صفحة جزء
. 2171 - مسألة : هل تسقط الحدود بالتوبة أم لا ؟ [ ص: 15 ] قال أبو محمد رحمه الله : قال قوم : إن الحدود كلها تسقط بالتوبة - وهذه رواية رواها أبو عبد الرحمن الأشعري عن الشافعي ، قالها بالعراق ورجع عنها بمصر - واحتج أهل هذه المقالة : بما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم عن أبيه : { أن ماعز بن مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقم علي كتاب الله ؟ فأعرض عنه أربع مرات ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمه ، فلما مسته الحجارة خرج يشتد ، وخرج عبد الله بن أنس من نادي قومه بوظيف حمار ، فضربه فصرعه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بأمره فقال ألا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه ؟ يا هذا لو سترته بثوبك كان خيرا لك } .

حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عمرو بن حماد بن طلحة عن أسباط بن نصر عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه : { أن امرأة وقع عليها رجل في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد عن كره نفسها ، فاستغاثت برجل مر عليها وفر صاحبها ، ثم مر عليها قوم ذوو عدد ، فاستغاثت بهم ، فأدركوا الذي استغاثت به ، وسبقهم الآخر ، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته : أنه وقع عليها ، وأخبره القوم : أنهم أدركوه يشتد ، فقال : إنما كنت أغثتها على صاحبها فأدركني هؤلاء فأخذوني ، قالت : كذب ، هو الذي وقع علي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه فقام رجل من الناس فقال : لا ترجموه وارجموني أنا الذي فعلت بها الفعل ، فاعترف ، فاجتمع ثلاثة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وقع عليها ، والذي أغاثها ، والمرأة ، فقال أما أنت فقد غفر الله لك ، وقال للذي أغاثها قولا حسنا فقال له عمر : أرجم الذي اعترف بالزنى ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ، إنه قد تاب إلى الله تعالى زاد ابن عمر في روايته لو تابها أهل مدينة يثرب لقبل منهم } .

نا أبو عمر أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا الحارث بن أبي أسامة نا أبو النضر نا أبو معاوية عن ليث بن أبي سليم عن [ ص: 16 ] أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبي مليح بن أسامة الهذلي عن { واثلة بن الأسقع قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، إني أصبت حدا من حدود الله تعالى ، فأعرض عنه ، ثم أتاه الثانية فأعرض عنه ثم قالها الثالثة فأعرض عنه ، ثم أقيمت الصلاة ، فلما قضى الصلاة أتى الرابعة ، فقال : أصبت حدا من حدود الله فأقم في حد الله قال : ألم تحسن الطهور - أو الوضوء - ثم شهدت الصلاة معنا آنفا ؟ اذهب فهي كفارتك } .

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا زيد بن الحباب عن عكرمة بن عمار نا شداد بن عبد الله عن { الباهلي قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال له رجل : إني أصبت حدا فأقم علي وأقيمت الصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم خرج - ومعه الرجل - وتبعته ، فقال : يا رسول الله أقم علي حدي فإني أصبته ، فقال : أليس حين خرجت من منزلك توضأت فأحسنت الوضوء وشهدت معنا الصلاة ؟ قال : نعم ، قال : فإن الله قد غفر لك ذنبك - أو حدك } .

قال أبو محمد رحمه الله : وقد روينا هذا الخبر - وفيه " إني زنيت " كما ثنا المهلب بن أبي صفرة الأسدي التميمي ثنا عبد الله بن إبراهيم الأصيلي نا محمد بن أحمد الصواف نا أحمد بن هارون بن روح البرذنجي نا محمد بن عبد الملك الواسطي نا عمرو بن عاصم عن همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني زنيت فأقم علي الحد ، ثم أقيمت الصلاة ، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد كفر عنك بصلاتك } .

قال أبو محمد رحمه الله وقالوا : قد قال الله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا } الآية إلى قوله : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم }

قالوا : فصح النص من القرآن وصح الإجماع بأن حد المحاربة تسقطه التوبة قبل القدرة عليهم ، فوجب أن تكون جميع الحدود من : الزنى ، والسرقة ، والقذف ، وشرب الخمر كذلك ، لأنها كلها حدود وقعت التوبة قبل القدرة على أهلها . [ ص: 17 ]

قال أبو محمد رحمه الله : هذا كل ما يمكن أن يحتج به أهل هذه المقالة ، وذهب آخرون إلى أن التوبة لا تسقط الحدود .

واحتجوا : بما ناه حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر - هو ابن حماد - نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن هشام الدستوائي نا يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب أن عمران بن الحصين حدثه { أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم حبلى من الزنا فقالت : إني أصبت حدا فأقمه علي ، فدعا وليها فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها ، فقال عمر : تصلي عليها وقد زنت ؟ فقال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، هل وجدت شيئا هو أفضل من أن جادت بنفسها ؟ } .

ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى حدثني عبد الأعلى نا داود بن أبي نضرة { عن أبي سعيد الخدري أن رجلا من أسلم يقال له : ماعز بن مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أصبت فاحشة فأقمه علي فرده النبي صلى الله عليه وسلم مرارا ثم سأل قومه ؟ فقالوا : ما نعلم به بأسا - فذكر باقي الحديث وفيه - فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرجمه ، فكان الناس فيه فرقتين : قائل يقول : هلك ، لقد أحاطت به خطيئته ، وقائل يقول : ما توبة أفضل من توبة ماعز ، إنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده فقال : اقتلني بالحجارة ، قال : فلبثوا بذلك يومين - أو ثلاثة - ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم ثم جلس فقال استغفروا لماعز بن مالك ؟ فقالوا : غفر الله لماعز بن مالك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم } .

ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا بشير بن المهاجر نا عبد الله بن بريدة عن أبيه { أن ماعز بن مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني [ ص: 18 ] قد ظلمت نفسي وزنيت وإني أريد أن تطهرني ، فرده - فذكر الحديث وفيه - فجاءت الغامدية فقالت : يا رسول الله ، إني قد زنيت فطهرني ، وأنه ردها ، فلما كان الغد قالت : يا رسول الله لم تردني كما رددت ماعزا ؟ فوالله إني لحبلى ، قال أما الآن فاذهبي وذكر باقي الخبر - فلما فطمته أتته بالصبي - وفي يده كسرة خبز - فقالت : هذا يا نبي الله قد فطمته ، وقد أكل الطعام ، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر إلى صدرها وأمر الناس فرجموها - فأقبل خالد بن الوليد فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد ، فسبها ، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها ، فقال : مهلا يا خالد ، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ، ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت } .

قالوا : فهذا ماعز قد صحت توبته قبل الرجم بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وبأنها مقبولة - وهذه الغامدية ، والجهينية رضي الله عنهما - قد تابتا أتم توبة وأصحها ، مقبولة من الله تعالى بإخبار النبي عليه السلام ولم تسقط هذه التوبة عنهم الحد .

قالوا : وكذلك أيضا { حد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين قذفوا عائشة - رضي الله عنها ؟ } قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا في ذلك - كما ذكرنا - وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق من ذلك [ فنتبعه ] بعون الله تعالى ومنه : فنظرنا في الحديث الذي احتج به من رأى الحدود ساقطة بالتوبة .

فنظرنا في ذلك ، فوجدناه مرسلا ، فسقط التعلق به .

ثم نظرنا في حديث علقمة بن وائل ، فوجدناه لا يصح ، لأنه من طريق سماك بن حرب وهو يقبل التلقين ، شهد بذلك شعبة ، وغيره ، فسقط .

ثم نظرنا في حديث واثلة بن الأسقع ، فوجدنا الأول من طريق فيها ليث بن أبي سليم ، وليس بالقوي .

وأما حديث الباهلي ، فوجدناه من طريق عكرمة بن عمار ، وهو ضعيف جدا . [ ص: 19 ]

فإن قيل : وقد رويتموه بأن فيه زينب ؟ قلنا : نعم ، وفيه من لا يعرف رجاله ، ثم أنه لو ثبت دون علة لما كانت فيه حجة ، لأن فيه وجوها تمنع من استعماله : أحدها - أن ممكنا أن يكون هذا قبل نزول حد الزنى ثم نزل حد الزنى فكان الحكم لإيجاب الحد .

فإن قيل : وممكن أيضا أن يكون بعد نزول حد الزنى ثم نزل حد الزنى فكان الحكم له ويكون ناسخا لما في حديث ماعز ، والغامدية والجهينية ؟ قلنا : إن الواجب إذا تعارضت الأخبار أن يؤخذ بالزائد والزائد : هو الذي جاء بحكم لم يكن واجبا في معهود الأصل ، وكان معهود الأصل بلا شك : أن لا حد على أحد - تائبا كان أو غير تائب - فجاء النص : بإيجاب الحدود جملة ، وكانت هذه النصوص زائدة على معهود الأصل ، وجاء حديث ماعز ، والغامدية ، والجهينية ، فكان ما فيها من إيجاب الحد على التائب زائدا على ما في الخبر الذي فيه إسقاط الحد عن التائب - هذا لو كان في حديثهم أن الحد سقط عنه بالتوبة ، فكيف وليس هذا فيه ؟ وإنما فيه إسقاط الحد بصلاته فقط ، وهذا ما لا يقولونه [ بل هم يخالفون لهذا الحكم ] فبطل تعلقهم بهذا الخبر ، وبتلك الأخبار جملة - وبالله تعالى التوفيق .

فإن قالوا : هبكم أن حد الزنى قد وجدتم فيه ، وفي حد القذف : إقامة الحد على من تاب ، فمن أين لم تسقطوا حد السرقة ، وحد الخمر بالتوبة ؟ ولا نص معكم في إقامتها على التائب منها ؟ قلنا : إن النص قد ورد جملة بإقامة الحدود في السرقة ، والخمر ، والزنى ، والقذف ، ولم يستثن الله تعالى تائبا من غير تائب ، ولم يصح نص أصلا بإسقاط الحد عن التائب ، فإذا الأمر كذلك فلا يحل أن يخص التائب من عموم أمر الله تعالى بإقامة الحدود بالرأي ، والقياس دون نص ولا إجماع ، فهذه عمدتنا في إقامة الحدود على التائب وغير التائب .

وإنما حديث ماعز ، والغامدية ، والجهينية : مؤيد لقولنا في ذلك فقط ، ولو لم [ ص: 20 ] يأت ما احتجنا إليها مع الأوامر الواردة بإقامة الحدود ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم { من بدل دينه فاقتلوه } .

وقوله عليه السلام { البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم } .

ومع قوله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } .

ومع قوله تعالى { فاجلدوهم ثمانين جلدة } .

ومع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا شرب الخمر فاجلدوه } الحديث . [ ص: 21 ] فلم يخص عليه السلام شيئا من شيء مما أمر بإقامة الحد عليه تائبا من غيره { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } { وما كان ربك نسيا } .

ثم نظرنا أيضا في احتجاجهم على هؤلاء المذكورين بأنهم قد أجمعوا على أن التوبة تسقط عذاب الآخرة - وهو العذاب الأكبر - فإذا أسقطت العذاب الأكبر فأحرى وأوجب أن تسقط العذاب الأقل ، الذي هو الحد في الدنيا فوجدنا هذا كله لازما لكل من ذكرنا ، لأنهم أصحاب قياس - بزعمهم - ولو صح قياس يوما ما من الدهر لكانت هذه المقاييس أصح قياس في العالم .

وأين هذا من قياسهم الفاسد : الحديد على الذهب في الربا ، وغزل القطن على الذهب والفضة في الربا ، وقياسهم فرج الزوجة على يد السارق ، وسائر قياساتهم الفاسدة التي لا تعقل .

وأما نحن فلا يلزمنا هذا ، لأن القياس كله باطل لا يحل القول بشيء منه في دين الله تعالى - والحمد لله رب العالمين .

وعذاب الآخرة غير عذاب الدنيا ، وليس إذا سقط أحدهما وجب أن يسقط الآخر ، إذ لم يوجب ذلك نص قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع .

وكثير من المعاصي ليس فيها في الدنيا حد ، كالغصب - ومن قال لآخر : يا كافر - وكأكل لحم الخنزير ، وعقوق الوالدين ، وغير ذلك - وليس ذلك بموجب أن يكون فيها في الآخرة عقاب ، بل فيها أعظم العقاب في الآخرة . [ ص: 22 ]

فصح أن أحكام الدنيا غير متعلقة بأحكام الآخرة - وبالله تعالى التوفيق .

وقد احتجوا بقول الله تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } إلى قوله تعالى : { غفور رحيم } فوجدناهم لا حجة لهم في هذه الآية : لأن الله تعالى لم يسقط الحد بالتوبة مطلقة ، ولو أراد ذلك لقال ( إلا الذين تابوا ) ولم يقل " من بعد ذلك " فلما قال تعالى { من بعد ذلك } بين لنا تعالى أن هذه التوبة لا تكون إلا من بعد الجلد ثمانين ، واستحقاق اسم الفسوق ، ورد الشهادة ، لا قبل الجلد بنص القرآن ، فإنما سقط بالتوبة بعد الجلد ما عدا الجلد ، لأن الجلد قد نفذ فلا يسقط بعده بالتوبة إلا الفسق ، وحكم قبول الشهادة فقط .

وأيضا : فبعد نزول هذه الآية جلد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسطح بن أثاثة ، وحسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش - فبطل التعلق في إسقاط الحد بالتوبة المذكورة في الآية .

وصح أنه إنما سقط بها ما عدا الحد - وهو الفسق ، ورد الشهادة فقط - فبطل كل ما شغب هؤلاء القوم به - وصح أنه لا يسقط بالتوبة شيء من الحدود ، حاشا حد الحرابة الذي ورد النص بسقوطها بالتوبة قبل القدرة عليهم فقط - وأما بالتوبة الكائنة منهم بعد القدرة عليهم ، أو مع القدرة عليهم ، فلا يسقط بذلك عنهم حد المحاربة أصلا ، لأن النص لم يسقط الحد عنهم إلا بالتوبة قبل القدرة عليهم فقط ، وبقي ما عدا ذلك على إنفاذ ما أمر الله تعالى به فيه - وبالله تعالى التوفيق .

قال علي رحمه الله : والدليل عندنا في ذلك أن من أقر بحد ولم يقل ما هو ؟ فلا شيء عليه أصلا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال : علي حد فيه الجلد فقط : لم يقم أيضا جلد ، لأنه قد يظن في فعله ذلك أنه حد يوجب جلدا - وليس كما يظن - فإذ هو ممكن فلا يحل لنا بشرته بإحلاله لنا إياها ، لأن تحريم الله تعالى لها قبل إحلاله الفاسد .

ولو أن امرأ قال لآخر : اضربني فقد أحللت لك بشرتي ؟ لم يحل ضربه أصلا ، لأنه ليس له أن يحل من نفسه ما حرم الله تعالى منها ، ولا أن يحرم منها ما أحله الله تعالى . [ ص: 23 ]

ولو قال من صح عليه الجلد في القذف ، أو الزنى ، أو الخمر : قد حرمت عليكم بشرتي ، لكان كلامه هذرا ولغوا .

وكذلك لو أحل لآخر قتل نفسه أو قطع يده أو أحلت المرأة فرجها لأجنبي .

أو حرم الرجل فرجه على امرأته ، أو حرمت هي فرجها عليه ، لكان كل ذلك باطلا ، ولا حرام إلا ما حرم الله تعالى أو رسوله عليه السلام ، قال الله تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب }

فإن قال علي لله تعالى حد يوجب : إما زنا ، وإما قذفا ، وإما شرب خمر ، فهذا لم يحقق ولا أقر إقرارا صحيحا - وليس عليه إلا حد الخمر ، لأنه أقل الحدود الواجبة عليه بيقين .

ولا يحل أن يزداد عليه شيء بالشك ، فلا يجوز أن يجلد شيئا حتى يتبين ما هو الحد الذي عليه ، ويصفه وصفا تاما .

التالي السابق


الخدمات العلمية