1756 - مسألة : ومن
أوصى بأكثر من ثلث ماله ، ثم حدث له مال لم يجز من وصيته إلا مقدار ثلث ما كان له حين الوصية ; لأن ما زاد على ذلك عقده عقدا حراما لا يحل كما ذكرنا وما كان باطلا فلا يجوز أن يصح في ثان ، إذ لم يعقد ولا محال أكثر من عقد لم يصح حكمه إذ عقد ، ثم يصح حكمه إذ لم يعقد .
فلو
أوصى بثلثه فأقل ، ثم نقص ماله حتى لم يحتمل وصيته ، ثم زاد لم ينفذ من وصيته إلا مقدار ثلث ما رجع إليه من ماله ; لأن وصيته بما زاد على ثلث ما رجع إليه ماله قد بطلت ، وما بطل فلا سبيل إلى عودته دون أن تبتدئ إعادته بعقد آخر ، إذ قد بطل العقد الأول .
فلو
أوصى بأكثر من ثلث ماله عامدا وله مال لم يعلم به لم ينفذ إلا في مقدار ثلث ما علم فقط ; لأنه عقد ما زاد على ذلك عقد معصية ، فهو باطل .
فلو قال في كل ما ذكرنا : إن رزقني الله مالا فإني أوصي منه بكذا ، أو
قال أوصي إذا مات أن يخرج عنه ثلث ما يتخلف ، أو جزءا مشاعا أقل من الثلث - أو قال : فيخرج مما يتخلف كذا وكذا : فهذا جائز وتنفذ وصيته من كل ما كسبه قبل موته وبعد تلك الوصية ، بأي وجه كسبه ، أو بأي وجه صحيح ملكه ، بميراث أو غيره ، علم به أو لم يعلم ; لأنه عقد عقدا صحيحا فيما يتخلفه ، ولم يخص بوصيته ما يملك حين الوصية ، وقد عقد وصيته عقدا صحيحا لم يتعد فيه ما أمر الله عز وجل ، فهي وصية صحيحة كما ذكرنا .
فلو
أوصى بثلث ماله - وماله يحتمله - وله مال لم يعلم به ، ثم نقص ماله الذي علم أو لم ينقص ، فوصيته نافذة فيما علم وفيما لم يعلم ; لأنه عقدها عقدا صحيحا تاما
[ ص: 363 ] من حين عقده إلى حين مات ، ولا تدخل ديته إن قتل خطأ فيما تنفذ منه وصاياه ; لأنها لم تجب له قط ، ولا ملكها قط ، وإنما وجبت بعد موته لورثته فقط - وهو قول طائفة من السلف - : كما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15689الحجاج بن أرطاة ،
وزياد الأعلم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج : عن
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق السبيعي عن
الحارث عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، وقال
زياد الأعلم : عن
الحسن ، ثم اتفق
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ،
والحسن فيمن
أوصى بثلث ماله ، ثم قتل خطأ : أنه يدخل ثلث ديته في ثلثه ، وإن كان استفاد مالا ولم يكن شعر به : دخل ثلثه في وصيته - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي ،
والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، وأصحابه - وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ،
وإسحاق ، حاش الدية فلا تدخل وصيته فيها .
وقال آخرون : لا تدخل وصيته إلا فيما علم من ماله ، لا فيما لم يعلم به - روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=17134ومكحول ،
nindex.php?page=showalam&ids=17314ويحيى بن سعيد الأنصاري ،
nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك كذلك ، إلا فيما رجاه ولم يعلم قدره ، كربح مال ينتظره ، أو غلة لا يدري مبلغها ، فإن وصاياه تدخل فيها - وما نعلم هذا التقسيم عن أحد قبله ، ولا نعلم له حجة أصلا
وبرهان صحة قولنا : - قول الله تعالى في آية المواريث : {
من بعد وصية يوصي بها أو دين } فأوجب عز وجل الميراث في كل ما علم به من ماله أو لم يعلم ، وأوجب الوصية والدين مقدمين كذلك على المواريث ، فالمفرق بين ذلك مبطل بلا دليل ، وإنما يبطل من الوصية ما قصد به ما نهى الله تعالى عنه فقط ، وما نعلم لمخالفينا حجة أصلا - وقد خالفوا في ذلك صاحبا لا يعرف له من الصحابة مخالف .
فإن قالوا : إن الرواية في ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي لا تصح ; لأن فيها
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج ،
والحارث ؟ قلنا : والرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان لا تصح ; لأنها عن
عبد الحكم بن عبد الله - وهو ضعيف - ولا تصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ; لأنها عن
يزيد بن عياض - وهو مذكور بالكذب - ولا تصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول ; لأنها عن
مسلمة بن علي - وهو ضعيف - ولا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة ،
ويحيى بن سعيد ; لأنها عمن لم يسم - وبالله تعالى التوفيق .