وأما
الإبل القوية على الرعي ، وورود الماء : فلا يحل لأحد أخذها ، وإنما حكمها : أن تترك ولا بد ، فمن أخذها ضمنها - إن تلفت عنده بأي وجه تلفت - وكان
[ ص: 128 ] عاصيا بذلك ، إلا أن يكون شيء من كل ما ذكرنا من لقطة ، أو ضالة ، يعرف صاحبها ، فحكم كل ذلك أن ترد إليه ولا تعرف في ذلك . وأما كل ما عدا ما ذكرنا من إبل لا قوة بها على ورود الماء والرعي وسائر البقر ، والخيل ، والبغال ، والحمير ، والصيود كلها ، المتملكة ، والأباق من العبيد والإماء ، وما أضل صاحبه منها ، والغنم التي تكون ضوال بحيث لا يخاف عليها الذئب ، ولا إنسان ، وغير ذلك - كله - ففرض أخذه وضمه وتعريفه أبدا ، فإن يئس من معرفة صاحبها أدخلها الحاكم أو واجدها في جميع مصالح المسلمين - وبالله تعالى التوفيق . سواء كان كل ما ذكرنا مما أهمله صاحبه لضرورة ، أو لخوف ، أو لهزال أو مما ضل ولا فرق . برهان ذلك - : ما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري نا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد نا
nindex.php?page=showalam&ids=12430إسماعيل بن جعفر عن
ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن
يزيد مولى المنبعث عن
زيد بن خالد الجهني {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50489أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن اللقطة ؟ فقال : عرفها سنة ثم اعرف وكاءها وعفاصها ثم استنفق بها ، فإن جاء ربها فأدها إليه ؟ فقال : يا رسول الله فضالة الغنم ؟ قال : خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ، قال : يا رسول الله فضالة الإبل ؟ فغضب عليه السلام حتى احمرت وجنتاه أو احمر وجهه وقال : ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها } . ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري نا
إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس نا
nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال عن
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد الأنصاري عن
يزيد مولى المنبعث أنه سمع
زيد بن خالد الجهني يقول : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50490سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف ترى في ضالة الغنم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب فقال : كيف ترى في ضالة الإبل ؟ قال : دعها ، فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها } فأمر عليه السلام بأخذ ضالة الغنم التي يخاف عليها الذئب أو العادي ويترك الإبل التي ترد الماء وتأكل الشجر ،
[ ص: 129 ] وخصها بذلك دون سائر اللقطات والضوال فلا يحل لأحد خلاف ذلك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وأما ما عرف ربه فليس ضالة ; لأنها لم تضل جملة ، بل هي معروفة وإنما الضالة ما ضلت جملة فلم يعرفها صاحبها أين هي ؟ ولا عرف واجدها لمن هي ، وهي التي أمر عليه السلام بنشدها .
وبقي حكم الحيوان كله حاشا ما ذكرنا موقوفا على قول الله تعالى : {
وتعاونوا على البر والتقوى } ومن البر والتقوى إحراز مال المسلم أو الذمي . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47739إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلا يحل لأحد من مال أحد إلا ما أحله الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال : كتب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إلى عماله لا تضموا الضوال فلقد كانت الإبل تتناتج هملا وترد المياه لا يعرض لها أحد حتى يأتي من يعترفها فيأخذها ، حتى إذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان كتب : أن ضموها وعرفوها ؟ فإن جاء من يعرفها وإلا فبيعوها وضعوا أثمانها في بيت المال ، فإن جاء من يعترفها فادفعوا إليها الأثمان . ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب أخبرني
أنس بن عياض عن
سلمة بن وردان سألت
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر عن الشاة توجد بالأرض التي ليس بها أحد ، فقال لي : عرفها من دنا لك ، فإن عرفت فادفعها إلى من عرفها وإلا فشاتك وشاة الذئب فكلها .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع حدثنا
سلمة بن وردان قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر عن ضالة الإبل ؟ فقال : معها سقاؤها وحذاؤها دعها إلا أن تعرف صاحبها فتدفعها إليه .
وروينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر :
nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق السبيعي عن امرأته قال : جاءت امرأة إلى
عائشة أم المؤمنين فقالت : إني وجدت شاة ؟ فقالت : اعلفي واحلبي وعرفي ، ثم عادت إليها ثلاث مرات ، فقالت : تريدين أن آمرك بذبحها . ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة نا
nindex.php?page=showalam&ids=11820أبو الأحوص عن
زيد بن جبير : أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يقول لرجل سأله عن ضالة وجدها ؟ فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أصلح إليها وانشد ، قال : فهل علي إن شربت من لبنها ؟ قال : ما أرى عليك في ذلك .
[ ص: 130 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأصحابه : تؤخذ ضالة الإبل كما تؤخذ غيرها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ما كان من الخيل ، والبقر ، والبغال ، قويا يرد الماء ، ويرعى لم يؤخذ قياسا على الإبل ، وما كان منها ومن سائر الحيوان لا يمتنع أخذ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : من أخذ ضالة من الغنم فعليه ضمانها إن أكلها - وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أما ضالة الغنم فما كان بقرب القرى فلا يأكلها ، ولكن يضمنها إلى أقرب القرى ، فيعرفها هنالك ، وأما ما كان في الفلوات والمهامه ، فإنه يأكلها أو يأخذها ، فإن جاء صاحبها فوجدها حية فهو أحق بها ، وإن وجدها مأكولة فلا شيء له ، ولا يضمنها له واجدها الذي أكلها . واختلف أصحابه فيها إن وجدها مذبوحة لم تؤكل بعد . قال : وأما البقر فإن خيف عليها السبع فحكمها حكم الغنم ، وإن لم يخف عليها السبع فحكمها حكم الإبل يترك كل ذلك ولا يعترض له ولا يؤخذ . وأما الخيل ، والبغال ، والحمير ، فلتعرف ثم يتصدق بها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : أما تقسيم
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فخطأ ; لأنه لم يتبع النص ، إذ فرق بين أحوال وجود ضالة الغنم ، وليس في النص شيء من ذلك ، وكذلك تفريقه بين وجود الشاة صاحبها حية أو مأكولة ، فليس في الخبر شيء من ذلك أصلا - لا بنص ولا بدليل ولا القياس طرد - ولا قول متقدم التزم ; لأن القياس أن لا يبيح الشاة لواجدها أصلا ، كما لا يبيح سائر اللقطات ، إلا إن كان فقيرا بعد تعريف عام - ولا نعلم فروقه هذه عن أحد قبله ، ولا نعلم لقوله حجة أصلا .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة فإنه خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كله جهارا فمنع من الشاة جملة ، وأمر بأخذ ضالة الإبل - وقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضبا احمر له وجهه - ونعوذ بالله من ذلك ، فأما هو - يعني
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة - فيعذر لجهله بالآثار ، وأما هؤلاء الخاسرون فوالله ما لهم عذر ، بل هم قد أقدموا على ما أغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علانية ، فحصلوا في جملة من قال الله تعالى فيهم : {
ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه } فما أخوفنا عليهم من تمام الآية لأن الحجة قد قامت عليهم .
[ ص: 131 ] فإن قالوا : إن الأموال حرام على غير أهلها ، وواجب حفظها ، فلا نأخذ بخلاف ذلك بخبر واحد ؟ قلنا لهم : قد أخذتم بذلك الخبر بعينه فيما أنكرتموه نفسه فأمرتم بإتلافها بالصدقة بها بعد تعريف سنة ، فمرة صار عندكم الخبر حجة ، ومرة صار عندكم باطلا ، وهو ذلك الخبر بعينه فما هذا الضلال ؟ وقد روينا لهم عن
أم المؤمنين ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر : إباحة شرب لبن الضالة ، وهم لا يقولون بذلك . وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فنقض أصله ولم ير أخذ الشاة ، وأقحم في حكم الخبر ما ليس فيه ، فألحق بالإبل ما لم يذكر في النص ، وجعل ورود الماء ، ورعي الشجر علة قاس عليها ، ولا دليل له على صحة ذلك ، وإن الشاة لترد الماء ، وترعى ما أدركت من الشجر ، كما تفعل الإبل ، ويمتنع منها ما لم تدركه ، كما يمتنع على الإبل ما لا تدركه ، وإن الذئب ليأكل البعير كما يأكل الشاة ، ولا منعة عند البعير منه ، وإنما يمتنع منه البقر فقط - هذا أمر معلوم بالمشاهدة .
وقالوا : قول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18274هي لك أو لأخيك أو للذئب } ليس تمليكا للذئب ، فكذلك ليس تمليكا للواجد ؟ فقلنا : هذا باطل من قولكم ، لأن الذئب لا يملك والواجد يملك ، والواجد مخاطب ، والذئب ليس مخاطبا ، وقد أمر الواجد بأخذها ، فزيادتكم كاذبة مردودة عليكم - وبالله تعالى التوفيق . فظهر سقوط هذه الأقوال كلها بتيقن ، وأن كل واحد منهم أخذ ببعض الخبر وجعله حجة وترك بعضه ولم يره حجة . واختلفوا في ذلك : فأخذ هذا ما ترك هذا ، وترك هذا ما أخذ الآخر ، وهذا ما لا طريق للصواب إليه أصلا - وبالله تعالى التوفيق . ولئن كان الخبر حجة في موضع فإنه لحجة في كل ما فيه ، إلا أن تأتي مخالفة له بناسخ متيقن ، وإن كان ليس حجة في شيء منه فكله ليس حجة ، والتحكم في أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز - وبالله تعالى التوفيق .