صفحة جزء
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبي أن علي بن أبي طالب وابن مسعود كانا يقولان : النفقة من جميع المال للحامل .

أنا محمد بن سعيد بن نبات أنا أحمد بن عبد الله بن عبد البصير أنا قاسم بن أصبغ أنا محمد بن عبد السلام الخشني أنا محمد بن المثنى أنا عبد الرحمن بن مهدي أنا سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت [ ص: 88 ] قال : سألت سالم بن عبد الله بن عمر عن الحامل المتوفى عنها ؟ فقال : قد كنا ننفق عليها حتى نبتم ما نبتم .

وبه إلى الخشني أنا محمد بن بشار أنا يحيى بن سعيد القطان حدثتني أم داود الوابشية قالت : توفي زوجي وأنا حبلى في ثلاثة أشهر فخاصمني أهله إلى شريح فعرض لي خمسة عشر درهما من جميع المال في كل شهر ، وقال : هذه لك حتى تلدي ، فإذا ولدت فإن أمسكته فلك مثلها .

ورويناه أيضا - من طريق وكيع عن أم داود المذكورة ، وزاد : حتى تعظمي .

ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم عن شريح قال : ينفق على الحامل المتوفى عنها من جميع المال .

ومن طريق وكيع عن شعبة عن قتادة ، وحماد بن أبي سليمان ، والمغيرة ، قال المغيرة : عن إبراهيم ، قالوا كلهم في الحامل المتوفى عنها : ينفق عليها من جميع المال .

ومن طريق حماد بن سلمة أنا قتادة عن أبي العالية ، وخلاس بن عمرو ، قالا جميعا في المتوفى عنها زوجها وهي حامل - : إن نفقتها من جميع المال .

ومن طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا سيار عن الشعبي في المتوفى عنها الحامل ، قال : ينفق عليها من جميع المال .

ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن ، وعطاء بن أبي رباح ، قالا جميعا في المتوفى عنها وهي حامل - : إن نفقتها من جميع المال .

وهو قول أيوب السختياني وابن أبي ليلى ، والحسن بن حي ، وأبي عبيد وأحد قولي سفيان ، وأحد قولي الشافعي .

وقال مالك : لا ينفق عليها من نصيبها ، ولا من نصيب ذي بطنها ، ولا من جميع المال حتى تضع ، ولا ينتصف الغرماء من ديونهم حتى تضع .

وقال الأوزاعي : إن كانت المتوفى عنها الحامل زوجة فلا نفقة لها على الورثة ، وإن كانت أم ولد فنفقتها من جميع المال حتى تضع .

[ ص: 89 ] وقال الليث ينفق على أم الولد الحامل إذا مات سيدها من جميع المال ، فإن ولدت جعل ما أنفق عليها من حصة ولدها ، وإن لم تلد قضي عليها برد ما أعطيت .

وقال أبو حنيفة : تخرج المتوفى عنها نهارا وترجع ليلا إلى منزلها وأما المطلقة المبتوتة فلا تخرج لا ليلا ولا نهارا .

قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة هنا فظاهر الفساد ، وتقسيم لا دليل على صحته - كذلك قول الأوزاعي ، وقول مالك .

وأظهرها فسادا قول مالك في منعه الغرماء .

ولا حظ للورثة إلا فيما بقي للغرماء فإن لم يبق للغرماء شيء فلا شيء للورثة فلأي معنى يمنعون حقهم الواجب ، وكذلك كل من له حق متيقن في الميراث فمنعه مما لا بد له من أن يقع في حصته ظلم متيقن ، لا يدرى من أين وقع لهم ؟ وقد أكثرنا مساءلتهم عن ذلك فما وجدنا لهم متعلقا ، إلا أنهم قالوا : لا بد من إثبات الموت ، وعدة الورثة ، ومن تقديم ناظر على المولود ؟ فقلنا لهم : هذا قول فاسد باطل ، بل من ذلك ألف بد - : أما الديون - فلا معنى لإثبات الموت أصلا ، بل يقضى لهم بحقوقهم حيا كان أو ميتا .

وأما الورثة - فلا معنى لإثبات عددهم فيما لا شك أنه يقع لكل واحد منهم .

وأما ما يقع له أو لا يقع ، لكثرة الورثة ، أو لقلتهم ، وبولادة ذكر أو أنثى ، فهذا يوقف ولا بد حتى يتيقن كيف يكون حكمه ؟ وأما من أوجب النفقة من جميع المال للمتوفى عنها ، أو للمبتوتة - : فخطأ لا خفاء به ; لأن مال الميت ليس له ، بل قد صار لغيره ، فلا يجوز أن ينفق على امرأته ، أو أم ولده من مال الغرماء ، أو من مال الورثة ، أو مما أوصى به لغيرهم - وهذا عين الظلم - والمبتوتة ليست له زوجة ، فهي والأجنبية سواء ، فأخذه بالنفقة عليها لا يجوز .

ونذكر إن شاء الله تعالى شغب من أوجب للمبتوتة السكنى ، والنفقة ، أو السكنى [ ص: 90 ] دون النفقة ، أو خص الحامل بذلك - ونبين بعون الله تعالى فساد كل ذلك - وبه عز وجل نتأيد .

أما قول من قال : لا نفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملا ؟ فإنهم احتجوا بقول الله تعالى : { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها } الآية .

قالوا : وهذا عموم لكل مطلقة حامل ؟ قال أبو محمد : هذا لا حجة لهم فيه ; لأنهم سكتوا عن أول الآية ، وهو قوله عز وجل : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فالتي أمر الله عز وجل بالنفقة عليها إن كانت حاملا هي التي أمر بإسكانها ولا فرق ، فمن أوجب النفقة دون السكنى فقد قال بلا دليل ، وبطل قوله ، ولم يبق إلا قولنا ، أو قول من أوجب لها السكنى ، والنفقة - إن كانت حاملا - وسنبين وجه الحق في ذلك إن شاء الله تعالى .

واحتجوا أيضا - بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : أرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة بنت قيس يسألها ؟ فأخبرته أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص المخزومي - فذكر الحديث - وأنه طلقها آخر ثلاث تطليقات ، إذ خرج إلى اليمن مع علي بن أبي طالب ، وأن عياش بن أبي ربيعة ، والحارث بن هشام ، قالا : والله ما لها نفقة إلا أن [ ص: 91 - 92 ] تكون حاملا ، قال : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا - واستأذنته في الانتقال ؟ فأذن لها } .

قال أبو محمد : هذه اللفظة { إلا أن تكوني حاملا } لم تأت إلا من هذه الطريق ولم يذكرها أحد ممن روى هذا الخبر عن فاطمة غير قبيصة - وعلة هذا الخبر : أنه منقطع لم يسمعه عبيد الله بن عبد الله - لا من قبيصة ولا من مروان - فلا ندري ممن سمعه ؟ ولا حجة في منقطع - ولو اتصل لسارعنا إلى القول به ، فبطل هذا - والحمد لله رب العالمين .

ثم نظرنا في قول من أوجب للمبتوتة السكنى دون النفقة - فوجدناهم يحتجون بالنص المذكور ، ولا حجة لهم فيه لمن تأمله ; لأن الله عز وجل ابتدأ قوله الصادق : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } إثر قوله تعالى في بيان العدد إذ [ ص: 93 ] يقول عز وجل : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } إلى قوله تعالى { من وجدكم } الآية .

كما أوردنا ونحن لا نختلف في أن هذه العدة للمبتوتة كما هي لغير المبتوتة ، ولا فرق ، فوجب ضرورة أن يكون قوله تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } أراد به تعالى جميع المطلقات من مبتوتة ورجعية ، أو أراد أحد القسمين ، هذا ما لا شك فيه .

فإن قلتم : إنه تعالى أراد كلا القسمين ؟ قلنا لكم : فيجب على هذا أن غير المبتوتة لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا ، كما قلتم في المبتوتة ولا بد ; لأن النص عندكم فيهما جميعا - وهذا خلاف قولكم - فبطل هذا القول .

فإن قالوا : أراد المبتوتات فقط ؟ قلنا : هذا خطأ من وجهين :

أولهما - أنه دعوى بلا برهان ، وتخصيص للقرآن بلا دليل ، وهذا لا يحل .

والوجه الثاني - : أن السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صحت في خبر فاطمة بنت قيس بأنه لا نفقة لها ولا سكنى .

ومعاذ الله أن يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف القرآن ، إلا أن يكون نسخا أو مضافا إلى ما في القرآن ، وليس هذا مضافا إلى ما في الآية .

ولا يحل أن يقال : هذا نسخ ، إلا بيقين لا بالدعوى - فبطل هذا القول .

فإن قالوا : أراد الله عز وجل الرجعيات فقط ؟ قلنا : صدقتم ، وهذا قولنا وبرهاننا على ذلك - : خبر فاطمة بنت قيس وأوجبنا النفقة على المطلقة طلاقا رجعيا - ليست بحامل - ; لأنها زوجته يرثها وترثه بلا خلاف .

[ ص: 94 ] وقد جاء النص بأن للزوجات النفقة ، والكسوة بنص قد ذكرناه قبل في ذكرنا " حكم النفقات " .

وأخذنا حكم إرضاع المبتوتة ، والمنفسخة النكاح ، والتي يلحق ولدها في نكاح فاسد من قوله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } الآيات كما هي على ما نذكر بعد هذا في بابه - إن شاء الله تعالى - .

فهذه براهين ضرورية قاطعة لا محيد عنها - ، وبالله تعالى التوفيق .

فسقط القول المذكور - والحمد لله رب العالمين .

وأما ما تعلقوا به عن الصحابة والتابعين - فإنما هم : عمر ، وابن مسعود ، وهم مخالفون لهما ; لأن الثابت عنهما أن للمبتوتة النفقة - وهم لا يقولون بذلك ، ومن الباطل : أن يحتجوا بهما في موضع ولا يرونهما حجة في آخر .

وابن عمر ، وعائشة أم المؤمنين - ، ومن التابعين : سعيد بن المسيب ونفر منهم ، قال بعضهم : لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا ، ولم يذكروا السكنى - وذكر بعضهم : السكنى دون النفقة .

فأما ابن عمر - فقد صح عنه : أن نفقة المتوفى عنها من جميع المال - وهم يخالفونه ، ومن الباطل : أن يكون حجة حيث اشتهوا ، غير حجة حيث لا يشتهون .

وأما أم المؤمنين - فقد خالفوها في إخراجها المتوفى عنها زوجها ، ومن الباطل : أن تكون حجة في موضع ، وغير حجة في آخر ، ولم يأت عنها أيضا أنها لا نفقة لها .

والرواية عن علي ساقطة ; لأنها من طريق إبراهيم بن أبي يحيى - وهو مذكور بالكذب - وهي منقطعة أيضا ، ثم لم يأت عنه : لا نفقة لها .

وأما سعيد بن المسيب فإنما جاء عنه إيجاب السكنى للمبتوتة ، ولم يأت عنه ، ولا عن عائشة ، ولا عن علي : أنه لا نفقة لها على الزوج - فحصل قولهم عاريا من البرهان : [ ص: 95 ] من قرآن ، أو سنة ، أو قول أحد الصحابة ، إلا ابن عمر وحده ، وما كان هكذا فلا شك في بطلانه وسقوطه - والحمد لله رب العالمين .

فلم يبق لنا إلا قولنا ، وقول من وجب للمبتوتة السكنى ، والنفقة ؟ فنظرنا في قولهم فلم نجد لهم شيئا يشغبون به إلا الاعتراض في خبر فاطمة بنت قيس وبنوا أنهم إن سقط ذلك الخبر كانت الآيات المذكورات محمولات على كل مطلقة مبتوتة ، أو غير مبتوتة .

قال أبو محمد : فاعترضوا في ذلك الخبر بما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب عن عروة بن الزبير : أن عائشة أم المؤمنين أنكرت ذلك على فاطمة بنت قيس - نعني انتقال المطلقة ثلاثا .

ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم فانتقلها عبد الرحمن فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم - وهو أمير المدينة - : اتق الله واردد المرأة إلى بيتها ؟ فقال مروان : أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس ؟ فقالت عائشة : لا يضرك أن لا نذكر حديث فاطمة .

ومن طريق البخاري أنا محمد أنا غندر أنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : ما لفاطمة ؟ لا تتقي الله - تعني في قولها : لا سكنى ، ولا نفقة - . ومن طريق البخاري أنا عمرو بن عباس أنا ابن مهدي أنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه أن عروة قال لعائشة أم المؤمنين : ألم تسمعي في قول فاطمة ؟ فقالت : أما إنه ليس لها خبر في ذكر هذا الحديث .

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي أنا نصر بن علي أنا أبي عن هارون عن محمد بن إسحاق ، قال : أحسبه عن محمد بن إبراهيم أن عائشة قالت لفاطمة بنت قيس : إنما أخرجك هذا - تعني اللسان .

قال أبو محمد : أما هذا الخبر فساقط ، لا وجه للاشتغال به ; لأنه مشكوك في إسناده كما أوردنا - ثم منقطع أيضا لم يسمع محمد بن إبراهيم عائشة أم المؤمنين قط ، [ ص: 96 ] فلا يرد الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا إلا مظلم الجهل ، أو رقيق الدين - ونعوذ بالله من كليهما .

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق أنا أبو ثابت المديني أنا ابن وهب أنا ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال : عابت ذلك عائشة أشد العيب ، وقالت : إن فاطمة كانت في مكان وحش ، فخيف على ناحيتها ، فلذلك أرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم .

قال أبو محمد : وهذا باطل ; لأنه من رواية ابن أبي الزناد - وهو ضعيف - أول من ضعفه جدا : مالك بن أنس .

ومن تأمل هذا الخبر والذي قبله علم أنهما متكاذبان ; لأنها إن كان إخراجها من أجل لسانها ، كما في ذلك الخبر فقد بطل هذا الذي فيه " أنها كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم .

إذ لا شك أنها إذا كانت بين قوم تؤذيهم بلسانها فليست في مكان وحش ، أو إذا كانت في مكان وحش يخاف عليها فيه ، فلا شك أنه ليس هنالك قوم تؤذيهم بلسانها فتخرج لذلك - ويأبى الله إلا فضيحة الكاذبين .

فهذا ما تعلقوا به عن عائشة أم المؤمنين ، وذكروا : ما ناه حمام بن أحمد أنا عباس بن أصبغ أنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا مطلب أنا أبو صالح - هو عبد الله بن صالح - كاتب الليث حدثني الليث بن سعد حدثني جعفر عن ابن هرمز عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : كان محمد بن أسامة بن زيد يقول كان أسامة إذا ذكرت فاطمة شيئا من ذلك - يعني من انتقالها في عدتها - رماها بما في يده ؟ .

قال أبو محمد : وهذا ساقط ; لأن راويه عبد الله بن صالح كاتب الليث - وهو [ ص: 97 ] ضعيف جدا - ثم لو صح لما كان إلا إنكار أسامة لذلك كإنكار عائشة ، وعمر رضي الله عنهما .

وسيأتي الكلام في إبطال الاحتجاج بذلك إن شاء الله تعالى إذا تقصينا كل ما موهوا به - ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو معاوية أنا الأعمش عن إبراهيم قال : كان عمر بن الخطاب إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرها أن تعتد في غير بيت زوجها ؟ قال : ما كنا نعتد في ديننا بشهادة امرأة .

قال أبو محمد : هذا باطل لا شك ; لأنه منقطع ، ولم يولد إبراهيم إلا بعد موت عمر بسنين ، وما أخذ إبراهيم هذا إلا عمن لا خير فيه بلا شك .

والعجب كله من قبيح مجاهرة من يحتج بهذا من الحنفيين ، والمالكيين والشافعيين ، وهم أول مبطل لما فيه منسوب إلى عمر من أن لا نعتد - في ديننا - بشهادة امرأة ، وهم لا يختلفون في أن السنن تؤخذ عن المرأة كما تؤخذ عن الرجل .

ألا يستحي من الاحتجاج بهذا عن عمر من يجيز شهادة القابلة وحدها في الرضاع ، والولادة ، وعيوب النساء والمرأة الواحدة الحرة أو الأمة في هلال رمضان أترون كل هذا ليس من الدين .

[ ص: 98 ] ومن خالف القرآن جهارا في قول الله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } .

وقوله تعالى : { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } محرم ذلك برواية امرأة مجهولة لا يدري أحد من هي امرأة أبي إسحاق عن أم محبة - أم ولد زيد بن أرقم - .

ومن أباح منزلة الورثة من غير حق وخالف السنة الثابتة في أن أموال الناس محرمة إلا بإذنهم برواية امرأة مجهولة لا تعرف [ من هي ] وهي زينب بنت كعب فأوجبوا السكنى بروايتها للمتوفى عنها ، ولم يلتفتوا حينئذ إلى عمل عائشة أم المؤمنين ، أليس هذا عجبا ؟ فإن قالوا : قد اتصل من بين إبراهيم ، وعمر في هذا الحديث كما حدثكم أحمد بن قاسم قال : أنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم أنا جدي قاسم بن أصبغ أنا محمد بن شاذان أنا المعلى بن منصور أنا أبو يوسف القاضي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر أنه قال : لا يجوز في دين المسلمين قول امرأة ؟ قلنا : الآن زاد وهي هذا الإسناد ، وقد علمتم محل أبي يوسف عند الذين شاهدوه وعرفوه من أئمة المسلمين ، وعلماء الحديث ، كابن المبارك ، وعبد الله بن إدريس ، وأبي نعيم الفضل بن دكين ، ووكيع بن الجراح ، ويزيد بن هارون ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم .

وقد روي هذا الخبر عن الأعمش الثقة حفص بن غياث بهذا الإسناد ، فلم يذكر فيه هذه الفضيحة التي إنما هي مذهب الخوارج والمعتزلة .

ثم لا عليكم إن كنتم تحتجون بهذا الكلام وتصححونه عن عمر ، فخذوا به ; [ ص: 99 ] لأنكم أول مخالف له ، وإن عصيتموه واطرحتموه ، وأن تجيزوا القول به ، فبأي وجه استحللتم الاحتجاج به ؟ لقد كان ينبغي للحياء ، والدين ، وخوف العار ، والنار ، أن يمنع كل ذلك من مثل هذا ، ولكن من يضلل الله فلا هادي له .

وذكروا - ما روينا من طريق مسلم أنا محمد بن عمرو بن جبلة أنا أبو أحمد - هو الزبيري - أنا عمار بن زريق عن أبي إسحاق قال : كنت مع الأسود بن يزيد في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يجعل لها سكنى ، ولا نفقة } ، ثم أخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به ، فقال : ويلك تحدث بمثل هذا ؟ قال عمر : لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري هل حفظت أم نسيت : لها السكنى ، والنفقة ، قال الله عز وجل : { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } .

قال مسلم : ونا أحمد بن عبدة أنا أبو داود أنا سليمان بن معاذ عن أبي إسحاق بهذا الإسناد نحو حديث أبي أحمد عن عمار بن زريق .

ومن طريق أبي داود السجستاني أنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد - هو الزبيري - [ ص: 100 ] أنا عمار بن زريق عن أبي إسحاق السبيعي قال : كنت في المسجد الجامع مع الأسود بن يزيد فذكر : أن فاطمة بنت قيس أتت عمر فقال عمر : ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة : لا ندري أحفظت أم نسيت ؟ ومن طريق أحمد بن شعيب أنا أبو بكر بن إسحاق أنا أبو الجواب الأحوص بن جواب أنا عمار - هو ابن زريق - عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس فذكر الحديث ، فحصبه الأسود وقال : ويحك لم تفتي بمثل هذا ؟ قال عمر لها : إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة : { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } .

قلنا : هذا كله صحيح - : فأما قول عمر : ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت فإن هذا يجمع ثلاثة معان - : أما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بيد فاطمة بنت قيس ونحن نشهد بشهادة الله تعالى قطعا أنه لم يكن عند عمر في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير عموم سكنى المطلقات فقط .

ولا يحل لمسلم أن يظن بعمر رضي الله عنه في ذلك حكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بينة للناس ، ويأتي به لما في هذا من عظيم الوعيد في القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية