وقوله تعالى {
ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } .
فصح أن الكفر يكون كلاما .
وقد حكم الله تعالى بالكفر على إبليس - وهو عالم بأن الله خلقه من نار وخلق آدم من طين - وأمره بالسجود لآدم وكرمه عليه - وسأل الله تعالى النظرة إلى يوم يبعثون .
[ ص: 436 ] ثم يقال لهم : إذ ليس شتم الله تعالى كفرا عندكم ، فمن أين قلتم : إنه دليل على الكفر ؟ فإن قالوا : لأنه محكوم على قائله بحكم الكفر ؟ قيل لهم : نعم ، محكوم عليه بنفس قوله ، لا بمغيب ضميره الذي لا يعلمه إلا الله تعالى فإنما حكم له بالكفر بقوله فقط ، فقوله هو الكفر ، ومن قطع على أنه في ضميره ، وقد أخبر الله تعالى عن قوم {
يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } فكانوا بذلك كفارا ،
كاليهود الذين عرفوا صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يعرفون أبناءهم وهم مع ذلك كفار بالله تعالى قطعا بيقين ، إذ أعلنوا كلمة الكفر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : فإذ قد سقط هذا القول فالواجب أن ننظر فيما احتجت به الطائفة القائلة إن من سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو نبيا من الأنبياء ، أو ملكا من الملائكة - عليهم السلام - فهو بذلك القول كافر - سواء اعتقده بقلبه أو اعتقد الإيمان بقلبه : فوجدناهم يذكرون قول الله تعالى {
قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } .
وقال الله تعالى {
يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } الآية . وقوله تعالى {
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } قال فقضى الله عز وجل وقسم وحكم : أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما شجر ثم لا يجد في نفسه حرجا في شيء مما قضى به ويسلم تسليما .
قالوا : وبضرورة الحس والمشاهدة ندري أن من سب الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ملكا من الملائكة ، أو نبيا من الأنبياء - على جميعهم السلام - أو شيئا من الشريعة ، أو استخف بشيء من ذلك كله ، فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى به
[ ص: 437 ] من تعظيم الله تعالى ، وإكرام الملائكة والنبيين ، وتعظيم الشريعة التي هي شعائر الله تعالى . فصح أنه لم يؤمن فقد كفر إذ ليس إلا مؤمن أو كافر .
قالوا : وقد نص الله تعالى بإحباط عمل من رفع صوته على صوت النبي صلى الله عليه وسلم وإحباط العمل لا يكون إلا بالكفر فقط . ورفع الصوت على صوت النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيه : الاستخفاف به عليه السلام ، والسب له ، والمعارضة من حاضر وغائب .
قالوا : وكان قوله تعالى في المستهزئين بالله وبآياته ورسوله : أنهم كفروا بذلك بعد إيمانهم ، فارتفع الإشكال وصح يقينا أن كل من استهزأ بشيء من آيات الله وبرسول من رسله فإنه كافر بذلك مرتد .
وقد علمنا - أن الملائكة كلهم رسل الله تعالى ، قال الله تعالى {
جاعل الملائكة رسلا } وكذلك علمنا بضرورة المشاهدة : أن كل ساب وشاتم فمستخف بالمشتوم مستهزئ به ، فالاستخفاف والاستهزاء شيء واحد ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : ووجدنا الله تعالى قد جعل إبليس باستخفافه
بآدم عليه السلام كافرا ; لأنه إذ قال {
أنا خير منه } فحينئذ أمره تعالى بالخروج من الجنة ودحره ، وسماه كافرا بقوله {
وكان من الكافرين } .
وحدثنا
حمام نا
عباس بن أصبغ نا
محمد بن عبد الملك بن أيمن نا
أبو محمد حبيب البخاري - هو صاحب
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور ثقة مشهور - نا
محمد بن سهل سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني يقول : " دخلت على أمير المؤمنين فقال لي : أتعرف حديثا مسندا فيمن سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقتل ؟ قلت : نعم ، فذكرت له حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16050سماك بن الفضل عن
عروة بن محمد عن " رجل " من
بلقين قال {
كان رجل يشتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من يكفيني عدوا لي ؟ فقال nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد : أنا فبعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه فقتله ، فقال له أمير المؤمنين : ليس هذا مسندا ، هو عن رجل ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين بهذا يعرف هذا الرجل وهو اسمه ، قد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه ، وهو مشهور معروف ؟ قال : فأمر لي بألف دينار ؟ }
[ ص: 438 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : هذا حديث مسند صحيح ، وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني عن
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق كما ذكره ، وهذا رجل من الصحابة معروف اسمه الذي سماه به أهله " رجل " من
بلقين .
فصح بهذا كفر من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه عدو لله تعالى ، وهو عليه السلام لا يعادي مسلما قال تعالى {
المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } .
فصح بما ذكرنا أن كل
من سب الله تعالى ، أو استهزأ به ، أو سب ملكا من الملائكة أو استهزأ به ، أو سب نبيا من الأنبياء ، أو استهزأ به ، أو سب آية من آيات الله تعالى ، أو استهزأ بها ، والشرائع كلها ، والقرآن من آيات الله تعالى فهو بذلك كافر مرتد ، له حكم المرتد ، وبهذا نقول - وبالله تعالى التوفيق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : ويبين هذا ما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ني
زهير بن حرب نا
nindex.php?page=showalam&ids=16577عفان بن مسلم نا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة نا
nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت البناني عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=48414أن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي : اذهب فاضرب عنقه ، فأتاه nindex.php?page=showalam&ids=8علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها ، فقال له nindex.php?page=showalam&ids=8علي : اخرج ، فناوله يده ، فأخرجه ، فإذا هو مجبوب - ليس له ذكر - فكف nindex.php?page=showalam&ids=8علي عنه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله إنه لمجبوب ، ماله ذكر ؟ } قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : هذا خبر صحيح ، وفيه من آذى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجب قتله ، وإن كان لو فعل ذلك برجل من المسلمين لم يجب بذلك قتله ؟ فإن قال قائل : كيف يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله دون أن يتحقق عنده ذلك الأمر ، لا بوحي ، ولا بعلم صحيح ، ولا ببينة ، ولا بإقرار ؟ وكيف يأمر - عليه السلام - بقتله في قصة بظن قد ظهر كذبه بعد ذلك وبطلانه ؟ وكيف يأمر - عليه السلام - بقتل امرئ قد أظهر الله تعالى براءته بعد ذلك بيقين لا شك فيه ؟ وكيف يأمر - عليه السلام - بقتله ولا يأمر بقتلها ، والأمر بينه وبينها مشترك ؟
[ ص: 439 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : وهذه سؤالات لا يسألها إلا كافر أو إنسان جاهل يريد معرفة المخرج من كل هذه الاعتراضات المذكورة ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : الوجه في هذه السؤالات بين واضح لا خفاء به والحمد لله رب العالمين ، ومعاذ الله أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل أحد بظن بغير إقرار ، أو بينة ، أو علم أو مشاهدة ، أو وحي ، أو أن يأمر بقتله دونها ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم يقينا أنه بريء ، وأن القول كذب فأراد - عليه السلام - أن يوقف على ذلك مشاهدة فأمر بقتله لو فعل ذلك الذي قيل عنه ، فكان هذا حكما صحيحا فيمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علم - عليه السلام - أن القتل لا ينفذ عليه لما يظهر الله تعالى من براءته ، وكان - عليه السلام - في ذلك ، كما أخبر به عن أخيه
سليمان عليه السلام ، وقد روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري نا
أبو اليمان - هو الحكم بن نافع - نا
nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب - هو ابن أبي حمزة - نا
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبو الزناد قال : إن
عبد الرحمن الأعرج حدثه أنه سمع {
nindex.php?page=hadith&LINKID=48415 nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يقول : إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مثلي ومثل الناس - فذكر كلاما - وفيه أنه - عليه السلام - قال : وكانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما ، فقالت صاحبتها ، إنما ذهب بابنك ، وقالت الأخرى : إنما ذهب بابنك ، فتحاكما إلى داود عليه السلام ، فقضى به للكبرى ، فخرجتا على سليمان عليه السلام فأخبرتاه ، فقال : ائتوني بالسكين أشقه بينهما ، فقالت الصغرى : لا تفعل يرحمك الله ، هو ابنها ، فقضى به للصغرى - قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : والله إن سمعت بالسكين إلا يومئذ وما كنا نقول إلا المدية ؟ } قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : فبيقين ندري أن
سليمان عليه السلام لم يرد قط شق الصبي بينهما ، وإنما أراد امتحانهما بذلك ، وبالوحي - فعل هذا بلا شك - وكان حكم
داود عليه السلام للكبرى على ظاهر الأمر ; لأنه كان في يدها ، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أراد قط إنفاذ قتل ذلك " المجبوب " لكن أراد امتحان
nindex.php?page=showalam&ids=8علي في إنفاذ أمره ، وأراد إظهار براءة المتهم ، وكذب التهمة عيانا - وهكذا لم يرد الله تعالى إنفاذ ذبح
إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما وسلم إذا أمر أباه بذبحه ، لكن أراد الله تعالى إظهار تنفيذه لأمره - فهذا وجه الأخبار - والحمد لله رب العالمين .
فصح بهذا أن كل من آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو كافر مرتد يقتل ، ولا بد - وبالله تعالى التوفيق ؟
[ ص: 440 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : نا
أحمد بن إسماعيل بن دليم الحضرمي نا
محمد بن أحمد بن الخلاص نا
nindex.php?page=showalam&ids=13270محمد بن القاسم بن شعبان نا
الحسن بن علي الهاشمي ثني
nindex.php?page=showalam&ids=13808محمد بن سليمان الباغندي نا
nindex.php?page=showalam&ids=17246هشام بن عمار قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس يقول : من
سب nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر ، nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر جلد ، ومن
سب عائشة قتل ، قيل له : لم يقتل في
عائشة ؟ قال : لأن الله تعالى يقول في
عائشة رضي الله عنها {
يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : فمن رماها فقد خالف القرآن ، ومن خالف القرآن قتل ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك هاهنا صحيح ، وهي ردة تامة ، وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها .
وكذلك القول سائر أمهات المؤمنين ، ولا فرق . لأن الله تعالى يقول {
الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون } فكلهن مبرآت من قول إفك - والحمد لله رب العالمين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : وأما الذمي يسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن أصحابنا ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالكا ، وأصحابه ، قالوا : يقتل ولا بد . وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يجب أن
يشترط عليهم : أن لا يذكر أحد منهم كتاب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بما لا ينبغي ، أو زنى بمسلمة أو تزوجها ، فإن فعل شيئا من ذلك ، أو قطع الطريق على مسلم ، أو أعان أهل الحرب بدلالة على المسلمين ، أو آوى عينا لهم ، فقد نقض عهده ، وحل دمه ، وبرئت منه ذمة الله تعالى ، وذمة المسلمين - فتأول عليه قوم : أنه إن لم يشترط هذا عليهم لم يستحل دمهم بذلك ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي رحمه الله : وهذا خطأ ممن تأول ذلك عليه ; لأنه لا يختلف عنه ، ولا عن غيره في الذمي يقطع الطريق على المسلمين أنه قد حل بذلك دمه - تقدم إليهم بذلك وشرط لهم أو لم يشترط ذلك لهم . وروي عن بعض المالكيين : أن
الذمي إذا سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم [ ص: 441 ] بغير ما به كفر يقتل ، فاستدل بعض الناس : أنه لا يقتل إذا سبه بتكذيب .
وقال
سفيان ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، وأصحابه : إن سب الذمي الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأي شيء سبه ، فإنه لا يقتل ، لكن ينهى عن ذلك - وقال بعضهم : يعزر .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه يقتل ولا بد .
واحتج الحنفيون لضلالهم وإفكهم بما ناه
عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا
إبراهيم بن أحمد نا
الفربري نا
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري نا
محمد بن مقاتل أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
هشام بن زيد قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك يقول : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35064مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : السام عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليك ، فقال عليه السلام : أتدرون ما يقول ؟ قال : السام عليك ؟ قالوا : يا رسول الله ، ألا نقتله ؟ قال : لا ، إذا سلم عليكم أهل الكتاب ، فقولوا : وعليكم } . ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري نا
أبو بغيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة عن
الزهري عن
عروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=48417استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : السام عليك ، فقلت : بلى ، وعليكم السام واللعنة ، فقال : يا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، قلت : أولم تسمع ما قالوا ؟ قال : قلت : وعليكم } .
حدثنا
عبد الله بن ربيع نا
nindex.php?page=showalam&ids=16903محمد بن إسحاق نا
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي نا
أبو داود نا
يحيى بن حبيب بن عدي نا
nindex.php?page=showalam&ids=15792خالد بن الحارث نا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
هشام بن زيد بن أنس عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك {
nindex.php?page=hadith&LINKID=48418أن امرأة يهودية أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألها عن ذلك ، فقالت : أردت لأقتلك ، قال : ما كان الله ليسلطك على ذلك - أو قال علي - فقالوا : ألا تقتلها ؟ فقال : لا } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سمع قول
اليهود له السام عليك - وهذا قول لو قاله مسلم لكان كافرا بذلك ، - وقد سمت اليهودية طعاما لتقتله - ولو أن مسلما يفعل ذلك لكان بذلك كافرا ، فلم يقتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
[ ص: 442 ] ولا قتلها ، وحديث
لبيد بن الأعصم إذ سحره صلى الله عليه وسلم فلم يقتله ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا ، وكل هذا لا حجة لهم في شيء منه على ما نبين - إن شاء الله تعالى - أما الأحاديث التي فيها قول
اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=48419السام عليك } فليس بشيء ; لأن السام إنما هو الموت : كما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري نا
nindex.php?page=showalam&ids=17320يحيى بن بكير نا
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث هو ابن سعد - عن
nindex.php?page=showalam&ids=16581عقيل بن خالد عن
ابن شهاب أخبره
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب " أن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة أخبرهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول {
nindex.php?page=hadith&LINKID=48420في الحبة السوداء : شفاء من كل داء إلا السام ؟ } قال
ابن شهاب : والسام الموت ، فمعنى السام عليك : الموت عليك ، وهذا كلام حق ، وإن كان فيه جفاء ; لأن الله تعالى يقول {
إنك ميت وإنهم ميتون } . وقال تعالى {
كل نفس ذائقة الموت } وإنما يحصل بالجفاء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكفر من المسلم ، وبكفره يحل دمه ، والذمي كافر ، ولم يقل : إنه لجفائه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون كافرا بجفائه ، بل كان كافرا ، وهو كافر ، ولا يحل دمه بكفره ، إذا صحت نيته ، لكن بمعنى آخر غير الكفر .
وهكذا القول في
لبيد بن الأعصم الزرقي اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي سم اليهودية لطعامه صلى الله عليه وآله وسلم ولا فرق ، إنما يحصل من ذلك الكفر لمن فعله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسلمين ، والذميون كفار قبل ذلك ، ومعه ، وليس بنفس كفرهم حلت دماؤهم في ذلك إذا تذمموا ، فالمسلم يقتل بكفره إذا أحدث كفرا بعد إسلامه ، والذمي لا يقتل ، وإن أحدث في كل حين كفرا حادثا غير كفره بالأمس ، إذا كان من نوع الكفر الذي تذمم عليه - فنظرنا في المعنى الذي وجب به القتل على الذمي إذا سب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو استخف بشيء من دين الإسلام - فوجدناه إنما هو نقضه الذمة ; لأنه إنما تذمم ، وحقن دمه بالجزية على الصغار ، قال الله تعالى {
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله } الآية إلى قوله : {
وهم صاغرون }
[ ص: 443 ] وقال تعالى {
وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر } . فكان هاتان الآيتان نصا جليا لا يحتمل تأويلا في بيان ما قلنا من أن
أهل الكتاب يقاتلون ويقتلون حتى يعطوا الجزية ، وعلى أنهم إذا عوهدوا وتم عهدهم ، وطعنوا في ديننا فقد نقضوا عهدهم ، ونكثوا أيمانهم ، وعاد حكم قتالهم كما كان .
وبضرورة الحس والمشاهدة ندري أنهم إن أعلنوا سب الله تعالى أو سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو شيء من دين الإسلام ، أو مسلم من عرض الناس ، فقد فارقوا الصغار ، بل قد أصغرونا ، وأذلونا ، وطعنوا في ديننا ، فنكثوا بذلك عهدهم ، ونقضوا ذمتهم - وإذا نقضوا ذمتهم فقد حلت دماؤهم ، وسبيهم ، وأموالهم بلا شك ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد رحمه الله : وسم اليهودية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوم
خيبر بلا شك وهو قبل نزول " براءة " بثلاثة أعوام .
وكذلك نقول في قول أولئك اليهود : السام عليك للنبي صلى الله عليه وسلم . وفي سحر
لبيد بن الأعصم إياه وأن هذا كله كان قبل أن يؤمر بأن لا يثبت عهد الذمي إلا على الصغار ، وأن كل ذلك إذ كانت المهادنة جائزة لهم ; لأن المعنى في حديث " السام ، والسحر " هو معنى حديث سم الشاة سواء سواء ، وحديث سم الشاة منسوخ بلا شك بما في " سورة براءة " من أن لا يقروا إلا على الصغار فحديث " السام ، والسحر " بلا شك منسوخان ، بل اليقين قد صح بذلك ; لأن معناهما منسوخ ولا يحل العمل بالمنسوخ ، ولا يجوز ألبتة أن يكونا بعد نزول " براءة " ; لأنه من المحال أن ينسخ الله تعالى شيئا بيقين ، ثم ينسخ الناسخ ويعيد حكم المنسوخ ولا يصحبه من البيان ما يرفع الشك ، ويرفع الظن ، ويبطل الإشكال - هذا أمر قد أمناه - ولله الحمد .
فإن قال قائل : كيف تقولون هذا وأنتم تقولون : إن من سم اليوم طعاما لأحد من المسلمين فلا قتل عليه وإن من سحر مسلما فلا قتل عليه ، وإن اليهود يقولون لنا اليوم : السام عليكم ، ولا قتل عليهم فما نراكم تحكمون إلا بما ذكرتم أنه منسوخ ؟ فجوابنا - وبالله تعالى التوفيق - أننا لم نقل إن هذه الأحاديث نسخ منها إلا ما
[ ص: 444 ] يوجبه حكم خطابهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، وحكم سم طعامه خاصة ، وحكم قصده بالسحر خاصة ، فهذا هو الذي نسخ وحده فقط ولا مزيد ; لأن الغرض تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره ، وأن لا يجعل دعاؤه - عليه السلام - كدعاء بعضنا بعضا باق أبدا - على المسلم والكافر . فقد علمنا أن قوله الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " اعدل يا
محمد " كان ردة صحيحة ; لأنه لم يوقره ولا عظمه كما أمر ، ورفع صوته عليه فحبط عمله .
ولو أن مسلما أو ذميا يقول
nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فمن دونه : اعدل يا
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر لما كان فيه شيء من النكرة ، ولا من الكراهة ،
واليهود إن قالوا لنا : السام عليكم ، أو قالوا : الموت عليكم ، لقلنا لهم : صدقتم ولا خفاء في هذا .
وكذلك لو خاصمونا في حق يدعونه فرفعوا أصواتهم علينا ، ما كان في ذلك نكرة ، وهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الإسلام وغيرهم كفر ، ونقض للذمة .
وكذلك إذا سحرنا ساحر مسلم أو كافر ، فلم يزد على أن كادنا كيدا لا يفلح معه ، قال الله تعالى {
إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى } وليس بالكيد تنتقض الذمة ; لأنهم لم يفارقوا به الصغار ، وهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قصد به كفر ونقض للذمة ; لأنه خلاف التعظيم المفترض له خاصة دون غيره .
وكذلك سم الطعام لنا ليس فيه إلا إفساد مال من أموالنا إن كان لنا ، أو كيد من فاعله إن كان الطعام له ، وليس بإفساد المال والكيد تنتقض الذمة ولا يكفر بذلك أحد إلا من عامل بذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، فهو كفر ونقض للذمة ; لأنه خلاف التعظيم المفترض له علينا وعلى جميع أهل الأرض جنها وإنسها .
وكذلك لو أن مسلما أو ذميا لم يسلم لحكم حكم به
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر - رضي الله عنه - فمن دونه فاجتهاده فيما لا نص فيه ولا إجماع ، ولا رضى بذلك القول لم يكن عليه في ذلك حرج ولا إثم ، ولو أنهما لم يسلما لحكم حكم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكان ذلك كفرا من المسلمين ، بنص القرآن ، وإخراجا لهم عن الإيمان ، ولكان ذلك نقضا للذمة من الذمي ; لأنه خروج عن الصغار ، وطعن في الدين ، وهذا بين - ولله الحمد كثيرا .