2086 - مسألة :
مقتول كان في أوليائه غائب ، أو صغير ، أو مجنون ؟ اختلف الناس في هذا : فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : إذا كان للمقتول بنون وفيهم واحد كبير وغيرهم صغار : إن للواحد الكبير أن يقتل ، ولا ينتظر بلوغ الصغار .
[ ص: 129 ]
قال : فإن كان فيهم غائب لم يكن للحاضرين أن يقتلوا حتى يقدم الغائب - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد - وبه يقول
nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك مثل ذلك ، سواء سواء - وزاد أن المقتول إذا كان له ولد صغير ، وأخ كبير ، أو أخت كبيرة ، فللأخ ، أو للأخت أن يقتلا قودا ، ولا ينتظر بلوغ الصغير ، وكذلك للعصبة أيضا - وهو قول
الأوزاعي .
ورأى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : للعصبة - إذ كان الولد صغيرا - أن يصالحوا على الدية ، وينفذ حكمهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى ،
nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي ،
وأبو يوسف ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : لا يستقيد الكبير من البنين حتى يبلغ الصغير - وروي هذا القول عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : والظاهر من قولهم : أن المجنون كالصغير ، فلما اختلفوا - كما ذكرنا - وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لنعلم الحق فنتبعه : فنظرنا في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة فوجدناه ظاهر التناقض إذ فرق بين الغائب والصغير ، ووجدنا حجتهم في هذا : أن الغائب لا يولى عليه ، والصغير يولى عليه .
قالوا : وكما كان أحد الوليين يزوج إذا كان هنالك صغير من الأولياء ، فكذلك يقتل - وقالوا : قد قتل
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي - رضي الله عنهما -
عبد الرحمن بن ملجم قاتل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=8ولعلي بنون صغار وهم بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - دون مخالف يعرف له منهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : أما احتجاجهم بفعل
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي فهو لازم للشافعيين ، ولمن وافق من الحنفيين :
أبا يوسف ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن ، لأنهم مثل هذا إذا وافق تقليدهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فلئن كان مثل هذا إجماعا فلقد شهد الحنفيون على شيخهم بخلاف الإجماع ، فإن كفروهما بهذا ، أو بدعوهما فما يحل لهم أخذ ديتهم عن كافر ،
[ ص: 130 ] ولا عن مبتدع - وإن عذروهما في ذلك - فلنا من العذر ما
ليعقوب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد - وقد بطل تشنيعهم في الأبد بمثل هذا ، وهذا واضح . ولله الحمد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فكان من اعتراض الشافعيين أن قالوا : إن
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي - رضي الله عنهما - كان إماما فنظر في ذلك بحق الإمامة ، أو قتله بالمحاربة لا قودا - وهذا ليس بشيء ، لأن
عبد الرحمن بن ملجم لم يحارب ، ولا أخاف السبيل .
وليس للإمام - عند الشافعيين - ولا للوصي ، أن يأخذ القود لصغير حتى يبلغ - فبطل تشنيعهم إلا أن هذه القصة عائدة على الحنفيين بمثل ما شغبوا به على الشافعيين سواء سواء ، لأنهم والمالكيون لا يختلفون في أن من قتل آخر على تأويل فلا قود في ذلك .
ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن
عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا - رضي الله عنه - إلا متأولا مجتهدا مقدرا أنه على صواب .
وفي ذلك يقول
nindex.php?page=showalam&ids=16689عمران بن حطان شاعر
الصفرية : يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حينا فأحسبه
أوفى البرية عند الله ميزانا
أي لا أفكر فيه ثم أحسبه - فقد حصل الحنفيون من خلاف
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي على مثل ما شغبوا به على الشافعيين ، وما ينقلون أبدا من رجوع سهامهم عليهم ، ومن الوقوع فيما حفروه .
فظهر تناقض الحنفيين ، والمالكيين في الفرق بين الغائب والصغير .
وأما قولهم : إن الصغير يولى عليه ، والغائب لا يولى عليه ، فلا شبهة [ لهم ] في هذا ، لأن الغائب يوكل له أيضا كما يولى على الصغير .
[ ص: 131 ] وأيضا - فإن الوصي عندهم لا يقتص للصغير - فبطل تمويههم جملة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : والذي نقول به قد قدمنا في الباب الذي قبل هذا أن القول قول من دعا إلى القود فللكبير ، وللحاضر العاقل : أن يقتل ولا يستأني بلوغ الصغير ، ولا إفاقة المجنون ، ولا قدوم الغائب فإن عفا الحاضرون البالغون لم يجز ذلك على الصغير ، ولا على الغائب ، ولا على المجنون ، بل هم على حقهم في القود حتى يبلغ الصغير ، ويفيق المجنون ، فإذا كان ذلك فإن طلب أحدهم القود ؟ قضي له به ، وإن اتفقوا كلهم على العفو جاز ذلك حينئذ ، لما ذكرنا في الباب الذي قبل هذا - وبالله تعالى التوفيق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : فإن مات الصغير أو الغائب أو المجنون كان حينئذ رجوع الأمر إلى من بقي من الورثة ، ولا يلزم من عفا - فلم ينفذ عفوه - ذلك العفو الذي قد بطل ، بل له الرجوع فيه ، لأنه لا حكم له في نص ، ولا إجماع ، وإنما العفو اللازم عفو صح بإمضائه نص ، أو إجماع فقط ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36820من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .
ومن عفا دون سائر " الأهل " فقد عمل عملا ليس عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو رد .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : ومن مات من " الأهل " لم يورث عنه الخيار ، لأن الخيار للأهل بنص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن كان من الأهل فله الخيار ، ومن لم يكن من الأهل فلا خيار له أصلا ، إذ لم يوجب ذلك نص ، ولا إجماع ، والخيار ليس مالا فيورث ، وإنما جعل الله الميراث فيما ترك الموروث والخيار ليس مالا موروثا .
ولو كان الخيار مالا موروثا لوجب فيه حق أهل الوصية بالثلث فدونه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فإن كان الوارث صغيرا ، أو مجنونا ، أو غائبا - ولا وارث هنالك غيره - : فقد وجب القود بلا شك ، ولا تجب الدية ، ولا المفاداة ، إلا برضا الوارث ، أو بتراض منه ، ومن القاتل .
وقد علمنا أن الصغير ، والأحمق ، لا رضا لهما ، والقود حق قد وجب لهما
[ ص: 132 ] بيقين ، فأخذه واجب على كل حال ، يأخذه لهما الولي أو السلطان ، وهكذا الغائب ، ولا فرق بين أخذ حظهم في القود ، وأخذ حظهم في الأموال والعفو جائز والإبراء للغائب في كلا الأمرين جوازا واحدا ، إذ كل ذلك حق له تركه ، وكذلك القول في الصغير ، والمجنون سواء سواء ، وليس هذا قياسا - ومعاذ الله من ذلك - لكنه حكم واحد في حقين وجبا وجوبا واحدا ، ووجب لمن يجوز أمره العفو عنهما سواء سواء ، وليس أحدهما أصلا والثاني فرعا ، بل هما أصلان معا ، ولا أحدهما منصوصا عليه والآخر غير منصوص عليه ، بل كلاهما منصوص عليه ، لوجوب الانتصاف من القود ومن المال - وبالله التوفيق .