[ ص: 149 ] الأحباس 1654 - مسألة : والتحبيس - وهو
الوقف - جائز في الأصول من الدور والأرضين بما فيها من الغراس والبناء إن كانت فيها ، وفي الأرحاء ، وفي المصاحف ، والدفاتر .
ويجوز أيضا في العبيد ، والسلاح ، والخيل ، في سبيل الله عز وجل في الجهاد فقط ، لا في غير ذلك - ولا يجوز في شيء غير ما ذكرنا أصلا ، ولا في بناء دون القاعة .
وجائز
للمرء أن يحبس على من أحب ، أو على نفسه ، ثم على من شاء - وخالفنا في هذا قوم - : فطائفة أبطلت الحبس مطلقا وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وطائفة قالت : لا حبس إلا في سلاح ، أو كراع ، روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس رضي الله عنهم
وطائفة أجازت
الحبس في كل شيء ، وفي الثياب ، والعبيد ، والحيوان ، والدراهم ، والدنانير - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
وأتى
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة بقول خالف فيه كل من تقدم والسنة والمعقول فقال : الحبس جائز في الصحة ، وفي المرض ، إلا أن للمحبس إبطاله متى شاء ، وبيعه وارتجاعه بنقض الحبس الذي عقد فيه ، ولا يجوز بعد الموت أيضا ، وهذا أشهر أقواله - وروي عنه : أنه لا يجوز إلا بعد الموت ، ثم اختلفوا عنه أيجوز للورثة إبطاله - وهذا هو الأشهر عنه - أم لا يجوز ؟ وهذا قول يكفي إيراده من فساده ; لأنه لم تأت به سنة ، ولا أيده قياس ، ولا يعرف عن أحد قبله ، وتفريق فاسد - فسقط جملة .
وأما القول المروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس : فإنه لم يصح عن أحد
[ ص: 150 ] منهم - : أما
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فرويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17097مطرف بن طريف عن رجل عن
nindex.php?page=showalam&ids=14939القاسم - هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود - عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه قال : لا حبس إلا في سلاح أو كراع - وهذه رواية ساقطة ; لأنها عن رجل لم يسم ; ولأن والد القاسم لا يحفظ عن أبيه كلمة ، وكان له إذ مات أبوه ست سنين فكيف ولده ؟ ولا نعرفها عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أصلا ، ولا عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، بل نقطع على أنها كذب على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ; لأن إيقافه ينبع ، وغيرها : أشهر من الشمس ، والكذب كثير ، ولعل من ذهب إلى هذا يتعلق بأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يجعل ما فضل عن قوته في السلاح والكراع .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فيقال : نعم ، وإن صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إيقاف غير الكراع ، والسلاح - : وجب القول به أيضا ، وقد صح ذلك ، فبطل أيضا هذا القول .
وأما من أبطل الحبس جملة : فإن
nindex.php?page=showalam&ids=13055عبد الملك بن حبيب روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي قال : ما من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وقد أوقف وحبس أرضا ، إلا
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف فإنه كان يكره الحبس - وهذه رواية أخباث فإنها زادت ما جاءت فيه ضعفا ولعله قبله كان أقوى .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ومن قلده : فإنهم احتجوا بأنهم قاسوا على ما جاء فيه النص ما لا نص فيه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : والقياس كله باطل ، فكيف والنص يبطله ; لأن إيقاف الشيء لغير مالك من الناس ، واشتراط المنع من أن يورث ، أو يباع ، أو يوهب : شروط ليست في كتاب الله عز وجل .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50968من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرط مائة مرة كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل } ، فصح أنه لا يجوز من هذه الشروط إلا ما نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جوازه فقط ، فكان ذلك في كتاب الله تعالى .
لقوله عز وجل : {
وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى }
ولقوله تعالى : {
لتحكم بين الناس بما أراك الله }
[ ص: 151 ] لا سيما الدنانير ، والدراهم ، وكل ما لا منفعة فيه ، إلا بإتلاف عينه ، أو إخراجها عن ملك إلى ملك ، فهذا هو نقض الوقف وإبطاله .
ويمكن أن يحتجوا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50969إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث أشياء : من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له } .
فهذا لا حجة لهم فيه ; لأن الصدقة الجارية لا شك في أنه عليه الصلاة والسلام لم يعن بها إلا ما أجازه من الصدقات ، لا كل ما يظنه المرء صدقة ، كمن
تصدق بمحرم ، أو
شرط في صدقته شرطا ليس في كتاب الله عز وجل .
فصح أن الصدقة الجارية ، الباقي أجرها بعد الموت - : إما صدقة مطلقة فيما تجوز الصدقة به مما صح ملك المتصدق به عليه ، ولم يشترط فيها شرطا مفسدا .
وإما صدقة موقوفة فيما يجوز الوقف فيه .
فصح أنه ليس في هذا الخبر حجة فيما يختلف فيه من الصدقات ، أيجوز أم لا ؟ كمن
تصدق بصدقة لم يجزها المتصدق عليه ، وكمن
تصدق في وصيته على وارث أو بأكثر من الثلث .
ولا بمحرم : كمن
تصدق بخمر ، أو خنزير .
وإنما فيه : أن
الصدقة الجائزة المتقبلة يبقى أجرها بعد الموت فقط .
فبطل هذا القول جملة لتعريه من الأدلة - وبالله تعالى التوفيق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : احتج من لم ير الحبس جملة : بما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر بن كدام عن
أبي عون - هو محمد بن عبيد الله الثقفي - قال : قال لي
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح : جاء
محمد بإطلاق - الحبس .
وبما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا وسئل فيمن مات وجعل داره حبسا فقال : لا حبس عن فرائض الله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : هذا منقطع ، بل الصحيح خلافه ، وهو أن
محمدا صلى الله عليه وآله وسلم جاء بإثبات الحبس نصا - على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى - فكيف ، وهذا
[ ص: 152 ] اللفظ يقتضي أنه قد كان الحبس ، وقد جاء
محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإبطاله - وهذا باطل يعلم بيقين ; لأن
العرب لم تعرف في جاهليتها الحبس الذي اختلفا فيه ، إنما هو اسم شريعي ، وشرع إسلامي : جاء به
محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء بالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، ولولاه عليه الصلاة والسلام ما عرفنا شيئا من هذه الشرائع ، ولا غيرها ، فبطل هذا الكلام جملة .
وأما قوله " لا حبس عن فرائض الله " فقول فاسد ; لأنهم لا يختلفون في جواز الهبة ، والصدقة في الحياة ، والوصية بعد الموت ، وكل هذه مسقطة لفرائض الورثة عما لو لم تكن فيه لورثوه على فرائض الله عز وجل ، فيجب بهذا القول إبطال كل هبة ، وكل وصية ; لأنها مانعة من فرائض الله تعالى بالمواريث .
فإن قالوا : هذه شرائع جاء بها النص ؟ قلنا : والحبس شريعة جاء بها النص ، ولولا ذلك لم يجز .
واحتجوا بما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي نا
روح بن الفرج نا
nindex.php?page=showalam&ids=17320يحيى بن بكير نا
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة عن أخيه
عيسى عن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50970لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا حبس بعد سورة النساء } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : هذا حديث موضوع ،
nindex.php?page=showalam&ids=16457وابن لهيعة لا خير فيه ، وأخوه مثله - وبيان وضعه : أن " سورة النساء " أو بعضها نزلت بعد
أحد - يعني آية المواريث - وحبس الصحابة بعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد
خيبر وبعد نزول المواريث في " سورة النساء " .
وهذا أمر متواتر جيلا بعد جيل .
ولو صح هذا الخبر لكان منسوخا باتصال الحبس بعلمه عليه الصلاة والسلام إلى أن مات .
وذكروا أيضا : ما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب نا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
عمرو بن دينار ،
ومحمد ،
وعبد الله ابني
أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، كلهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11949أبي بكر بن محمد قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50971إن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن حائطي هذا صدقة وهو إلى الله ورسوله ، فجاء أبواه فقالا : يا رسول الله ، كان قوام [ ص: 153 ] عيشنا فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ماتا فورثهما ابنهما }
زاد بعضهم " موقوفة " وهي زيادة غير صحيحة وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه - :
أولها - أنه منقطع ; لأن
أبا بكر لم يلق
nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد قط .
والثاني - أن فيه أنه قوام عيشهم ، وليس لأحد أن يتصدق بقوام عيشه ، بل هو مفسوخ إن فعله ، فهذا الخبر لو صح لكان حجة لنا عليهم وموافقا لقولنا ، ومخالفا لقولهم في إجازتهم الصدقة بما لا يبقى للمرء بعده غنى .
والثالث - أن لفظة " موقوفة " إنما انفرد بها من لا خير فيه .
وموهوا بأخبار نحو هذا ، ليس في شيء منها ذكر الوقف ، وإنما فيها " صدقة " وهذا لا ننكره .
وقال بعضهم : قد كان
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح لا يعرف الحبس - ولو كان صحيحا لم يجز أن يستقضي من لا يعرف مثل هذا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : لو استحيا قائل هذا لكان خيرا له ، وهلا قالوا هذا في كل ما خالفوا فيه
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا ، وأي نكرة في جهل
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح سنة وألف سنة ، والله لقد غاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود نسخ التطبيق ، ولقد غاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر ميراث الجدة ، ولقد غاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أخذ الجزية من
المجوس سنين ، وإجلاء الكفار من
جزيرة العرب إلى آخر عام من خلافته ، وبمثل هذا لو تتبع لبلغ أزيد من ألف سنة غابت عمن هو أجل من
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح .
ولو لم يستقض إلا من لا تخفى عليه سنة ، ولا تغيب عن ذكره ساعة من دهره حكم من أحكام القرآن - : ما استقصى أحد ، ولا قضى ولا أفتى : أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن من جهل عذر ومن علم غبط .
وقالوا : الصدقة بالثمرة التي هي الغرض من الحبس يجوز فيها البيع ، فذلك في الأصل أولى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : هذا قياس ، والقياس كله باطل ، ثم هو قياس فاسد ; لأن النص ورد بالفرق بينهما كما نذكر إن شاء الله تعالى من إيقاف الأصل وحبسه وتسبيل الثمرة ، فهذا اعتراض منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على غيره ، والقوم مخاذيل .
[ ص: 154 ] وقالوا : لما كانت الأحباس تخرج إلى غير مالك : بطل ذلك ، كمن
قال : أخرجت داري عن ملكي .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذه وساوس ; لأن الحبس ليس إخراجا إلى غير مالك ، بل إلى أجل المالكين - وهو الله تعالى - كعتق العبد ولا فرق .
ثم قد تناقضوا فأجازوا
تحبيس المسجد ، والمقبرة ، وإخراجهما إلى غير مالك ، وأجازوا الحبس بعد الموت في أشهر أقوالهم ، فبلحوا عند هذه فقالوا : المسجد إخراج إلى المصلين فيه .
فقلنا : كذبتم ; لأنهم لا يملكون بذلك ، وصلاتهم فيه كصلاتهم في طريقهم في فضاء متملك ولا فرق .
وقالوا : إنما خرجت عن ملكي إلى غير مالك ولا فرق ; لأن هذا القول نظير الحبس عندكم في الحياة ، فوجب أن يكون نظيره في الموت ولا فرق .
وقالوا : لما كانت الصدقات لا تجوز إلا حتى تحاز ، وكان الحبس لا مالك له : وجب أن يبطل .
فقلنا : هذا احتجاج للخطأ بالخطأ ، وقد أبطلنا قولكم : أن الصدقة لا تصح حتى تقبض ، وبينا أنه رأي من
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان رضي الله عنهما قد خالفهما غيرهما فيه ،
nindex.php?page=showalam&ids=10كابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي رضي الله عنهما ، فكيف والحبس خارج إلى قبض الله عز وجل له ، الذي هو وارث الأرض ومن عليها وكل شيء بيده وفي قبضته .
وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة
nindex.php?page=showalam&ids=86أبي طلحة لله تعالى دون أن يذكر متصدقا عليه ، ثم أمره عليه الصلاة والسلام أن يجعلها في أقاربه وبني عمه - وبالله تعالى التوفيق .
ومن عجائب الدنيا المخزية لهم : احتجاجهم في هذا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق الهدي في
الحديبية وقلدها ، وهذا يقتضي إيجابه له ، ثم صرفها عما أوجبها له وجعلها للإحصار ، ولذلك أبدلها عاما ثانيا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : أول ذلك كذبهم في قولهم ، وهذا يقتضي إيجابه له وما اقتضى
[ ص: 155 ] ذلك قط إيجابه ; لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينص على أنه صار التطوع بذلك واجبا ، بل أباح ركوب البدنة المقلدة .
ومن المحال أن تكون واجبة لوجه ما خارجة بذلك عن ماله باقية في ماله .
ثم كذبوا في قولهم : إنه عليه الصلاة والسلام أبدله من قابل .
فما صح هذا قط .
ومن المحال أن يبدل عليه الصلاة والسلام هديا وضعه في حق في واجب ثم أي شبه بين هدي تطوع ينحر عن واجب في الإحصار عن أصحابه ، وعن نفسه المقدسة في حبس .
أما يستحي من هذا مقدار علمه وعقله أن يتكلم في دين الله عز وجل .
ثم نقول لهم : أنتم تقولون : إن له أن يحبس ثم يفسخه ، وقستموه على الهدي المذكور ، فأخبرونا : هل له رجوع في الهدي بعد أن يوجبه فيبيعه هكذا بلا سبب أم لا ؟ فمن قولهم : لا ، فنقول لهم : فهذا خلاف قولكم في الحبس إذ أجزتم الرجوع فيه بلا سبب ، وظهر هوس قياسكم الفاسد البارد ، ويقال لهم : هلا قسمتموه على التدبير الذي لا يجوز فيه الرجوع عندكم ، أو هلا قستم قولكم في التدبير على قولكم في الحبس ، لكن أبى الله تعالى لكم إلا خلاف الحق في كلا الوجهين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وكل هذا فإنما من احتجاج من لا يرى الحبس جملة وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة فكل هذا خلاف له ; لأنه يجيز الحبس ، ثم يجيز نقضه المحبس ، ولورثته بعده ، ويجيز إمضاءه وهذا لا يعقل ، ونسوا احتجاجهم ب {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50972المسلم عند شرطه } و {
أوفوا بالعقود } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها فلنذكر البرهان على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته - : روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري نا
مسدد نا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع نا
ابن عون عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50973أصاب nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : أصبت أرضا لم أصب قط مالا أنفس منه فكيف تأمر به ؟ فقال : إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق بها [ ص: 156 ] nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : أنه لا يباع أصلها }
ولا تورث - : في الفقراء والقربى ، والرقاب ، وفي سبيل الله ، والضيف ، وابن السبيل ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ، أو يطعم صديقا غير متمول فيه " .
ومن طريق
أحمد بن شعيب نا
سعيد بن عبد الرحمن المكي نا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50974قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر للنبي صلى الله عليه وسلم إن المائة سهم التي بخيبر لم أصب مالا قط هو أعجب إلي منها ، وقد أردت أن أتصدق بها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم احبس أصلها وسبل ثمرتها } .
ورويناه أيضا : من طريق
حامد بن يحيى البلخي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مثله وفيه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50975احبس الأصل وسبل الثمرة } .
وحبس
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بئر رومة على المسلمين بعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينقل ذلك الخلف عن السلف ، جيلا بعد جيل ، وهي مشهورة
بالمدينة .
وكذلك صدقاته عليه السلام
بالمدينة مشهورة كذلك .
وقد تصدق
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في خلافته
بثمغ ، وهي على نحو ميل من
المدينة وتصدق بماله وكان يغل مائة وسق
بوادي القرى كل ذلك حبسا ، وقفا ، لا يباع ولا يشترى ، أسنده إلى
حفصة ، ثم إلى ذوي الرأي من أهله .
وحبس
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=55وطلحة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب ،
nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص : دورهم على بنيهم ، وضياعا موقوفة .
[ ص: 157 ] وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الصحابة جملة صدقاتهم
بالمدينة أشهر من الشمس ، لا يجهلها أحد .
وأوقف
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص " الوهط " على بنيه .
اختصرنا الأسانيد لاشتهار الأمر .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم نا
زهير بن حرب نا
علي بن حفص نا
ورقاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عن
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50976وأما nindex.php?page=showalam&ids=22خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله } في حديث .
ومن طريق
محمد بن بكر البصري نا
أبو داود نا
الحسن بن الصباح نا
nindex.php?page=showalam&ids=16087شبابة - هو ابن سوار - عن
ورقاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عن
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50977وأما nindex.php?page=showalam&ids=22خالد فقد احتبس أدراعه وأعبده في سبيل الله } في حديث .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : الأعتاد جمع عتد - وهو الفرس - قال القائل
راحوا بصائرهم على أكتافهم وبصيرتي تعدو بها عتد وأى
والأعبد جمع عبد ، وكلا اللفظين صحيح ، فلا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم نا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد نا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
عمرو بن دينار عن
nindex.php?page=showalam&ids=16870مالك بن أوس بن الحدثان عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50978إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفق على أهله قوت سنة وما بقي يجعله في الكراع والسلاح في سبيل الله عز وجل } .
الكراع : الخيل فقط .
والسلاح في لغة العرب : السيوف ، والرماح ، والقسي ، والنبل ، والدروع ، والجواشن ، وما يدافع به : كالطبرزين ، والدبوس ، والخنجر ، والسيف بحد واحد ، والدرق ، والتراس .
[ ص: 158 ] ولا يقع اسم السلاح على سرج ، ولا لجام ، ولا مهماز .
وكان عليه السلام يكتب إلى الولاة والأشراف إذا أسلموا بكتب فيها السنن والقرآن بلا شك ، فتلك الصحف لا يجوز تملكها لأحد ، لكنها للمسلمين كافة يتدارسونها موقوفة لذلك ، فهذا هو الذي يجوز فيه الحبس فقط ، وأما ما لم يأت فيه نص فلا يجوز تحبيسه لما ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق .
ومن عجائب الدنيا قول من لا يتقي الله تعالى : أن صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما جازت لأنه كان لا يورث وأن صدقات الصحابة رضي الله عنهم إنما جازت لأن الورثة لم يردوها ، وأن
يونس بن عبد الأعلى روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
زياد بن سعد عن
الزهري أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال : لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : أما قولهم إن صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جازت ; لأنه لا يورث - فقد كذبوا ; بل لأنه عليه الصلاة والسلام جعلها صدقة ، فلذلك صارت صدقة هكذا - : روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ نا
nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح نا
nindex.php?page=showalam&ids=17406يوسف بن عدي نا
nindex.php?page=showalam&ids=11820أبو الأحوص - هو سلام بن سليم - عن
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق السبيعي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث - هو أخو
nindex.php?page=showalam&ids=149جويرية أم المؤمنين - قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50979ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ، ولا درهما ، ولا عبدا ، ولا أمة ، إلا بغلته البيضاء ، وأرضا جعلها صدقة } .
وأما قوله : إنه عليه الصلاة والسلام لم يورث - فنعم ، وهذا لا يوجب الصدقة بأرضه ، بل تباع فيتصدق بالثمن - : فظهر فساد قولهم .
وأما قولهم : إنما جازت صدقات الصحابة رضي الله عنهم ; لأن الورثة أجازوها - فقد كذبوا ، ولقد ترك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ابنيه
زيدا وأخته صغيرين جدا ، وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي ، وغيرهم ، فلو كان الحبس غير جائز لما حل ترك أنصباء الصغار تمضي حبسا .
وأما الخبر الذي ذكروه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك - فمنكر وبلية من البلايا ، وكذب بلا شك ، ولا ندري من رواه عن
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس ولا هو معروف من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وهبك لو سمعناه من
الزهري [ ص: 159 ] لما وجب أن يتشاغل به ولقطعنا بأنه سمعه ممن لا خير فيه ،
كسليمان بن أرقم ، وضربائه .
ونحن نبت ونقطع بأن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه لم يندم على قبوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اختاره له في تحبيس أرضه وتسبيل ثمرتها والله تعالى يقول : {
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } .
وليت شعري إلى أي شيء كان يصرف
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر تلك الصدقة لو ترك ما أمره به عليه الصلاة والسلام فيها .
حاش
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر من هذا .
وزادوا طامة ، وهي أن شبهوا هذا بتندم
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص إذ لم يقبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم ثلاثة أيام من كل شهر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : ليت شعري أين ذهبت عقولهم ؟ وهل يندم
عبد الله إلا على ما يحق التندم عليه من تركه الأمر الذي أشار به عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول مرة ووقف عند المشورة الأخيرة - وهذا ضد ما نسبوا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر مما وضعه عليه من لا يسعد الله جده من رغبته عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جملة لا ندري إلى ماذا ؟ فوضح فساد قول هؤلاء المحرومين جملة - ولله الحمد .
وأما قولنا : جائز أن يسبل المرء على نفسه وعلى من شاء ، فلقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12967ابدأ بنفسك فتصدق عليها } .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50980تصدق بالثمرة } فصح بهذا جواز صدقته على نفسه ، وعلى من شاء - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، وغيره - وبالله تعالى التوفيق