1465 - مسألة : فمن
غبن في بيع اشترط فيه السلامة فهو بيع مفسوخ ; لأن بيع الغش بيقين هو غير بيع السلامة الذي لا غش فيه ، هذا أمر يعلم بالمشاهدة ، فإذا هو كذلك فالبيع المنعقد بينهما في الباطن ليس هو الذي عقد عليه مشترط السلامة ولا يحل أن يلزم غير ما عقد عليه ، ولا يحل له أن يتمسك بما لم يعقد عليه بيعه الذي تراضى به ، لأن مال الآخر حرام عليه إلا ما تراضى معه ، وكذلك ماله على الآخر أيضا .
وأما إذا علم بقدر الغبن كلاهما ، وتراضيا جميعا به ، فهو عقد صحيح ، وتجارة عن تراض ، وبيع لا داخلة فيه .
وأما إذا لم يعلما أو أحدهما بقدر الغبن ، ولم يشترطا السلامة ولا أحدهما فله الخيار إذا عرف في رد أو إمساك ; لأن البيع وقع سالما على الجملة ، فهو بيع صحيح .
ثم وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل الخيار لمن قال : " لا خلابة ثلاثا " إن شاء أمسك وإن شاء رد فوجب أن لا يحل ما تزيد فيه الخادع على المخدوع إلا بعلم المخدوع وطيب نفسه ، فإن رضي بترك حقه فذلك له ، وإن أبى لم يجز له أخذ ما ابتاع بغير رضى البائع ، فله أن يرده .
وقد صح الإجماع المقطوع به على أن له الرد -
واختلف الناس : هل له الإمساك أم لا ؟ وقد قال الله تعالى {
إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } .
فصح أنه إذا رضي ما ابتاع فذلك - وبالله تعالى التوفيق .
[ ص: 364 ]
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : والقيمة قيمتان باتفاق جميع أهل الإسلام - قديما وحديثا - فقد كان التجار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيعون ما يشترون طلب الربح ، هذا أمر متيقن ، فقيمة يبتاع بها التجار السلع لا يتجاوزونها إلا لعلة ، وقيمة يبيع بها التجار السلع لا يحطون عنها ولا يتجاوزونها إلا لعلة ; فهاتان القيمتان تراعيان لكل قيمة في حالها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : واحتج أصحابنا في إبطالهم البيع بأكثر مما يساوي - وإن علما جميعا بذلك وتراضيا به بأن قالوا : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50310نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال } ، قالوا : والمشتري الشيء ، بأكثر من قيمته والبائع له بأقل من قيمته كلاهما مضيع لماله .
قالوا : ولا يجوز إخراج المال عن الملك إلا بعوض أجر من الله تعالى فهو أفضل عوض ، وإما بعوض من أعراض الدنيا كعمل في الإجارة ، أو عرض في التجارة ، أو ملك بضع في النكاح ، أو انحلال ملكه في الخلع ، ونحو ذلك مما جاءت به النصوص .
قالوا : ومن باع ثمرة بألف دينار ، أو ياقوتة بفلس ، فإن هذا هو التبذير ، والسرف ، وبسط اليد كل البسط ، وأكل المال بالباطل - قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : لا حجة لهم غير ما ذكرنا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فنقول لهم - وبالله تعالى التوفيق - : إن الذي قلتم إنما هو فيما لا يعلم بقدره ، وأما إذا علم بقدر الغبن وطابت به نفسه فهو بر بر به معاملة بطيب نفسه ، فهو مأجور ; لأنه فعل خيرا ، وأحسن إلى إنسان ، وترك له مالا ، أو أعطاه مالا ، وليس التبذير ، والسرف ، وإضاعة المال ، وأكله بالباطل إلا ما حرمه الله عز وجل على ما بينا في : " كتاب الحجر " من ديواننا هذا وأما التجارة عن تراض فما حرمها الله تعالى قط ، بل أباحها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وإنما يجوز من التطوع بالزيادة في الشراء ما أبقى غنى ; لأنه معروف من البيع ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28826كل معروف صدقة } وقال صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50236الصدقة عن ظهر غنى } .
وأما ما لم يبق غنى فمردود لا يحل ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36820من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : ومما يبين صحة قولنا : ما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أنا
أبو كامل - هو فضيل بن حسين الجحدري [ ص: 365 ] أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16496عبد الواحد بن زياد أنا
nindex.php?page=showalam&ids=13999الجريري عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50630كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فتخلف ناضحي ; فذكر الحديث وفيه فما زال يزيدني ويقول : والله يغفر لك } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فلا يخلو أول عطاء أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمل من أن يكون هو قيمة الجمل أو أقل من قيمته أو أكثر من قيمته فإن كان قيمته فقد زاده بعد ذلك ، وفي هذا جواز
البيع بالزيادة على القيمة عن رضاهما معا - وإن كان أعطاه أولا أقل من القيمة أو أكثر - فهذا هو قولنا وهو عليه السلام لا يسوم بما لا يحل ولا يخدع ولا يغر ولا يغش - فهذا نفس قولنا ولله الحمد .
وكذلك قوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50631لا يسم أحدكم على سوم أخيه } فيه إباحة المساومة ، وهي عند كل من يدري اللغة العربية معروفة ، وهي أن يسأل أحدهما ثمنا يعطيه الآخر أقل - فلو كان إعطاء أقل من القيمة أو طلب أكثر منها طلبا باطلا لما أباحه الله تعالى على لسان رسوله .
فصح أن كل ذلك جائز إذا عرفاه وعرفا مقداره وتراضيا معا به ، ولم يكن خديعة ولا غشا .
وكذلك ما جعل عليه السلام لمنقذ من الخيار في رد البيع أو إمضائه وكان يخدع في البيوع فيه إجازة البيع الذي فيه الخديعة إذا رضيها المخدوع وعرفها .
وكذلك الذي رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
ابن شهاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،
وزيد بن خالد الجهني : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50632أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ؟ فقال : إذا زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فبيعوها ، ولو بضفير أو بحبل من شعر } فأباح عليه السلام بيعها بحبل من شعر إذا رضي بائعها بذلك .
[ ص: 366 ]
وقد أجاز أصحابنا الذي أنكروا ههنا في حس مس إذ أجازوا بيع عبد بعشرة دنانير ، واشتراط مال وهو أنه عشرة آلاف دينار ، ولم ينكروه أصلا ، وكيف ينكرونه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أباحه جملة ؟ وهذا أخذ مال بغير صدقة ولا عوض .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وليس في شيء من هذه الأخبار متعلق لمن أجاز البيع الذي فيه الخديعة المحرمة والغش المحرم من الغبن الذي لا يدريه المغبون .
لأنه ليس فيها دليل على شيء من ذلك ، إنما فيها جواز ذلك إذا علمه الراضي به في بيعه فقط ، ولا يجوز الرضا بمجهول أصلا ; لأنه ممتنع في الجبلة ، محال في الخلقة ، وقد يقول المرء : رضيت رضيت ، فيما لا يعلم قدره ، فإذا وقف عليه لم يرضه أصلا ، هذا أمر محسوس في كل أحد ، وفي كل شيء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : واحتج المذكورون بما روينا من طريق
عبد الملك بن حبيب الأندلسي قال : بلغني عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يقول إذا بعث من يبتاع له سلعة : ارثم أنفه .
ومن طريق
ابن حبيب حدثني
عبد العزيز الأويسي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16492وعبد الملك بن مسلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش عن
عمرو بن المهاجر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز أنه قال : وددت أني لا أبيع شيئا ولا أبتاعه إلا بطحت بصاحبه .
وبما ذكرنا عن
الشعبي من قوله : البيع خدعة ؟
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : هذا كله باطل ،
وابن حبيب متروك ، ثم هو عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بلاغ كاذب ، ثم لو صح لما فهم منه أحد إباحة غبن ، ولا خديعة ، إنما معنى " ارثم أنفه " خذ أفضل ما عنده - وهذا مباح إذا تراضيا بذلك ، وأعطاه إياه بطيب نفسه .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=12434فإسماعيل بن عياش لا شيء - وكم قصة خالفوا فيها
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ؟ كسجوده في {
إذا السماء انشقت } وإباحته
[ ص: 367 ] بيع السمك في الماء قبل أن يصاد ، وعشرات من القضايا ، فمن الباطل أن يكون ما صح عنه ليس حجة وما لم يصح عنه حجة - وبالله تعالى التوفيق .
والذي جاء من طريق
الشعبي هو من طريق
جابر الجعفي ، وقد خالفه
القاسم ، وغيره ، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .