فإن قالوا : نعم ، لكن كل صلح وكل عقد فلازمان إلا صلحا أو عقدا جاء القرآن أو السنة بإبطالهما ؟ قلنا : نعم ، وهو قولنا ، وقد جاء القرآن بالطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28763كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل } .
فصح أن كل شرط فحكمه الإبطال ، إلا شرطا جاء بإباحته القرآن أو السنة ، وكل عقد ، وكل صلح فهو بلا شك شرط ، فحكمهما الإبطال أبدا حتى يصححهما قرآن أو سنة ، وليس في القرآن ، ولا في السنة تصحيح الصلح على الإنكار ، ولا على السكوت ،
[ ص: 467 ] ولا على إسقاط اليمين ، ولا صلح إنسان عن من لم يأمره ، ولا إقراره على غيره ، فبطل كل ذلك بيقين .
وأما حديث الصلح جائز بين المسلمين ، وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فكلاهما لا يجوز الحكم به - أما الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم فساقطة ; لأنه انفرد بها
كثير بن عبد الله بن زيد بن عمر - وهو ساقط - متفق على اطراحه ، وأن الرواية عنه لا تحل .
وأما الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فانفرد بها
عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه وكلاهما لا شيء ، ثم لو صحا لكانا حجة لنا ; لأن الصلح على الإنكار وعلى السكوت ، لا يخلو ضرورة من أحد وجهين - : إما أن يكون الطالب طالب حق ، والمطلوب مانع حق أو مماطلا لحق - أو يكون الطالب طالب باطل - ولا بد من أحدهما .
فإن كان الطالب محقا ، فحرام على المطلوب بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام أن يمنعه حقه ، أو أن يمطله - وهو قادر على إنصافه - حتى يضطره إلى إسقاطه بعض حقه ، أو أخذ غير حقه ، فالمطلوب في هذه الجهة أكل مال الطالب بالباطل وبالظلم ، والمطل ، والكذب ، وهو حرام بنص القرآن .
وإن كان الطالب مبطلا فحرام عليه الطلب بالباطل ، وأخذ شيء من مال المطلوب بغير حق ، بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام وبنص القرآن ، والسنة ، فالطالب في هذه الجهة : أكل مال المطلوب بالباطل ، والظلم ، والكذب ، وهذا حرام بنص القرآن .
ولعمري ، إننا ليطول عجبنا كيف خفي هذا الذي هو أشهر من الشمس على من أجاز الصلح بغير الإقرار ؟ إذ لا بد فيه ضرورة من أكل مال محرم بالباطل لأحد المتصالحين في كلا الوجهين .
وأما
الصلح على ترك اليمين فلا تخلو تلك اليمين التي يطلب بها المنكر من أن تكون صادقة إن حلف بها ، أو تكون كاذبة إن حلف بها ولا سبيل إلى ثالث .
فإن كان المطلوب كاذبا إن حلف : فقد قدمنا أنه آكل مال خصمه بالباطل ، والظلم والكذب ، ولا يحل له ذلك .
[ ص: 468 ] وإن كان المطلوب صادقا إن حلف فحرام على الطالب أن يأخذ منه فلسا فما فوقه بالباطل ، وهذا لا خفاء به على أحد يتأمله ويسمعه .
وأما
مصالحة المرء على غيره وإقراره على غيره فهذا أبطل الباطل لقول الله تعالى : {
ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } فإقرار المرء على غيره كسب على غير نفسه ، فهو باطل ، ومصالحته عن غيره لا تخلو أيضا مما قدمنا إما أن يكون الذي صولح عنه مطلوبا بباطل ، أو مطلوبا بحق ، ولا بد من أحدهما .
فإن كان مطلوبا بباطل فحرام على الطالب أن يأخذ فلسا فما فوقه أو شيئا أصلا بطلب باطل فيكون أكل مال بالباطل .
وإن كان الذي صولح عنه مطلوبا بحق ، فإن كان المتبرع بالصلح عنه ضامنا لما على المطلوب فهذا جائز ، والحق قد تحول حينئذ على المقر ، فإنما صالح حينئذ عن نفسه لا عن غيره ، وعن حق يأخذه به الطالب كله إن شاء ، وهذا جائز حسن لا نمنع منه .
وكذلك إن ضمن عنه بعض ما عليه ولا فرق .
وإنما نمنع من أن يصالح عن غيره دون أن يضمن عنه الحق الذي عليه - وهذا في غاية البيان - وبالله تعالى التوفيق .
فقد صح بهذا أن كل صلح على غير الإقرار فهو محل حراما ومحرم حلالا ، ذانك الأثران لو صحا لكانا حجة لنا عليهم قاطعة .
وأما المسلمون عند شروطهم ، فإن شروط المسلمين هي الشروط التي جاء القرآن وجاءت السنة بإيجابها وإباحتها ، وأما كل شرط لم يأت النص بإباحته أو إيجابه فليس من شروط المسلمين ، بل هو من شروط الكافرين أو الفاسقين ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28763كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل } وليس الباطل من شروط المسلمين بلا شك .
وأما خبر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي فهو خبر سوء ، يعيذ الله
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا في سابقته ، وفضله ، وإمامته من أن ينفذ الجور وهو يقر أنه جور .
ويا سبحان الله هل يجوز لمسلم أن ينفذ جورا ؟ لئن صح هذا لينفذن الربا ،
[ ص: 469 ] والزنى والغارة على أموال الناس ; لأنه كله جور .
والآفة في هذا الخبر والبلية من قبل الإرسال ; لأن
الشعبي لم يسمع قط من
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كلمة وإنما أخذ هذا الخبر بلا شك ، من قبل
الحارث وأشباهه ، وهذا عيب المرسل .
ثم العجب من احتجاجهم بهذه البلية ، وهم أول مخالف لها فلا يرون إنفاذ الجور ، لا في صلح ولا غيره ، وهذا تلاعب بالديانة ، وضلال ، وإضلال .
فإن قالوا : قد جاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه قال : رددوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث بين القوم الضغائن ؟ قلنا : هذا لا يصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أصلا ; لأننا إنما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16883محارب بن دثار عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر لم يدركه
محارب ،
ومحارب ثقة ، فهو مرسل .
ويعيذ الله
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر من أن يقول هذا القول فيأمر بترديد ذي الحق ولا يقضي له بحقه ، هذا الظلم والجور اللذان نزه الله تعالى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في إمامته ودينه وصرامته في الحق من أن يفوه به .
ثم ليت شعري أيها المحتجون بهذا القول الذي لم يصح قط عرفونا ما حد هذا الترديد الذي تضيفونه إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه وتحتجون به وتأمرون به ؟ أترديد ساعة فإنه ترديد في اللغة بلا شك ، أم ترديد يوم ، أم ترديد جمعة ، أم ترديد شهر ، أو ترديد سنة ، أم ترديد باقي العمر ؟ فكل ذلك ترديد ، وليس بعض ذلك باسم الترديد بأولى من بعض ، وكل من حد في هذا الترديد حدا فهو كذاب ، قائل بالباطل في دين الله عز وجل .
وأيضا : فإن ترك الحكم بينهم حتى ينزل المحق على حكم الباطل ، أو يترك الطلب ، أو يمل من طلب المبطل فيعطيه ماله بالباطل أشد توريثا للضغائن بين القوم من فصل القضاء بلا شك .
والحمد لله الذي جعل الإسناد في ديننا فصلا بين الحق والكذب .
فإن ذكر ذاكر الخبر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
آدم بن أبي إياس عن
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب عن
سعيد المقبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50355من [ ص: 470 ] كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، وإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه } .
فإن هذا الخبر من أعظم حجة في هذا الباب ، فإن فيه إيجاب التحلل من كل مظلمة ، والتحلل ضرورة لا يكون بإنكار الحق أصلا ، بل هذا إصرار على الظلم ، وإنما التحلل بالاعتراف ، والتوبة ، والندم ، وطلب أن يجعل في حل فقط - وهو قولنا ، وليس فيه إباحة صلح أصلا ، وإنما فيه الخروج إلى الحل ، ولا يكون ذلك إلا بالخروج عن الظلم ، فمن كان قبله مال أنصف منه أو تحلل منه ، ومن كان قبله سب عرض طلب التحلل ، ومن كان قبله قصاص اقتص من نفسه أو تحلل منه بالعفو - ولا مزيد - وبالله تعالى التوفيق .