[ ص: 472 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الشهادات 1789 - مسألة :
ولا يجوز أن يقبل في شيء من الشهادات من الرجال والنساء إلا عدل رضي .
والعدل : هو من لم تعرف له كبيرة ، ولا مجاهرة بصغيرة .
والكبيرة : هي ما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة ، أو ما جاء فيه الوعيد .
والصغيرة : ما لم يأت فيه وعيد .
برهان ذلك - : قول الله تعالى : {
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } .
وليس إلا فاسق أو غير فاسق ، فالفاسق : هو الذي يكون منه الفسق ، والكبائر كلها فسوق - فسقط قبول خبر الفاسق ، فلم يبق إلا العدل : وهو من ليس بفاسق .
وأما الصغائر : فإن الله عز وجل قال : {
إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } .
فصح : أن ما دون الكبائر مكفرة باجتناب الكبائر ، وما كفره الله تعالى وأسقطه فلا يحل لأحد أن يذم به صاحبه ولا أن يصفه به .
وكذلك من تاب من الكفر فما دونه فإنه إذا سقط عنه بالتوبة ما تاب عنه لم يجز لأحد أن يذمه بما سقط عنه ، ولا أن يصفه به .
وقد اختلف الناس في هذا - :
[ ص: 473 ]
فقالت طائفة : كل مسلم فهو عدل حتى يثبت عليه الفسق - : كما روينا من طريق
أبي عبيدة قال : نا
كثير بن هشام قال : نا
جعفر بن برقان قال : كتب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى : المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجربا عليه شهادة زور ، أو مجلودا في حد ، أو ظنينا في ولاء ، أو قرابة .
وحدثناه أيضا :
أحمد بن عمر بن أنس العذري قال : نا
nindex.php?page=showalam&ids=12002أبو ذر الهروي ،
وعبد الرحمن بن الحسن الفارسي قال : نا
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر : نا
الخليل بن أحمد القاضي السجستاني نا
nindex.php?page=showalam&ids=13298يحيى بن محمد بن صاعد نا
nindex.php?page=showalam&ids=17409يوسف بن موسى القطان نا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى نا
عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه : أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كتب إلى
أبي موسى فذكره كما هو - وقال
عبد الرحمن بن الحسن الفارسي : نا
nindex.php?page=showalam&ids=15072القاضي أحمد بن محمد الكرخي نا
محمد بن عبد الله العلاف نا
أحمد بن علي بن محمد الوراق نا
عبد الله بن أبي سعيد نا
nindex.php?page=showalam&ids=14771محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني نا
سفيان عن
إدريس بن يزيد الأودي عن
عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال : كتب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري ، فذكره كما أوردناه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : في هذه الرسالة ببعض هذه الأسانيد " وقس الأمور بعضها ببعض " وفي بعضها " واعرف الأشباه والأمثال " وعليها عول الحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون ، في الحكم بالقياس ، ثم لم يبالوا بخلافها في أن " المسلمين عدول بعضهم على بعض ، إلا مجربا عليه شهادة زور ، أو ظنينا في ولاء ، أو قرابة " .
فالمالكيون ، والشافعيون : مجاهرون بخلاف هذا ، والمسلمون عندهم على الرد حتى تصح العدالة .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : فالمسلمون عنده على العدالة حتى يطعن الخصم في الشاهد فإذا طعن فيه الخصم توقف في شهادته حتى تثبت له العدالة .
فهذا كله بخلاف قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فمرة قوله حجة ، ومرة قوله ليس بحجة ، وهذا كما ترى ، فإن قيل : قد رويتم من طريق
أبي عبيد نا
الأشجعي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال : العدل من المسلمين الذي لم تظهر منه ريبة .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : نا
الحكم بن نافع - هو أبو اليمان - نا
nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب - هو ابن أبي حمزة [ ص: 474 ] عن
الزهري نا
حميد بن عبد الرحمن بن عوف : أن
عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يقول : إن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم ، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه ، وليس لنا من سريرته شيء ، والله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه ، وإن قال : إن سريرته حسنة .
قلنا : هذا خبر صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، وكل ما ذكرنا عنه فمتفق على ما ذكرنا من أن كل مسلم فهو عدل ما لم يظهر منه شر ، وكذلك قول
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم ، وكذلك ما روي من أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قيل له : إن شهادة الزور قد فشت ؟ فقال : لا يوسر رجل في الإسلام بغير العدول : معناه على ظاهره : أن العدول هم المسلمون إلا من صحت عليه شهادة زور .
حدثنا بذلك
حمام عن
الباجي عن
عبد الله بن يونس نا
بقي بن مخلد نا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة نا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع نا
المسعودي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16337عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : ألا لا يوسر أحد في الإسلام بشهود الزور ، فإنا لا نقبل إلا العدول .
روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة : نا
ابن أبي زائدة عن
صالح بن حي عن
الشعبي قال : تجوز شهادة الرجل المسلم ما لم يصب حرا أو تعلم عليه خربة في دينه .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة نا
nindex.php?page=showalam&ids=16285عباد بن العوام عن
عوف عن
الحسن أنه كان يجيز شهادة من صلى إلا أن يأتي الخصم بما يجرحه به .
فإن قيل : قد رويتم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة نا
جرير عن
منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم لا يجوز في الطلاق شهادة ظنين ولا متهم .
قلنا : قد يمكن أن يكون خص الطلاق ، لقول الله تعالى فيه : {
إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } إلى قوله تعالى : {
وأشهدوا ذوي عدل منكم } فلم يجز في الطلاق بالنص إلا من عرف لا من يتهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : احتج من ذهب إلى أن المسلمين عدول حتى تصح الجرحة : بأنه قبل البلوغ بريء من كل جرحة ، فلما بلغ مسلما ، فالإسلام خير ، بل هو جامع لكل خير فقد صح منه الخير ، فهو عدل حتى يوقن منه بضد ذلك .
[ ص: 475 ]
فقلنا : إذا بلغ المسلم فقد صار في نصاب من يكتب له الخير ، ويكتب عليه الشر ، ولا يمكن أن يكون أحد سلم من ذنب .
قال تعالى : {
ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة } وقال تعالى : {
ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة } .
فصح : أنه لا أحد إلا وقد ظلم نفسه واكتسب إثما ، فإذ قد صح هذا ولا بد ، فلا بد من التوقف في خبره وشهادته حتى يعلم أين أحلته ذنوبه في جملة الفاسقين : فتسقط شهادته بنص كلام الله تعالى : {
إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } أم في جملة المغفور لهم ما أذنبوا ، وما ظلموا فيه أنفسهم ، وما كسبوا من إثم بالتوبة ، أو باجتناب الكبائر ، والتستر بالصغائر : بفضل الله تعالى علينا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : من سلم من الفواحش التي تجب فيها الحدود وما يشبه ما يجب فيه الحدود من العظائم ، وكان يؤدي الفرائض ، وأخلاق البر فيه أكثر من المعاصي : قبلنا شهادته ; لأنه لا يسلم عبد من ذنب .
وإن كانت المعاصي أكثر من أخلاق البر رددنا شهادته .
ولا نجيز
شهادة من يلعب بالشطرنج ويقامر عليها .
ولا من
يلعب بالحمام ويطيرها .
ولا
من يكثر الحلف بالكذب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : هذا كلام متناقض ; لأنه بناه على كثرة الخير وكثرة الشر - وهذا باطل ; لأنه من ثبت عليه زنى مرة فهو فاسق حتى يتوب .
ثم رد الشهادة باللعب بالحمام - وما ندري ذلك محرما ما لم يسرق حمام الناس .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا كان الأغلب والأظهر من أمره الطاعة والمروءة : قبلت شهادته ، وإذا كان الأغلب من أمره المعصية ، وخلاف المروءة : ردت شهادته .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : كان يجب أن يكتفي بذكر الطاعة والمعصية ، وأما ذكره المروءة هاهنا ففضول من القول وفساد في القضية ; لأنها إن كانت من الطاعة فالطاعة تغني
[ ص: 476 ] عنها ، وإن كانت ليست من الطاعة فلا يجوز اشتراطها في أمور الديانة ، إذ لم يأت بذلك نص قرآن ولا سنة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في رواية
محمد بن عبد الحكم عنه : من كان أكثر أمره الطاعة ولم يقدم على كبيرة فهو عدل - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15858أبي سليمان ، وأصحابنا ، وهو الحق كما بينا - وبالله تعالى التوفيق .