1634 - مسألة :
ولا يحل لأحد أن يهب ، ولا أن يتصدق على أحد من ولده إلا حتى يعطي أو يتصدق على كل واحد منهم بمثل ذلك .
ولا يحل أن يفضل ذكرا على أنثى ، ولا أنثى على ذكر ، فإن فعل فهو مفسوخ مردود أبدا ولا بد ، وإنما هذا في التطوع - وأما في النفقات الواجبات فلا ، وكذلك الكسوة الواجبة .
لكن ينفق على كل امرئ منهم بحسب حاجته ، وينفق على الفقير منهم دون الغني ، ولا يلزمه ما ذكرنا في ولد الولد ، ولا في أمهاتهم ، ولا في نسائهم ، ولا في
[ ص: 96 ] رقيقهم ، ولا في غير ولد ، بل له أن يفضل بماله كل من أحب ، فإن كان له ولد فأعطاهم ، ثم ولد له ولد فعليه أن يعطيه كما أعطاهم ، أو يشركهم فيما أعطاهم ، وإن تغيرت عين العطية - ما لم يمت أحدهم - فيصير ماله لغيره ، فعلى الأب حينئذ أن يعطي هذا الولد ، كما أعطى غيره ، فإن لم يفعل أعطي مما ترك أبوه من رأس ماله مثل ذلك .
وروي ذلك عن جمهور السلف - : كما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين أن
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة قسم ماله بين بنيه في حياته فولد له بعد ما مات فلقي
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر فقال له : ما نمت الليلة من أجل
ابن سعد هذا المولود لم يترك له شيء ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر : وأنا والله ، فانطلق بنا إلى
قيس بن سعد نكلمه في أخيه ، فأتيناه فكلمناه فقال
قيس : أما شيء أمضاه
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد فلا أرده أبدا ، ولكن أشهدكما أن نصيبي له .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : قد زاد
قيس على حقه ، وإقرار
أبي بكر لتلك القسمة دليل على صحة اعتدالها .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة أن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد أخبره أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق قال
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة أم المؤمنين : يا بنية ، إني نحلتك نخلا من
خيبر ، وإني أخاف أن أكون آثرتك على ولدي ، وإنك لم تكوني احتزتيه ، فرديه على ولدي ؟ فقالت : يا أبتاه ، لو كانت لي
خيبر بجدادها ذهبا لرددتها .
ومن طريق
محمد بن أحمد بن الجهم نا
nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي نا
مؤمل بن هشام نا
nindex.php?page=showalam&ids=13382إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - عن
nindex.php?page=showalam&ids=15579بهز بن حكيم عن أبيه
حكيم بن معاوية عن أبيه
معاوية بن حيدة أن أباه
حيدة كان له بنون لعلات أصاغر ولده ، وكان له مال كثير فجعله لبني علة واحدة ، فخرج ابنه
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية حتى قدم على
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان فأخبره بذلك ، فخير
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان الشيخ بين أن يرد إليه ماله وبين أن يوزعه بينهم ؟ فارتد ماله ، فلما مات تركه الأكابر لإخوتهم .
وبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي نا
nindex.php?page=showalam&ids=17173موسى بن إسماعيل نا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد هو ابن سلمة - عن
[ ص: 97 ] حميد عن
الحسن بن مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد قال : من نحل ولدا له نحلا دون بنيه فمات فهو ميراث .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير قال : يرد من حيف الناحل الحي ما يرد من حيف الميت من وصيته .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق نا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج نا
nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس عن أبيه قال في الولد : لا يفضل أحد على أحد بشعرة ، النحل باطل ، هو من عمل الشيطان ، اعدل بينهم كبارا وأبنهم به ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16484ابن جريج : قلت له : هلك بعض نحلهم ثم مات أبوهم ؟ قال : للذي نحله مثله من مال أبيه .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
زهير بن نافع قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح فقلت : أردت أن أفضل بعض ولدي في نحل أنحله ؟ فقال : لا ، وأبى إباء شديدا وقال : سو بينهم .
وبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قلت
nindex.php?page=showalam&ids=16568لعطاء : ينحل ولده أيسوى بينهم وبين أب وزوجة ؟ قال : لم يذكر إلا الولد ، لم أسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ذلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فهؤلاء
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ،
وقيس بن سعد ،
وعائشة أم المؤمنين بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف ، ثم
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16484وابن جريج - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي ،
والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح ،
وعبد الله بن شداد بن الهاد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ،
وإسحاق بن راهويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبي سليمان ، وجميع أصحابنا .
ثم اختلفوا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ،
وإسحاق ، العدل أن يعطي الذكر حظين ، والأنثى حظا - وقال غيرهم : بالسوية في ذلك .
وروينا خلاف ذلك ، وإجازة تفضيل بعض الولد على بعض عن
القاسم بن محمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة وغيرهما - وبه يقول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
[ ص: 98 ]
وكرهه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأجازه إن وقع .
وكره
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أن ينحل بعض ولده ماله كله - وذكروا عن الصحابة رضي الله عنهم قصة
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر وعائشة ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر من نحل ولدا له .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن الأشج عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قطع ثلاثة أرؤس أو أربعة لبعض ولده دون بعض ، قال
بكير : وحدثني
القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري أنه كان مع
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إذ اشترى أرضا من رجل من
الأنصار ، ثم قال له
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : هذه الأرض لابني
واقد ، فإنه مسكين ، نحله إياها دون ولده .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب : وبلغني عن
عمرو بن دينار : أن
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف نحل ابنته من
nindex.php?page=showalam&ids=11720أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أربعة آلاف درهم وله ولد من غيرها .
وذكروا ما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=15986سعيد بن أبي أيوب عن
بشير بن أبي سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16920محمد بن المنكدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50897كل ذي مال أحق بماله } وما نعلم لهم حجة غير هذا .
ووجدنا من قال بقولنا يحتج بما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم نا
يحيى بن يحيى ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبو بكر بن أبي شيبة ،
وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه -
وابن أبي عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16818وقتيبة ،
ومحمد بن رمح ،
وحرملة بن يحيى ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ، قال
يحيى : نا
nindex.php?page=showalam&ids=12350إبراهيم بن سعد ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
وإسحاق ،
وابن أبي عمر ، كلهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة ،
وابن رمح ، كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، وقال
حرملة : نا
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس ، وقال عبد نا
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق : أنا
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر ، ثم اتفق
إبراهيم ،
وسفيان ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=17419ويونس ،
nindex.php?page=showalam&ids=17124ومعمر ، كلهم عن
الزهري عن
محمد بن النعمان بن بشير ،
وحميد بن عبد الرحمن بن عوف كلاهما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50898عن النعمان بن بشير قال : أتى بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نحلت ابني هذا غلاما ، فقال : أكل بنيك نحلت ؟ قال : لا ، فاردده - } هذا لفظ
إبراهيم ،
nindex.php?page=showalam&ids=17419ويونس ،
nindex.php?page=showalam&ids=17124ومعمر ، وقال
سفيان ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50898أكل ولدك نحلت } ؟ واتفقوا فيما سوى ذلك .
[ ص: 99 ]
من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
الزهري عن
حميد بن عبد الرحمن بن عوف ،
ومحمد بن النعمان بن بشير أنهما حدثاه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50900عن النعمان بن بشير : أن أباه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني نحلت ابني هذا غلاما ؟ فقال : أكل ولدك نحلت مثله ؟ قال : لا ، قال : فارجعه } .
وهكذا رويناه أيضا نصا من طريق
الأوزاعي عن
الزهري .
ورويناه أيضا من طريق
جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وعبد الله بن المبارك ، كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه عن
النعمان بن بشير " .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15976سعد بن إبراهيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير عن
النعمان بن بشير ، كلهم يقول فيه " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50901 : رده ، أو اردده } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري نا
حامد بن عمر نا
أبو عوانة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15721حصين هو ابن عبد الرحمن - عن
الشعبي سمعت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50902النعمان بن بشير وهو على المنبر يقول : أعطاني أبي عطية فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية ، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله ؟ فقال عليه السلام : أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ قال : لا ، قال : فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ؟ ارجع فرد عطيته } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم نا
يحيى بن يحيى نا
nindex.php?page=showalam&ids=11820أبو الأحوص عن
nindex.php?page=showalam&ids=15721حصين بن عبد الرحمن عن
الشعبي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22493عن النعمان بن بشير قال : تصدق علي أبي ببعض ماله ، فانطلق أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ [ ص: 100 ] قال : لا ، قال : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم - فرجع أبي فرد تلك الصدقة } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم نا
محمد بن عبد الله بن نمير نا
nindex.php?page=showalam&ids=16925محمد بن بشر نا
أبو حيان هو يحيى بن سعيد التيمي - عن
الشعبي حدثني
النعمان بن بشير ، فذكر هذا الخبر ، وفيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50903فلا أشهد على جور } .
فكانت هذه الآثار متواترة متظاهرة :
الشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16924ومحمد بن النعمان ،
وحميد بن عبد الرحمن ، كلهم سمعه من
النعمان .
ورواه عن هؤلاء الحفلاء من الأئمة كلهم متفق على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفسخ تلك الصدقة والعطية وردها ، وبين بعضهم أنها ردت ، وأنه عليه الصلاة والسلام أخبر أنها جور ، والجور لا يحل إمضاؤه في دين الله تعالى ، ولو جاز ذلك لجاز إمضاء كل جور وكل ظلم ، وهذا هدم الإسلام جهارا .
فوجدنا المخالفين قد تعللوا بهذا في هذا بأن قال بعضهم : إنه وهبه جميع ماله .
فقلنا : سبحان الله في نص الحديث " بعض ماله " وفي بعض الروايات الثابتة " بعض الموهبة من ماله " .
وقال آخرون : روى هذا الخبر
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند عن
الشعبي عن
النعمان {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50905أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبشير : فأشهد على هذا غيري ، أيسرك أن يكونوا أولئك في البر سواء ؟ قال : بلى ، قال : فلا إذا } .
ورواه
المغيرة عن
الشعبي عن
النعمان ، وقال فيه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23324فأشهد على هذا غيري } ؟ فقلنا : هذا حجة عليكم ; لأن قوله عليه السلام " فلا إذا " نهي صحيح كاف لمن عقل .
وقوله عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1040أشهد على هذا غيري } لو لم يأت إلا هذا اللفظ لما كان لكم فيه متعلق .
وأما وقد روى من هو أجل من
المغيرة nindex.php?page=showalam&ids=15854وداود بن أبي هند الزيادة الثابتة التي لا يحل لأحد الخروج عنها من أمره عليه الصلاة والسلام برد تلك الصدقة والعطية وارتجاعها -
[ ص: 101 ]
فصح بهذه الزيادة ، وبإخبار عليه الصلاة والسلام أنه جور أن معنى قوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1040أشهد على هذا غيري } إنما هو الوعيد كقول الله تعالى : {
فإن شهدوا فلا تشهد معهم } ليس على إباحة الشهادة على الجور والباطل ، لكن كما قال تعالى : {
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } .
وكقوله تعالى : {
اعملوا ما شئتم }
و {
كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون }
وحاش له عليه السلام أن يبيح لأحد الشهادة على ما أخبر به هو أنه جور ، وأن يمضيه ولا يرده ، هذا ما لا يجيزه مسلم ، ويكفي من هذا أن نقول : تلك العطية والصدقة أحق جائز هي أم باطل غير جائز .
ولا سبيل إلى قسم ثالث ؟ فإن قالوا : حق جائز ؟ أعظموا الفرية ، إذ أخبروا أنه عليه الصلاة والسلام أبى أن يشهد على الحق - وهو الذي أتانا عن ربنا تعالى بقوله تعالى : {
ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا }
وبقوله تعالى : {
ولا يضار كاتب ولا شهيد }
وإن قالوا : إنها باطل غير جائز ؟ أعظموا الفرية ، إذ أخبروا أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بالباطل ، وأنفذ الجور ، وأمر بالإشهاد على عقده ، وكلا القولين مخرج إلى الكفر بلا مرية ، ولا بد من أحدهما .
وزاد بعضهم ضلالا وفرية فقال : معنى قوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1040أشهد على هذا غيري } أي إني إمام والإمام لا يشهد ، فجمعوا فريتين ، إحداهما : الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقويله ما لم يقل فليتبوأ من أطلق هذا مقعده من النار ، والثانية قولهم : إن الإمام لا يشهد ، فقد كذبوا وأفكوا في ذلك ، بل الإمام يشهد ; لأنه أحد المسلمين المخاطبين بأن لا يأبوا إذا دعوا ، وبقوله عز وجل {
كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين } فهذا أمر للأئمة بلا شك ولا مرية .
والعجب من قلة حياء هذا القائل ، ومن قوله ومذهبه أن الإمام إذا شهد عند حاكم من حكامه جازت شهادته ، فلو لم يكن من شأنه أن يشهد لما جازت شهادته .
ثم أتى بعضهم بما كان الخرس أولى به فقال : لعل
النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض النحل - وقائل هذا إما في نصاب التيوس جهلا ، وإما منزوع الحياء والدين ; لأن
[ ص: 102 ] صغر
النعمان أشهر من الشمس ، وأنه ولد بعد الهجرة بلا خلاف من أحد من أهل العلم ، وقد بين ذلك في حديث
أبي حيان عن
الشعبي عن
النعمان ، " وأنا يومئذ غلام " ولا تطلق هذه اللفظة على رجل بالغ أصلا .
وقال بعضهم لم يكن النحل تم إنما كان استشارة وموهوا برواية
nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب بن أبي حمزة بهذا الخبر عن
الزهري فقال فيه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50906عن النعمان ، نحلني أبي غلاما ثم جاء بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نحلت ابني هذا غلاما فإن أذنت لي أن أجيزه أجزته } ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : لولا عمى هؤلاء القوم وضلالهم ما تمكن الهوى منهم هذا التمكن ، هم يسمعون في أول الخبر " نحلني أبي غلاما " وفي وسطه " يا رسول الله نحلت ابني هذا غلاما " ويقولون : لم يتم النحل .
وقول
بشير " فإن أذنت لي أن أجيزه أجزته " قول صحيح ، وقول مؤمن لا يعمل إلا ما أباحه له رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظاهره بلا تأويل ، نعم ، إن أجازه النبي صلى الله عليه وسلم أجازه
بشير ، وإن لم يجزه عليه الصلاة والسلام رده
بشير ولم يجزه كما فعل .
وذكروا أيضا - رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16453عبد الله بن عون لهذا الخبر عن
الشعبي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50907عن النعمان بن بشير قال : نحلني أبي نحلا ثم أتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده فقال : أكل ولدك أعطيته هذا ؟ قال : لا ، قال : أليس تريد منهم البر مثل ما تريد من ذا ؟ قال : بلى ، قال : فإني لا أشهد } قال
ابن عون : فحدثت به
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، فقال : إنما حدثنا أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50908قاربوا بين أبنائكم } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : والقول في هذا أنه أعظم حجة عليهم لما ذكرنا لما أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشهد على باطل ، وهذا باطل ، إذ لم يستجز عليه السلام أن يشهد عليه - وهكذا رواية
عبد الصمد بن عبد الوارث عن
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
سعيد لهذا الخبر ، وفيه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50909لا أشهد } . وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين : قاربوا بين أبنائكم ، فمنقطع - ثم لو صح لكان حجة لنا عليهم ; لأنه أمر بالمقاربة ونهى عن خلافها ، وهم يجيزون خلاف المقاربة ، ولا يوجبون المقاربة ، فمن أضل من هؤلاء المحرومين .
[ ص: 103 ] والمقاربة : هو الاجتهاد في التعديل ، كما قال تعالى : {
ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة } فصح أن المجتهد في التعديل بين أولاده إن لم يصادف حقيقة التعديل كان مقاربا ، إذا لم يقدر على أكثر من ذلك .
ومن عجائب الدنيا احتجاجهم برواية
nindex.php?page=showalam&ids=15932زهير بن معاوية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر لهذا الخبر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50911قال nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : قالت امرأة بشير : انحل ابني غلامك هذا ، أشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أله إخوة ؟ قال : نعم ، قال : فكلهم أعطيته مثل ما أعطيته ؟ قال : لا ، قال : فليس يصلح هذا ، ألا وإني لا أشهد إلا على حق } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : أفيكون أعجب من احتجاجهم بهذا الخبر وهو أعظم حجة عليهم ; لأن في أوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50911ليس يصلح } وفي آخره {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50909إني لا أشهد إلا على حق } فصح أنه ليس حقا ، وإذ ليس حقا فهو باطل وضلال قال تعالى : {
فماذا بعد الحق إلا الضلال }
فإن قالوا : فقد قال عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50805لا يصلح أن يبيع } في حديث الشفعة ، ثم أجزتموه إذا أجازه الشفيع ونهى عليه الصلاة والسلام عن النذر ، ثم أوجبتموه إذا وقع .
قلنا : نعم ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الخيار للشفيع إن شاء أخذ وإن شاء ترك ، وفي تركه إقرار ذلك البيع ، فوقفنا عند أمره عليه الصلاة والسلام في ذلك .
ونهى عليه السلام عن النذر ثم أمر بالوفاء به ، وأخبر أنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43849يستخرج به من البخيل } فوقفنا عند أمره ، فبانون في هذا الباب أنه عليه الصلاة والسلام أمضاه بعد أن أمره برده ، ونحن أول سامع ومطيع ، وذلك ما لا يجدونه أبدا .
وأتى بعضهم بآبدة ، وهي أنه ذكر ما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16797فطر بن خليفة عن
مسلم بن صبيح هو أبو الضحى - سمعت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50912النعمان بن بشير يقول : ذهب بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء أعطانيه فقال : ألك ولد غيره ؟ قال : نعم ، وصف بيده أجمع كله كذا ، ألا سويت بينهم . }
[ ص: 104 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : إن من عارض رواية كل من ذكرنا برواية
فطر لمخذول ،
وفطر ضعيف ، ولولا أن
سفيان رواه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11870أبي الضحى عن
النعمان ما كان لهم فيه حجة ; لأن سائر الروايات زائدة - حكما ولفظا - على هذه الرواية ، فكيف وقد روينا في حديث
فطر هذا من طريق من إن لم يكن فوق
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان لم يكن دونه - وهو
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك - عن
فطر عن
مسلم بن صبيح سمعت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50913النعمان بن بشير يخطب يقول : جاء بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على عطية أعطانيها ؟ فقال : هل لك بنون سواه ؟ قال : نعم قال : سو بينهم } فهذا إيجاب للتسوية بينهم .
وقد حمل المالكيون أمره عليه الصلاة والسلام بالتكبير على الفرض بمجرد الأمر ، وحمل الحنفيون أمره عليه الصلاة والسلام بالإعادة من ضحى قبل الإمام على الفرض بمجرد الأمر .
وما زالوا يهجمون على وجوه السخف معارضة للحق حتى قال بعضهم : هذا كما روي أنه عليه الصلاة والسلام أتى بخرز فقسمه للحرة والأمة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : أي شبه بين هذا وبين أمره عليه الصلاة والسلام بأن يرد تلك الصدقة والعطية ، وإخباره بأنها جور لو عقلوا : فبطل كل ما موهوا به والحمد لله رب العالمين .
وأما الخبر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50897كل ذي مال أحق بماله } فصحيح ، فقد قال تعالى : {
ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }
وقال تعالى : {
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم }
فالذي حكم بإيجاب الزكاة ، وفسخ أجر البغي ، وحلوان الكاهن ، وبيع الخمر ، وبيع أم الولد ، وبيع الربا ، هو الذي فسخ الصدقة والعطية المفضل فيها بعض الولد على بعض ، ولو أنهم اعترضوا أنفسهم بهذا الاعتراض في إبطالهم النحل والصدقة التي لم تقبض لكان أصح وأثبت ، ولكنهم كالسكارى يخبطون واحتج بعضهم بأنه عمل الناس فقلنا : عمل الناس الغالب عليه الباطل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : ما أعرف مما أدركت الناس عليه إلا الصلاة .
وقال بعضهم : لما جازت مفاضلة الإخوة جازت مفاضلة الأولاد ؟
[ ص: 105 ] قلنا : هذا حكم إبليس ؟ وهلا قلتم : لما جاز القود بين المرء وأخيه جاز بين المرء وولده ؟ فكان أصح .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وأما ما موهوا به عن الصحابة رضي الله عنهم فكله لا حجة لهم فيه ; لأنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم حديث
أبي بكر قد أوردناه بخلاف ما أوردوه .
وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ، من نحل ولده نحلا ، فنحن لم نمنع نحل الولد وإنما منعنا المفاضلة ، وليس في كلامهما إباحة المفاضلة ، كما ليس فيه إباحة بيع الخمر والخنازير ولا فرق .
وقد صح عنهما المنع منها ، كما أوردنا .
وأما الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فليس فيها أنه لم ينحل الآخرين قبل ولا بعد بمثل ذلك ، بل فيها أنه قال :
واقد ابني مسكين ، فصح أنه لم يكن نحله بعد كما نحل إخوته ، فألحقه بهم ، وأخرجه عن المسكنة ، على أنها من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة وهو ساقط .
وكذلك القول في الرواية عن
عبد الرحمن هي أيضا منقطعة ، ثم لو صحت فليس فيها أنه لم يسو قبل ولا بعد بينهم ، فبطل كل ما تعلقوا به - وبالله تعالى التوفيق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد :
وأما النفقات الواجبات : فقوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13609اعدلوا بين أولادكم } إيجاب لأن ينفق على كل واحد ما لا قوام له إلا به ، ومن تعدى هذا فلم يعدل بينهم .
وكذلك هذا القول منه عليه الصلاة والسلام إيجاب للتسوية بين الذكر والأنثى ، وليس هذا من المواريث في شيء ، ولكل نص حكمه ، وليس هذا الحكم في غير الأولاد ، إذا لم يأت النص إلا فيهم .
وأما ولد الولد : فلا خلاف فيهم ، وقد كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بنو بنين وبنو بنات فلم يوجب عليه الصلاة والسلام إعطاءهم ولا العدل فيهم .
وإذا
مات الولد بعد أن وهب هبة لا محاباة فيها فقد صارت لورثته وبطل أمر الأب
[ ص: 106 ] فيها ، وأما إن مات الوالد فالتعديل بينهم دين عليه ، فهو من رأس ماله - وبالله تعالى التوفيق .