1464 - مسألة :
ولا يحل بيع شيء بأكثر مما يساوي ولا بأقل مما يساوي إذا اشترط البائع أو المشتري السلامة إلا بمعرفة البائع والمشتري معا بمقدار الغبن في ذلك ورضاهما به ، فإن اشترط أحدهما السلامة ووقع البيع كما ذكرنا ، ولم يعلما قدر الغبن ، أو علمه ، غير المغبون منهما ولم يعلمه المغبون : فهو بيع باطل ، مردود ، مفسوخ ، أبدا ، مضمون على من قبضه ضمان الغصب وليس لهما إجازته إلا بابتداء عقد .
فإن لم يشترطا السلامة ولا أحدهما ، ثم وجد غبن على أحدهما ولم يكن علم به ، فللمغبون إنفاذ البيع أو رده ، فإن فات الشيء المبيع رجع المغبون منهما بقدر الغبن - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور ، وقول أصحابنا إلا أنهم قالوا : لا يجوز رضاهما بالغبن أصلا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك .
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : لا رجوع للبائع ولا للمشتري بالغبن في البيع - كثر أو قل .
وذكر
ابن القصار عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أن البيع إذا كان فيه الغبن مقدار الثلث فإنه يرد .
[ ص: 360 ]
برهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : {
لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } .
ولا يكون التراضي ألبتة إلا على معلوم القدر ، ولا شك في أن من لم يعلم بالغبن ولا بقدره فلم يرض به - فصح أن البيع بذلك أكل مال بالباطل . وقوله تعالى {
يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم } فحرم عز وجل الخديعة .
ولا يمتري أحد في أن بيع المرء بأكثر ما يساوي ما باع ممن لا يدري ذلك : خديعة للمشتري ، وأن بيع المرء بأقل مما يساوي ما باع ، وهو لا يدري ذلك : خديعة للبائع ، والخديعة حرام لا تصح .
وما روينا عن
أبي داود أنا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
nindex.php?page=showalam&ids=14806العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50627أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يبيع طعاما فسأله كيف تبيع ؟ فأخبره ، فأوحى الله تعالى إليه أن أدخل يدك فيه ، فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من غش } .
وقال عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47739إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح عن
عطاء بن يزيد الليثي عن
nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50628الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة ؟ قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولرسوله ، ولكتابه ، وللأئمة ، ولجماعة المسلمين } .
[ ص: 361 ]
{
nindex.php?page=hadith&LINKID=50629ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش في البيع } : برهان صحيح على قولنا ههنا ; لأنه نهى بذلك عن الغرور - والخديعة في البيع جملة ، بلا شك يدري الناس كلهم : أن من أخذ من آخر فيما يبيع منه أكثر مما يساوي بغير علم المشتري ولا رضاه ، ومن أعطاه آخر فيما يشتري منه أقل مما يساوي بغير علم البائع ولا رضاه فقد غشه ولم ينصحه ، ومن غش ولم ينصح فقد أتى حراما .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36820من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .
فصح أنه باطل مردود بنص أمره عليه السلام ، وهو قول السلف - : كما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد أنا
أيوب ،
nindex.php?page=showalam&ids=17240وهشام - هو ابن حسان - كلهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين : أن رجلا قدم
المدينة بجوار فنزل على
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فذكر الحديث - وفيه أنه باع جارية من
ابن جعفر ، ثم جاء الرجل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فقال : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12أبا عبد الرحمن غبنت بسبعمائة درهم ، فأتى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إلى
nindex.php?page=showalam&ids=166عبد الله بن جعفر فقال : إنه غبن بسبعمائة درهم فإما أن تعطيها إياه وإما أن ترد عليه بيعه ؟ فقال
ابن جعفر : بل نعطيها إياه - فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=166ابن جعفر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر : قد رأيا رد البيع من الغبن في القيمة .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق نا
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس بن عبيد عن رجل عن
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله البجلي : أنه ساوم رجلا بفرس فسامه ، فسامه الرجل خمسمائة درهم إن رأيت ذلك ؟ فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير : فرسك خير من ذلك ، ولك ستمائة حتى بلغ ثمانمائة ، وهو يقول : إن رأيت ذلك ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير : فرسك خير من ذلك ، ولك ستمائة حتى بلغ ستمائة حتى بلغ ثمانمائة ، وهو يقول : إن رأيت ذلك ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير : فرسك خير من ذلك ، ولا أزيدك ؟ فقال له الرجل : خذها ؟ فقيل له : ما منعك أن تأخذها بخمسمائة ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير : لأنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نغش أحدا ; أو قال : مسلما - وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ليس لي غش .
[ ص: 362 ]
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
زبيد اليامي عن
ميسرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وقد ذكرناه قبل في " باب ما لا يتم البيع إلا به من التفرق " .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة أنا
بشر بن عاصم الثقفي سمع
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب يحدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=18والعباس بن عبد المطلب تحاكما إليه في دار كانت
nindex.php?page=showalam&ids=18للعباس إلى جانب المسجد أراد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أخذها ليزيدها في المسجد ، وأبى
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب لهما : لما أمر
سليمان ببناء
بيت المقدس كانت أرضه لرجل فاشتراها
سليمان منه ، فلما اشتراها قال له الرجل : الذي أخذت مني خير أم الذي أعطيتني ؟ قال
سليمان : بل الذي أخذت منك ؟ قال : فإني لا أجيز البيع فرده ، فزاده ، ثم سأله ؟ فأخبره ، فأبى أن يجيزه - وذكر الحديث .
فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي يورد هذا على سبيل الحكم به بحضرة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=18والعباس رضي الله عنهم فيصوبان قوله - فهؤلاء
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، وابنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=18والعباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=166وعبد الله بن جعفر ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=97وجرير ، ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم : يرون رد البيع من الخديعة في نقصان الثمن عن قيمة المبيع .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر عن
القاسم بن عبد الرحمن أنه رد البيع من الغلط ، ولم يرده
الشعبي وقال : البيع خدعة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : والعجب كله من أقوال الحاضرين من خصومنا فإنهم يردون البيع من العيب يحط من الثمن يوجد فيه ; لأنه عندهم غش ، ثم يجيزون البيع وقد غش فيه بأعظم الغش ، وأخذ فيه منه ، أكثر من ثمنه ، هذا عجب جدا وتناقض سمج .
وعجب آخر : وهو أنهم يردون البيع من العيب يوجد فيه ، وإن كان قد أخذه المشتري بقيمته معينا ، ولا يردون البيع إذا غبن البائع فيه الغبن العظيم ، فلا ندري من أين وقع لهم هذه العناية بالمشتري ؟ وهذا الحنق على البائع ، إن هذا لعجب لا نظير له ؟
وعجب ثالث : وهو أنهم - نعني المالكيين ، والشافعيين - يحجرون على الذي يخدع في البيوع حتى يمنعوه من العتق ، والصدقة ، ومن البيع الصحيح الذي لا غبن فيه ويردون كل ذلك ، وهم ينفذون مع ذلك تلك البيوع التي غبن فيها ولا يردونها ، فلئن
[ ص: 363 ] كانت تلك البيوع التي خدع فيها حقا وجائزة فلأي معنى حجروا عليه من أجلها وهي حق وصحيحة ؟
ولئن كانت تلك البيوع التي خدع فيها باطلا وغير جائزة فلأي معنى يجيزونها ، إن هذه لطوام فاحشة ، وتخليط سمج ، وخلاف مجرد لكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ذكر له منقذ ، وأنه يخدع في البيوع فلم يحجر عليه ، لكن أمره أن يقول : " لا خلابة " عند البيع ، وجعل له الخيار ثلاثا في إنفاذ البيع أو رده ، فأبطل عليه السلام : " الخلابة " وأنفذ بيوعه الصحاح والتي يختار إنفاذها بعد المعرفة بها ، ولم يحجر عليه - وهذا عكس كل ما يحكمون به - وحسبنا الله ونعم الوكيل .