1559 - مسألة : ومن باع سلعة بثمن مسمى حالة ، أو إلى أجل مسمى قريبا أو بعيدا فله أن يبتاع تلك السلعة من الذي باعها منه بثمن مثل الذي باعها به منه ، وبأكثر منه ، وبأقل حالا ، وإلى أجل مسمى أقرب من الذي باعها منه إليه ، أو أبعد ومثله ، كل ذلك حلال لا كراهية في شيء منه ، ما لم يكن ذلك عن شرط مذكور في نفس العقد ، فإن كان عن شرط فهو حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبي سليمان ، وأصحابهما .
برهان ذلك - : قول الله - تعالى - : {
وأحل الله البيع } .
وقوله تعالى : {
وقد فصل لكم ما حرم عليكم } .
فهذان بيعان فهما حلالان بنص القرآن ولم يأت تفصيل تحريمهما في كتاب ولا سنة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
وما كان ربك نسيا } فليسا بحرام .
وأما اشتراط ذلك فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28763كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط } .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة إلى أن من اشترى سلعة بثمن ما وقبض السلعة ثم باعها من البائع لها منه بأقل من الثمن الذي اشتراها به قبل أن ينقد هو الثمن الذي كان اشتراها هو به : فالبيع الثاني باطل .
فإن باعها من الذي كان ابتاعها منه بدنانير ، وكان هو قد اشتراها بدراهم أو ابتاعها بدنانير ثم باعها من بائعها بدراهم فإن كان قيمة الثمن الثاني أقل من قيمة الثمن الأول فإنه لا يجوز .
فإن كان اشتراها بدنانير أو بدراهم ثم باعها من الذي ابتاعها هو منه بسلعة : جاز ذلك - كان ثمنها أقل من الثمن الذي اشتراها به أو أكثر .
[ ص: 549 ] فإن ابتاعها في كل ما ذكرنا بثمن ثم باعها من بائعها منه بثمن أكثر من الثمن الذي ابتاعها به منه فهو جائز .
قال : وكل ما يحرم في هذه المسألة على البائع الأول فهو يحرم على شريكه في التجارة التي تلك السلعة منها ، وعلى وكيله ، وعلى مدبره ، وعلى مكاتبه ، وعلى عبده المأذون له في التجارة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : من
اشترى سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى ، ثم ابتاعها هو من الذي ابتاعها منه بأكثر من ذلك الثمن إلى مثل ذلك الأجل لم يجز .
فإن ابتاع سلعة ليست طعاما ولا شرابا بثمن مسمى ثم اشتراها منه الذي كان باعها منه قبل أن يقبضها منه بأقل من ذلك الثمن أو بأكثر فلا بأس به ، إلا أن يكون من أهل العينة وقد نقده الثمن فلا خير فيه .
فإن
ابتاع سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى فإنه لا يجوز له أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أقل من ذلك الثمن ، أو بسلعة تساوي أقل من ذلك الثمن نقدا ، أو إلى أجل أقل من ذلك الأجل أو مثله : لم يجز شيء من ذلك وله أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن نقدا ، أو إلى أجل أقل من ذلك الأجل ، أو مثله ، وليس له أن يبيعها من بائعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل ، ولا بسلعة تساوي أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : احتج أهل هذين القولين بما رويناه - : من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
أبي إسحاق عن امرأته ، ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17415يونس بن أبي إسحاق عن أمه
العالية بنت أيفع بن شرحبيل ، ثم اتفقا عنها قالت : دخلنا على
عائشة أم المؤمنين ،
وأم ولد لزيد بن أرقم فقالت
أم ولد زيد بن أرقم : إني بعت غلاما من
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة إلى العطاء واشتريته بستمائة ؟ فقالت
عائشة : أبلغي
زيدا أنك قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب ، بئسما اشتريت وبئسما شريت ؟ قالت : أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي ؟ قالت {
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف } فقالوا : مثل هذا الوعيد لا يقال بالرأي ولا فيما سبيله الاجتهاد - فصح أنه توقيف .
[ ص: 550 ] وبما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
سليمان التيمي عن
حيان بن عمير القيسي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الرجل يبيع الجريرة إلى رجل فكره أن يشتريها - يعني بدون ما باعها .
وقالوا : هي دراهم بأكثر منها ، وقالوا : هذان أرادا الربا فتحيلا له بهذا البيع - ما لهم شيء شغبوا به غير ما ذكرناه .
فأما خبر امرأة
أبي إسحاق : ففاسد جدا ; لوجوه - : أولها - أن امرأة
أبي إسحاق مجهولة الحال ، لم يرو عنها أحد غير زوجها ، وولدها
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس ، على أن
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس قد ضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة بأقبح التضعيف ، وضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل جدا ، وقال فيه
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة : أما قال لكم : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
والثاني أنه قد صح أنه مدلس ، وأن امرأة
أبي إسحاق لم تسمعه من أم المؤمنين ، وذلك أنه لم يذكر عنها زوجها ، ولا ولدها : أنها سمعت سؤال المرأة لأم المؤمنين ، ولا جواب أم المؤمنين لها ، إنما في حديثها : دخلت على أم المؤمنين ، أنا ،
وأم ولد لزيد بن أرقم ، فسألتها
أم ولد زيد بن أرقم - وهذا يمكن أن يكون ذلك السؤال في ذلك المجلس ، ويمكن أن يكون في غيره ، فوجدنا : ما حدثناه
علي بن محمد بن عباد الأنصاري أنا
محمد بن عبد الله بن محمد بن يزيد اللخمي أنا
ابن مفرج القاضي أنا
الحسن بن مروان القيسراني أنا
إبراهيم بن معاوية أنا
nindex.php?page=showalam&ids=14906محمد بن يوسف الفريابي أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
أبي إسحاق السبيعي عن
امرأة أبي السفر : أنها باعت من
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم خادما لها بثمانمائة درهم إلى العطاء ، فاحتاج فابتاعتها منه بستمائة درهم فسألت
عائشة أم المؤمنين ؟ فقالت : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت مرارا ، أبلغي
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم أنه قد بطل جهاده إن لم يتب ؟ قالت : فإن لم آخذ إلا رأس مالي قالت
عائشة : {
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف } .
وما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
أبي إسحاق السبيعي عن امرأته قالت : سمعت
امرأة أبي السفر تقول : سألت
عائشة أم المؤمنين فقلت : بعت
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم خادما إلى العطاء بثمانمائة درهم وابتعتها منه بستمائة درهم ؟ فقالت لها
[ ص: 551 ] عائشة بئس ما شريت أو بئس ما اشتريت أبلغي
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب ؟ قالت : أفرأيت إن أخذت رأس مالي ؟ قالت : لا بأس {
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف } .
فبين
سفيان الدفينة التي في هذا الحديث وأنها لم تسمعه امرأة
أبي إسحاق من أم المؤمنين ، وإنما روته عن
امرأة أبي السفر ، وهي التي باعت من
زيد ، وهي
أم ولد لزيد ، وهي في الجهالة أشد وأقوى من امرأة
أبي إسحاق ، فصارت مجهولة عن أشد منها جهالة ونكرة - فبطل جملة ولله - تعالى - الحمد .
وليس بين
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس ، وبين
سفيان نسبة في الثقة والحفظ ، فالرواية ما روى
سفيان .
والثالث - أن من البرهان الواضح على كذب هذا الخبر ووضعه ، وأنه لا يمكن أن يكون حقا أصلا : ما فيه مما نسب إلى أم المؤمنين من أنها قالت : أبلغي
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب
وزيد لم يفته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غزوتان فقط :
بدر ،
وأحد ، فقط ، وشهد معه عليه السلام سائر غزواته ، وأنفق قبل الفتح وقاتل ، وشهد بيعة الرضوان تحت الشجرة
بالحديبية ، ونزل فيه القرآن ، وشهد الله - تعالى - له بالصدق وبالجنة على لسان رسوله عليه السلام : أنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة .
ونص القرآن بأن الله - تعالى - قد رضي عنه وعن أصحابه الذين بايعوا تحت الشجرة ، فوالله ما يبطل هذا كله ذنب من الذنوب غير الردة عن الإسلام فقط ، وقد أعاذه الله - تعالى - منها برضاه عنه ، وأعاذ أم المؤمنين من أن تقول هذا الباطل .
والرابع - أنه يوضح كذب هذا الخبر أيضا - : أنه لو صح أن
زيدا أتى أعظم الذنوب من الربا المصرح - وهو لا يدري أنه حرام - لكان مأجورا في ذلك أجرا واحدا غير آثم ، ولكان له من ذلك ما
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس رضي الله عنه في إباحة الدرهم بالدرهمين جهارا يدا بيد ، وما
nindex.php?page=showalam&ids=55لطلحة رضي الله عنه إذ أخذ دنانير
nindex.php?page=showalam&ids=16870مالك بن أوس ثم أخره بالدراهم في صرفها إلى مجيء خازنه من الغابة بحضرة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه - : فما زاد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على منعه من تعليمه ، ولا زاد
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد على لقاء
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وتعليمه .
وما أبطل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ; ولا
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد بذلك تكبيرة واحدة من عمل
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وكلا الوجهين بالنص الثابت ربا صراح ، ولا شيء في الربا فوقه .
[ ص: 552 ] فكيف يظن بأم المؤمنين إبطال جهاد
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم في شيء عمله مجتهدا ، لا نص في العالم يوجد خلافه ، لا صحيح ولا من طريق واهية ، هذا والله الكذب المحض المقطوع به ، فليتب إلى الله - تعالى - من ينسبه إلى أم المؤمنين ، ومن يحرم به في دين الله - تعالى - ما لم يحرمه الله - تعالى - ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فهذه براهين أربعة في بطلان هذا الخبر ، وأنه خرافة مكذوبة .
ثم نقول : إنه لو صح صحة الشمس لما كان لهم فيه حجة لوجوه - : أولها - أنه قول من أم المؤمنين ، وما قولها بأولى من قول
زيد - وإن كانت أفضل منه - إذا تنازعا ; لأن الله - تعالى - يقول : {
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ولم يأمرنا بالرد إلى أحد دون القرآن والسنة .
والثاني - أن نقول لهم : كم قولة رددتموها لأم المؤمنين بالدعاوى الفاسدة كبيعها المدبرة وإباحتها الاشتراط في الحج ، فاطرحتم حكمها وتعلقتم بمخالفة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لها في المدبرة .
وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : من قدم ثقله من
منى قبل أن ينفر فلا حج له ، والاشتراط في الحج ، فأطرحتم قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، ولم تقولوا : مثل هذا لا يقال بالرأي ، فلم يبق إلا أنه توقيف .
وخالفتموه لقول ابنه : لا أعرف الاشتراط في الحج ، فمرة يكون قول أم المؤمنين حجة ، ومرة لا يشتغل به ، ومرة تكون
عائشة حجة على
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر حجة على
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر حجة على
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، وغير
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر حجة على
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - وهذا هو التلاعب بالدين وبالحقائق .
والثالث - أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قد صح عنه ما أوردناه في الباب الذي قبل هذا من قوله وددت أني رأيت الأيدي تقطع في بيع المصاحف فهلا قلتم : مثل هذا لا يقال بالرأي كما قلتم ههنا ؟
والرابع - أن من الضلال العظيم أن يظن أن عندها - رضي الله عنها - في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرا ثم تكتمه فلا ترويه لأحد من خلق الله - تعالى - حاشا لها من ذلك من أن تكتم ما عندها من البينات والهدى ؟
[ ص: 553 ] فما حصلوا إلا على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقويله ما لم يقله قط ، إذ لو قاله لكان محفوظا بحفظ الله - تعالى - حتى بلغ إلى أمته ، والكذب على أم المؤمنين .
والخامس - أنها أنكرت البيع إلى العطاء بقولها بئس ما شريت - والمالكيون يبيحونه بمثل هذا ، وهذا عجب جدا ؟ نصف كلامها حجة ونصفه ليس بحجة .
؟ والسادس - أننا روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور عن
خديج بن معاوية عن
أبي إسحاق السبيعي عن
أم محبة ختنة أبي السفر أنها نذرت مشيا إلى
مكة فعجزت ؟ فقال لها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هل لك ابنة تمشي عنك ؟ قالت : نعم ، ولكنها أعظم في نفسها من ذلك .
فإن كانت هذه الطريق لا حجة فيها فهي تلك نفسها أو مثلها ، بل قد جاء في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم عن
أم محبة أيضا ، وإن كان ذلك الخبر حجة ، فهذا حجة ، وإلا فقد حصل التناقض - فظهر فساد هذا الاحتجاج جملة - ولله - تعالى - الحمد .
وأما خبر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : فهو رأي منه ، وقد خالفه
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - : كما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=15124ليث عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد قال : ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر رجل باع سرجا بنقد ، ثم أراد أن يبتاعه بدون ما باعه قبل أن ينتقد ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : لعله لو باعه من غيره باعه بدون ذلك ، ولم ير به بأسا .
وكم قصة
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس خالفوه فيها كما ذكرنا قبل هذا آنفا - فسقط تعلقهم
nindex.php?page=showalam&ids=11بابن عباس .
وروينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق أنا
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين قال : لا بأس بأن يشتري الشيء إلى أجل ثم يبيعه من الذي اشتراه منه بأقل من الثمن إذا قاصصه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وأما قولهم : إنها دراهم بأكثر منها ؟ فعجب لا نظير له جدا ، وقد قلت لبعضهم : ما تقولون فيمن
باع سلعة إلى أجل بدينار ثم اشتراها بنقد بدينارين ؟ فقال : حلال : فقلت له : ومن أين وجب أن يكون إذا باعه بدينارين واشتراه بدينار ربا ودينارا بدينارين ، ولم يجب إذا باعه بدينار إلى أجل واشتراه بدينارين : أن يكون ربا ودينارا بدينارين ، وهل في الهوس أعظم من أن يبيع زيد من عمرو دينارا بدينارين فيكون
[ ص: 554 ] ربا ، ويبيع منه دينارين بدينار فلا يكون ربا ، ليت شعري في أي دين وجدتم هذا ؟ أم في أي عقل ؟ فما أتى بفرق ، ولا يأتون به أبدا .
وأما قولهم : إنهما أرادا الربا كما ذكرنا فتحيلا بهذا العمل ؟ فجوابهم أنهما إن كانا أرادا الربا كما ذكرتم فتحيلا بهذا العمل ، فبارك الله فيهما ، فقد أحسنا ما شاءا إذ هربا من الربا الحرام إلى البيع الحلال ، وفرا من معصية الله - تعالى - إلى ما أحل ، ولقد أساء ما شاء من أنكر هذا عليهما ، وأثم مرتين لإنكاره إحسانهما ، ثم لظنه بهما ما لعلهما لم يخطر ببالهما ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=48561الظن أكذب الحديث } . وأما أقوال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، في هذه المسألة فقد ذكرنا طرفا يسيرا من تقسيمهما ، وكل من تأمله يرى أنها تقاسيم في غاية الفساد ، والتناقض ، كتفريق
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة بين ابتياعه بسلعة وبين ابتياعه بدنانير ، وفي كلا الوجهين إنما باع بدراهم - وكتحريمه ذلك على وكيله وشريكه .
وكتفريق
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بين ابتياعه بأكثر مما كان باعها به فيراه حلالا ، وبين ابتياعه بأقل فيراه حراما ، وهذه عجائب بلا دليل كما ترى ؟ ثم إن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة أوهم أنه أخذ بخبر
عائشة - رضي الله عنها - ولم يأخذ به ; لأنه يرى ذلك فيمن باع بثمن حال ما لم ينتقد جميع الثمن ، وليس هذا في خبر
عائشة أصلا - وبالله - تعالى - التوفيق .