صفحة جزء
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم نا أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم ، قال : ذكر عند إبراهيم النخعي قول الشعبي في السارق لا يقطع حتى يخرج بالمتاع ، فأنكره إبراهيم .

حدثنا حمام بن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو بكر قال : نا خالد بن سعيد بن المسيب ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنهما سئلا عن السارق يسرق فيطرح السرقة ، ويوجد في البيت الذي سرق منه ، لم يخرج ؟ فقالا جميعا : عليه القطع .

وقد روي هذا أيضا عن الحسن البصري رواه روح بن عبادة عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن قال : إذا جمع السارق المتاع ولم يخرج به ، قطع حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا عبد العزيز بن أبي سعيد المزني [ ص: 303 ] أن عمرو بن أبي سيارة المزني كان قائما يصلي من الليل فسمع خشفة في البيت ، فظن أنها الشاة ثم استيقن أن في البيت لصوصا ، فأخذ السيف فقام على باب البيت ، فإذا كارة وسط البيت ، فخرج عليه مثل الجمل المحجرم ، فضرب بالثياب وجهه ، وحذفه عمرو بالسيف حذفة ، ونادى مواليه وعبيده على الرجل فقد أثقلته ، وأقام بمكانه يرى أن في البيت آخرين فأدركوه ، وهو تحت ساباط لبني ليث يشتد ، فأخذوه فجاءوا به إلى عبيد الله بن أبي بكرة ، فقال : إني رجل قصاب ، وإني أدلجت من أهلي أريد الجسر لأجيز غنما لي ، وإن عمرا ضربني بالسيف ، فبعث عبيد الله إلى عمرو فسأله ؟ فقال : بل دخل علي بيتي ، وجمع المتاع ، فشهد عليه فقطع عبيد الله بن أبي بكرة يده . قال أبو محمد رحمه الله : وبه يقول أبو سليمان ، وجميع أصحابنا ؟ ومن هذا أيضا المختلس - فإن الناس اختلفوا فيه ؟ فقالت طائفة : لا قطع عليه : كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن دثار بن يزيد عن عبيد بن الأبرص أن علي بن أبي طالب أتي برجل اختلس من رجل ثوبا ؟ فقال : إنما كنت ألعب معه ، قال : تعرفه ؟ قال : نعم ، فلم يقطعه .

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا مالك بن أنس عن الزهري أن رجلا اختلس طوقا ، فسأل عنها مروان زيد بن ثابت ؟ فقال : ليس عليه قطع . وعن معمر عن الزهري قال : اختلس رجل متاعا فأراد مروان أن يقطع - يده ، فقال له زيد بن ثابت : تلك الخلسة الظاهرة ، لا قطع فيها ، لكن نكال وعقوبة . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن الخلسة ، فقال : تلك الدعوة المقلة ، لا قطع فيها .

وعن الشعبي أن رجلا اختلس طوقا فأخذوه - وهو في حجرته فرفع إلى عمار بن ياسر [ ص: 304 ] وهو على الكوفة - فكتب إلى عمر بن الخطاب ؟ فكتب إليه : أنه عادي الظهيرة ، ولا قطع عليه .

وعن عدي بن أرطاة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل اختلس طوقا من ذهب كان في عنق جارية نهارا ، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : إن ذلك عاد ظهر ليس عليه قطع ، فعاقبه .

وعن الحسن البصري في الخلسة : لا قطع فيها

وعن قتادة : لا قطع على المختلس ، ولكن يسجن ويعاقب - وهو قول النخعي ، وأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأصحابهم - وبه يقول إسحاق بن راهويه .

وقالت طائفة : عليه القطع - كما نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن قباث بن رزين أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول : السنة أن تقطع اليد المستخفية ، ولا تقطع اليد المعلنة .

وعن عطاء بن أبي رباح أنه قال : تقطع يد السارق المستخفي المستقر - ولا تقطع يد المختلس المعلن . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى عن هشام : أن عدي بن أرطاة رفع إليه رجل اختلس خلسة ، فقال إياس بن معاوية : عليه القطع ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ، فنظرنا في قول من لم ير القطع إلا في أخذ من حرز ، فوجدناهم يذكرون : ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا قتيبة بن سعيد نا الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن التمر المعلق ؟ فقال : من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه [ ص: 305 ] والعقوبة - ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع - ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثله والعقوبة } .

نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد نا أبو عوانة عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم تقطع اليد ؟ فقال : لا تقطع اليد في تمر معلق ، فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن ، ولا تقطع في حريسة الجبل ، فإذا آواه المراح قطعت في ثمن المجن } . حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب عن الحارث بن مسكين قراءة عليه وأحمد يسمع عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال { إن رجلا من مزينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف ترى في حريسة الجبل ؟ قال : هي ومثلها ، والنكال ، وليس في شيء من الماشية قطع إلا فيما آواه المراح ، فبلغ ثمن المجن ففيه قطع اليد ، وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه ، وجلدات نكال ، قال : يا رسول الله كيف ترى في التمر المعلق ؟ قال : هو ومثله معه ، والنكال ، وليس في شيء من التمر المعلق قطع إلا فيما آواه الجرين ، فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع ، وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه ، وجلدات نكال } .

حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عبد الله بن عبد الصمد بن علي عن مخلد عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ليس على خائن ولا مختلس قطع } .

نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن حاتم نا سويد بن نصر أنا عبد الله بن المبارك عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم درأ عن المنتهب ، والمختلس ، والخائن ، القطع } ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فقالوا : لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم القطع على مختلس ، ولا [ ص: 306 ] على خائن - فسقط بذلك القطع عن كل من اؤتمن ، وسقط القطع عن حريسة الجبل ، والتمر المعلق ، حتى يؤويهما الجرين ، والمراح ، وهو حرزهما .

وقالوا : ما وجد في غير حرز فإنما هو لقطة قد أبيح أخذها وتحصينها ، وقالوا : قد جاء عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت : أنه لا قطع على مختلس - ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف ، فدل ذلك على اعتبار الحرز : فنظرنا في ذلك فوجدناه لا حجة لهم في شيء منه : أما الخبران اللذان ذكرنا فلا يصح منهما ولا واحد .

أما حديث حريسة الجبل ، والتمر المعلق ، فإنه لا يصح ; لأن أحد طريقيه من سعيد بن المسيب مرسل ، والأخرى : هي أيضا أسقط ، مرسلة - من طريق ابن أبي حسين - ولا حجة في مرسل - والأخرى : مما انفرد به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - وهي صحيفة لا يحتج بها - فهذا وجه يسقط به . ودليل آخر - أنه لو صح لكان عليهم لا لهم ; لأنهم كلهم - يعني الحاضرين من المخالفين - مخالفون ، لما فيه من ذلك أن فيه : أن من خرج بشيء من التمر المعلق ففيه غرامة مثليه - وهم لا يقولون بهذا .

وكذلك إذا آواه الجرين فلم يبلغ ثمن المجن ففيه أيضا غرامة مثليه ، وهم لا يقولون بهذا أيضا .

وفيه أيضا : أن في حريسة الجبل غرامة مثلها ، وأن فيها غرامة مثليها ، وأن فيها - إن آواه المراح فلم يبلغ ثمن المجن - غرامة مثليها ، فهم قد خالفوا هذا الخبر الذي احتجوا به في أربعة مواضع من أحكامه ، فكيف يستجيز ذو ورع يدري أن كلامه محسوب عليه ، وأنه محاسب به يخاف لقاء الله تعالى ، ويهاب عقابه ، أن يحتج بخبر هو يصححه ، ويخالفه في أربعة أحكام من أحكامه ، على من لا يصححه أصلا ، فلا يراه حجة ، وهل في التعجيل بالإثم ، والفضيحة العاجلة أكثر من هذا ؟ فإن ادعوا في ترك هذه الأحكام الأربعة إجماعا ؟ كذبوا ; لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد حكم بها بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - لا يعرف منهم له [ ص: 307 ] مخالف ولا يدرى منهم عليه منكر ، فأضعف قيمة الناقة المنتحرة للمزني على رقيق حاطب التي سرقوها وانتحروها .

وقد روينا من طرق منها ما ناه أحمد بن محمد بن الجسور نا قاسم بن أصبغ نا مطرف بن قيس نا يحيى بن بكير نا مالك بن أنس عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة للمزني - رجل من مزينة - فانتحروها ، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر عمر لكثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ، قال عمر : إني أراك تجيعهم ، والله لأغرمنك غرما يشق عليك - ثم قال للمزني : كم ثمن ناقتك ؟ قال : أربعمائة درهم ، قال عمر : فأعطه ثمانمائة درهم ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فهذا أثر عن عمر كالشمس ؟ وأما حديث سعيد بن المسيب - وهم يعدون مثل هذا إجماعا - إذا وافق أهواءهم - وقد روي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وغيره نحو هذا في إتلاف الأموال : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبان بن عثمان أن أباه عثمان أغرم في ناقة محرم أهلكها رجل ، فأغرمه الثلث زيادة على ثمنها - قال الزهري : ما أصيب من أموال الناس ومواشيهم في الشهر الحرام ، فإنه يزاد الثلث لهذا في العمد - فهذا أثر في غاية الصحة عن عثمان رضي الله عنه ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم .

وقال به الزهري بعد ذلك ، وهم لا يبالون بدعوى الإجماع في أقل من هذا جرأة على الكذب ، ثم لا يبالون بمخالفة ما يقرون بأنه إجماع ؟ قال أبو محمد رحمه الله : نقول - وبالله تعالى التوفيق - إن الخبر الذي رواه أبو الزبير عن جابر لم يروه أحد من الناس عن جابر إلا أبو الزبير فقط ، وأبو الزبير مدلس ما لم يقل فيه : نا ، أو أنا ، لا سيما في جابر ، فقد أقر على نفسه بالتدليس فيه : كما نا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري قال : نا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي نا إسحاق بن أحمد الصيدلاني نا أبو جعفر العقيلي نا زكريا بن يحيى الحلواني [ ص: 308 ] نا أحمد بن سعيد بن أبي مريم نا عمي ونا محمد بن إسماعيل نا الحسن بن علي نا سعيد بن أبي مريم نا الليث بن سعد قال : قدمت مكة ، فجئت أبا الزبير فدفع إلي كتابين ، فانقلبت بهما ، فقلت في نفسي : لو عاودته فسألته : أسمع هذا كله من جابر ؟ فرجعت إليه ، فقلت له : هذا كله سمعته من جابر ؟ فقال : منه ما سمعته ، ومنه ما حدثت عنه ، فقلت له : أعلم لي ما سمعت منه ؟ فأعلم لي على هذا الذي عندي ؟ قال علي : فما لم يروه الليث عن أبي الزبير ، أو لم يقل فيه : نا ، أو أنا ، فهو منقطع - فقد صح أن هذا الحديث لم يسمعه أبو الزبير من جابر . وأما احتجاجهم بما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم في المختلس - فإن الرواية في ذلك عن زيد بن ثابت لا تصح ; لأنها عن الزهري عنه منقطعة ، ولم يسمع الزهري من زيد كلمة : وأما الرواية عن عمر ، وعمار بن ياسر في ذلك ، فإنها منقطعة ; لأنها عن الشعبي عنهما - ولم يولد الشعبي إلا بعد قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يكن يعقل إذ مات عمار بن ياسر .

وأما الرواية عن علي في ذلك - فهي من طريقين - : إحداهما - عن سماك بن حرب وهو يقبل التلقين

والأخرى - من طريق بكير بن أبي السميط المكفوف - وقد روي نحوه عن قتادة ، وعفان ، ولا يعرف حاله ، إلا أن القول في المختلس لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون اختلس جهارا غير مستخف من الناس - فهذا لا خلاف فيه أنه ليس سارقا ، ولا قطع عليه . [ ص: 309 ] أو يكون فعل ذلك مستخفيا عن كل من حضر - فهذا لا خلاف بيننا وبين الحاضرين من خصومنا في أنه سارق ، وأن عليه القطع .

فبطل كل ما تعلقوا به ، وعري قولهم في مراعاة الحرز عن أن يكون له حجة أصلا .

وأما قولهم : إن الشيء إذا لم يكن محرزا فهو لقطة فخطأ ; لأن اللقطة إنما هي ما سقط عن صاحبه وصار بدار مضيعة - وكذلك الضالة - وأما ما كان غير مهمل ولا ساقط ، فقد بطل عن أن يكون لقطة ، أو ضالة ، وقد جاء في اللقطة والضالة نصوص لا يحل تعديها ، فلا مدخل للسارق فيها ، فنحن إنما نكلمهم في سارق من حرز ، لا في ملتقط ، ولا في آخذ ضالة - فإن الملتقط مختلس فسقط هذا الاعتراض الفاسد . قال أبو محمد رحمه الله : فوجب أن ننظر في القول الثاني فوجدنا الله تعالى يقول { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله } فوجب بنص القرآن أن كل من سرق فالقطع عليه ، وأن من اكتسب سرقة فقد استحق بنص كلام الله تعالى جزاء لكسبه ذلك قطع يده نكالا .

وبالضرورة الحسية ، وباللغة يدري كل أحد يدري اللغة أن من سرق - من حرز أو من غير حرز - فإنه " سارق " وأنه قد اكتسب سرقة ، لا خلاف في ذلك ، فإذ هو سارق مكتسب سرقة ، فقطع يده واجب ، بنص القرآن ، ولا يحل أن يخص القرآن بالظن الكاذب ، ولا بالدعوى العارية من البرهان .

فإن من قال : إن الله تعالى إنما أراد في هذه الآية من سرق من حرز ، فإنه مخبر عن الله تعالى ، والمخبر عن الله تعالى بما لم يخبر به عن نفسه ، ولا أخبر به عنه نبيه صلى الله عليه وسلم فقد قال على الله تعالى الكذب ، وقال ما لا يعلم ، وقفا ما لا علم له به - وهذا عظيم جدا .

وقد أوردنا عن عائشة ، وابن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وعبد الله بن عبيد الله ، والحسن ، وإبراهيم النخعي ، وعبيد الله بن أبي بكرة القطع على من سرق ، وإن لم يخرج به من الحرز ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فهذا نص القرآن ، وأما من السنن [ ص: 310 ] فروينا من طريق البخاري نا أبو الوليد - هو الطيالسي - والليث هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة { أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت - فذكر الحديث - وفيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فخطب فقال : يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها }

من طريق البخاري نا موسى بن إسماعيل نا عبد الواحد الأعمش قال : سمعت أبا صالح سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده } ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق جملة ولم يخص عليه السلام حرزا من غير حرز { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ، { وما كان ربك نسيا }

وقال تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } .

وقال تعالى { لتبين للناس ما نزل إليهم } .

ونحن نشهد بشهادة الله تعالى أن الله عز وجل لو أراد أن لا يقطع السارق حتى يسرق من حرز ويخرجه من الدار لما أغفل ذلك ، ولا أهمله ، ولا أعنتنا بأن يكلفنا علم شريعة لم يطلعنا عليه ، ولبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إما في الوحي ، وإما في النقل المنقول .

فإذ لم يفعل الله تعالى ذلك ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فنحن نشهد ، ونبت ، ونقطع - بيقين لا يمازجه شك - أن الله تعالى لم يرد قط ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم اشتراط الحرز في السرقة .

إذ لا شك في ذلك فاشتراط الحرز فيها باطل بيقين لا شك فيه ، وشرع لما لم يأذن الله تعالى به ، وكل ما ذكرنا فإنما يلزم من قامت عليه الحجة ووقف على ما [ ص: 311 ] ذكرنا ; لأن من سلف ممن اجتهد فأخطأ مأجور - وبالله تعالى التوفيق .

وأما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له ، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له ، وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم ، فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة في اللغة ، وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده ، ولا دليل على صحته .

وأما قول الصحابة : فقد أوضحنا أنه لم يأت قط عن أحد منهم اشتراط الحرز أصلا وإنما جاء عن بعضهم " حتى يخرج من الدار " وقال بعضهم " من البيت " وليس هذا دليلا على ما ادعوه من الحرز - مع الخلاف الذي ذكرنا عن عائشة ، وابن الزبير في ذلك - فلاح أن قولنا قول قد جاء به القرآن ، والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله تعالى التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية