صفحة جزء
1457 - مسألة : ولا يحل بيع جارية بشرط أن توضع على يدي عدل حتى تحيض - رائعة كانت أو غير رائعة - والبيع بهذا الشرط فاسد ، فإن غلب على ذلك فبيعه تام - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان .

وأوجبه مالك في الرائعة ، ولم يوجبه في غير الرائعة - : وهذا أول التناقض ، وفساد القول ، لأن غير الرائعة توطأ كما توطأ الرائعة ، وتحمل كما تحمل الرائعة .

ثم أعظم التناقض قولهم : إن الحيض لا يكون براءة من الحمل ، وإن الحامل قد تحيض ؟ فقلنا لهم : يا هؤلاء فلأي معنى أوجبتم منع المشتري من جاريته ، وأوجبتم هذا الشرط الفاسد الذي لم يوجبه قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية فاسدة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا تورع ، ولا رأي يعقل ؟

وأنتم تقولون : إنها إذا حاضت أسلمت إليه ، وحل له التلذذ منها فيما فوق المئزر ، وحل له وطؤها بعد الطهر ، وممكن - عندكم - أن تكون حاملا من البائع حينئذ ، فأي فرق بين ما أبحتم له الآن ، وبين ما منعتموه منه قبل أن تحيض ، وخوف الحمل - : وفساد المبيع موجود في كلتا الحالتين ؟ فأي عجب أعجب من هذا

ولا خلاف بيننا وبينكم في أنه إن ظهر بها حمل بعد الحيض ، وبعد إباحتكم له وطأها ، فولدته لأقل من ستة أشهر - : فإن البيع مفسوخ ، وهي مردودة إلى البائع وولدها به لاحق ، إن كان قد أقر بوطئها ولم يدع استبراء - فأي منفعة للمواضعة ، أو أي معنى لها ؟ [ ص: 342 ]

فإن قالوا : إنما اتبعنا النص الوارد : { لا توطأ حائل حتى تحيض } ؟

قلنا : كلا ، بل خالفتم هذا النص بعينه ; لأنكم فرقتم بين الرائعة وغير الرائعة ، وليس هذا في الخبر ، ولا قاله أحد نعلمه قبلكم ، وفرقتم بين البكر وغير البكر ، وليس ذلك في الخبر ، وليس لكم أن تدعوا ههنا إجماعا ، فإن الحنفيين يقولون : إن البكر وغير البكر سواء ، لا توطأ واحدة منهما حتى تحيض ، أو حتى تستبرئ بما تستبرئ به التي لا تحيض - : وهذا خبر لم يصح ولو صح لقلنا به - لكنا نقول : لا يبيعها حتى يستبرئها بحيضة ، ولا يطؤها المشتري حتى يستبرئها كذلك احتياطا خوف الحمل فقط ، فإن أيقنا أن بها حملا من البائع فالبيع حرام إن كانت أم ولده ، وإن كان الحمل من غيره فالبيع حلال ، والوطء حرام حتى تضع وتطهر .

وهو مؤتمن على ذلك كائتمانه على ما حرم عليه من وطء الحائض ، والنفساء ولا فرق ، إذ لم يأت نص بغير ذلك ، ولا فرق بين ائتمانه على التي اشترى وبين ائتمانكم من تضعونها عنده لذلك .

وأنتم لا تفرقون بين الثقة وبين غير الثقة ههنا ، وفرقتم بين الرائعة وغير الرائعة - وهذا تخليط وتناقض .

وأما الحكم فيها إن ظهر بها حمل فسنذكره إن شاء الله تعالى في " كتاب الاستبراء " ببرهانه - ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية