[ ص: 475 ] كتاب المداينات والتفليس 1276 - مسألة :
ومن
ثبت للناس عليه حقوق من مال أو مما يوجب غرم مال ببينة عدل ، أو بإقرار منه صحيح : بيع عليه كل ما يوجد له ، وأنصف الغرماء ، ولا يحل أن يسجن أصلا ، إلا أن يوجد له من نوع ما عليه فينصف الناس منه بغير بيع ، كمن عليه دراهم ووجدت له دراهم ، أو عليه طعام ووجد له طعام ، وهكذا في كل شيء لقول الله تعالى : {
كونوا قوامين بالقسط } .
{
nindex.php?page=hadith&LINKID=50362ولتصويب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول سلمان : أعط كل ذي حق حقه } ; ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35163مطل الغني ظلم } .
فسجنه مع القدرة على إنصاف غرمائه ظلم له ولهم معا ، وحكم بما لم يوجبه الله تعالى قط ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سجن قط - : روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبي عبيد القاسم بن سلام نا
nindex.php?page=showalam&ids=12252أحمد بن خالد الوهبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16903محمد بن إسحاق عن
محمد بن علي بن الحسين قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب :
حبس الرجل في السجن بعد ما يعرف ما عليه من الدين ظلم .
وقال الحنفيون : لا يباع شيء من ماله ، لكن يسجن - وإن كان ماله حاضرا - حتى يكون هو الذي ينصف من نفسه .
ثم تناقضوا فقالوا : إلا إن كان الدين دراهم فتوجد له دنانير ، أو يكون الدين دنانير فتوجد له دراهم ، فإن الذي يوجد من ذلك يباع فيما عليه منها .
[ ص: 476 ] فليت شعري ما الفرق بين بيع الدنانير وابتياع دراهم ، وبين بيع العروض وابتياع ما عليه ؟ وإنما أوجب الله تعالى علينا ، وعلى كل أحد إنصاف ذي الحق من أنفسنا ، ومن غيرنا .
ومنع تعالى من السجن بقوله تعالى : {
فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه } وافترض حضور الجمعة والجماعات .
فمنعوا المدين من حضور الصلوات في الجماعة ، ومن حضور الجمعة ، ومن المشي في مناكب الأرض ومنعوا صاحب الحق من تعجيل إنصافه - وهم قادرون على ذلك - فظلموا الفريقين .
واحتجوا بآثار واهية - : منها : رواية من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5580أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=15579بهز بن حكيم عن أبيه عن جده : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5580أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة } .
ومن طريق
أبي مجلز : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50363أن غلامين من جهينة كان بينهما غلام فأعتقه أحدهما فحبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى باع غنيمته } وعن
الحسن : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50364أن قوما اقتتلوا فقتل بينهم قتيل فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسهم } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : كل هذا باطل ، أما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ففيه
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبو بكر بن عياش وهو ضعيف وانفرد عنه أيضا
إبراهيم بن زكريا الواسطي ولا يدرى من هو ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=15579بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ضعيف .
ومن هذه الطريق بعينها فيمن منع الزكاة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12287إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا } فإن احتجوا به في الحبس في التهمة فليأخذوا بروايته هذه وإلا فالقوم متلاعبون بالدين .
[ ص: 477 ] فإن قالوا : هذا منسوخ ؟ قيل لهم : أترون خصمكم يعجز عن أن يقول لكم : والحبس في التهمة منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12908إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } ؟ والحبس في غير التهمة منسوخ بوجوب حضور الجمعة ، والجماعات وحديث الحبس حتى باع غنيمته مرسل ولا حجة في مرسل .
ولو صح لما كان لهم فيه حجة ; لأنه قد يخاف عليه الهرب بغنيمته فحبس ليبيعها ، وهذا حق لا ننكره وليس فيه الحبس الذي يرون هم ، ولا أنه امتنع من بيعها . وقد يكون الضمير الذي في باعها راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد يكون هذا الحبس إمساكا في
المدينة .
وليس فيه أصلا أنه حبس في سجن - فلا حجة لهم فيه أصلا ، وحديث
الحسن مرسل .
وأيضا : فإنما هو حبس في قتيل ، وحاشا لله أن يكون عليه السلام يحبس من لم يصح عليه قتل بسجن فيسجن البريء مع النطف ، هذا فعل أهل الظلم والعدوان ، لا فعله عليه السلام ، والله لقد قتل
عبد الله بن سهل رضوان الله عليه وهو من أفاضل الصحابة رضي الله عنهم فيما بين أظهر شر الأمة وهم
اليهود لعنهم الله فما استجاز عليه السلام سجنهم ، فكيف أن يسجن في تهمة قوما من المسلمين ؟ فهذا الباطل الذي لا شك فيه .
ثم ليت شعري إلى متى يكون هذا الحبس في التهمة بالدم وغيره ؟ فإن حدوا حدا زادوا في التحكم بالباطل .
وإن قالوا : إلى الأبد ، تركوا قولهم ، فهم أبدا يتكسعون في ظلمة الخطأ .
واحتجوا أيضا بقول الله تعالى : {
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } هذه أحكام منسوخة .
فمن أضل ممن يستشهد بآية قد نسخت ، وبطل حكمها فيما لم ينزل فيه أيضا ، وفيما ليس فيها منه لا نص ولا دليل ولا أثر .
[ ص: 478 ] والحق في هذا هو قولنا - : كما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج نا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد نا
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث هو ابن سعد - عن
nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن الأشج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16736عياض بن عبد الله عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50365أصيب رجل في ثمار ابتاعها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكثر دينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه ؟ فتصدق الناس عليه ، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك } .
فهذا نص جلي على أن ليس لهم شيء غير ما وجدوا له ، وأنه ليس لهم حبسه ، وأن ما وجد من ماله للغرماء ، وهذا هو الحق الذي لا يحل سواه ; فإن قيل : روي أنه عليه السلام باع لهم مال
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ؟ قلنا : هكذا نقول - وإن لم يصح من طريق السند ; لأنه مرسل ، لكن الحكم أنه إنما يقضي لهم بعين ماله ، ثم يباع لهم ويقسم عليهم الحصص ; لأنه لا سبيل إلى إنصافهم بغير هذا .
فإن موهوا بما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح ،
والشعبي ، فإن الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر إنما هي من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر حبس عصبة منفوس ينفقون عليه الرجال دون النساء - وأن
نافع بن عبد الحارث اشترى دارا للسجن من
nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية بأربعة آلاف فإن لم يرض
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فلصفوان أربعمائة .
وهذان خبران لا حجة لهم فيها ; لأن حبس
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر للعصبة للنفقة على الصبي إنما هو إمساك وحكم وقصر ، لا سجن ; لأن من الباطل أن يسجنهم أبدا ولم يذكر عنهم امتناع .
ثم هم لا يقولون بإيجاب النفقة على العصبة ، فقد خالفوا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فكيف يحتجون به في شيء هم أول مخالف له ؟ وأما الخبر الثاني : فكلهم لا يراه بيعا صحيحا ، بل فاسدا مفسوخا ، فكيف يستجيز مسلم أن يحتج بحكم يراه باطلا ؟ والمحفوظ عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر مثل قولنا على ما نذكر
[ ص: 479 ] بعد هذا إن شاء الله تعالى ، والرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي أنه حبس في دين : هي من طريق
جابر الجعفي وهو كذاب .
وقد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي خلاف هذا كما ذكرنا ونذكر .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح ،
والشعبي ، فما علمنا حكمهما حجة ، وأقرب ذلك أنهما قد ثبت عنهما أن الأجير ، والمستأجر - كل واحد منهما يفسخ الإجارة إذا شاء ، وإن كره الآخر ، وهم كلهم مخالف لهذا الحكم ،
فالشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح حجة إذا اشتهوا ، وليسا حجة إذا اشتهوا ، أف لهذه العقول ، والأديان ، وقد ذكرنا قبل عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي إنكار السجن .
وقد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
عمر بن عبد الرحمن بن دلاف عن أبيه أن رجلا من
جهينة كان يشتري الرواحل إلى أجل فيغالي بها فأفلس ، فرفع إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ؟ قال : أما بعد أيها الناس ، فإن الأسفع أسفع
بني جهينة رضي من دينه وأمانته بأن يقال : سبق الحاج ، وأنه ادان معرضا ، فأصبح قد دين به ، فمن كان له عليه شيء فليفد بالغداة ؟ فإنا قاسمون ماله بالحصص - ورويناه أيضا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع مولى ابن عمر .
ومن طريق
أبي عبيد نا
ابن أبي زائدة عن
إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب إذا أتاه رجل برجل له عليه دين فقال : أحبسه ؟ قال له
nindex.php?page=showalam&ids=8علي : أله مال ؟ فإن قال : نعم ، قد لجأه مال ؟ قال : أقم البينة على أنه لجأه وإلا أحلفناه بالله ما لجأه .
ومن طريق
أبي عبيد نا
أحمد بن عثمان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك عن
محمد بن سليم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16758غالب القطان عن
أبي المهزم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : أن رجلا أتاه بآخر فقال له إن لي على هذا دينا ؟ فقال للآخر : ما تقول ؟ قال : صدق ؟ قال : فاقضه قال : إني معسر ، فقال للآخر : ما تريد ؟ قال : أحبسه ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : لا ، ولكن يطلب لك ولنفسه ولعياله - قال
nindex.php?page=showalam&ids=16758غالب القطان : وشهدت
الحسن - وهو على القضاء - قضى بمثل ذلك .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
زيد بن حباب ،
وعبيد الله كلاهما عن
أبي هلال عن
nindex.php?page=showalam&ids=16758غالب القطان عن
أبي المهزم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فذكره كما أوردناه - وزاد فيه أن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة قال لصاحب الدين : هل تعلم له عين مال فآخذه به ؟ قال : لا ، قال : هل تعلم له عقارا
[ ص: 480 ] أكسره ؟ قال : لا ، ثم ذكر امتناعه من أن يحبسه كما أوردناه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز أنه قضى في ذلك بأن يقسم ماله بين الغرماء ثم يترك حتى يرزقه الله .
ونا
محمد بن سعيد بن نبات نا
أحمد بن عبد البصير نا
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ نا
محمد بن عبد السلام الخشني نا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى نا
nindex.php?page=showalam&ids=14797أبو عامر العقدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16724عمرو بن ميمون بن مهران : أن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز كان يؤاجر المفلس في شر صنعة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : أمر الله تعالى بالقيام بالقسط ، ونهى عن المطل والسجن ، فالسجن مطل وظلم ، ومنع الذي له الحق من تعجيل حقه مطل وظلم ، ثم ترك من صح إفلاسه لا يؤاجر لغرمائه مطل وظلم فلا يجوز شيء من ذلك ، وهو مفترض عليه إنصاف غرمائه وإعطاؤهم حقهم ، فإن امتنع من ذلك وهو قادر عليه بالإجارة ؟ أجبر على ذلك - وبالله تعالى التوفيق .
ومن طريق
أبي عبيد حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17320يحيى بن بكير عن
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16519عبيد الله بن أبي جعفر في المفلس قال : لا يحبسه ، ولكن يرسله يسعى في دينه .
وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد - وبه يقول
nindex.php?page=showalam&ids=15858أبو سليمان ، وأصحابه - وبالله تعالى التوفيق .