256 - مسألة :
وأما
وطء زوجها أو سيدها لها إذا رأت الطهر فلا يحل إلا بأن تغسل جميع رأسها وجسدها بالماء أو بأن تتيمم إن كانت من أهل التيمم ، فإن لم تفعل فبأن تتوضأ وضوء الصلاة أو تتيمم إن كانت من أهل التيمم ، فإن لم تفعل فبأن تغسل فرجها بالماء ولا بد ، أي هذه الوجوه الأربعة فعلت حل له وطؤها .
برهان ذلك قول الله تعالى : {
ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله }
[ ص: 392 ] فقوله : {
حتى يطهرن } معناه حتى يحصل لهن الطهر الذي هو عدم الحيض وقوله تعالى : {
فإذا تطهرن } هو صفة فعلهن وكل ما ذكرنا يسمى في الشريعة وفي اللغة تطهرا وطهورا وطهرا ، فأي ذلك فعلت فقد تطهرت : قال الله تعالى : {
فيه رجال يحبون أن يتطهروا } فجاء النص والإجماع بأنه غسل الفرج والدبر بالماء ، وقال عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17710جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } فصح أن
التيمم للجنابة وللحدث طهور .
وقال تعالى : {
وإن كنتم جنبا فاطهروا } وقال عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31850لا يقبل الله صلاة بغير طهور } يعني الوضوء .
ومن
اقتصر بقوله تعالى : { فإذا تطهرن } على غسل الرأس والجسد كله دون الوضوء ودون التيمم ودون غسل الفرج بالماء ، فقد قفا ما لا علم له به ، وادعى أن الله تعالى أراد بعض ما يقع عليه كلامه بلا برهان من الله تعالى . ويقال لهم : هلا فعلتم هذا في الشفق ؟ إذ قلتم أي شيء توقع عليه اسم الشفق فبغروبه تدخل صلاة العتمة ، فمرة تحملون اللفظ على كل ما يقتضيه ، ومرة على بعض ما يقتضيه بالدعوى والهوس .
فإن قال : إذا حاضت حرمت بإجماع فلا تحل إلا بإجماع آخر ، قلنا هذا باطل ، ودعوى كاذبة ، لم يوجبها لا نص ولا إجماع ، بل إذا حرم الشيء بإجماع ثم جاء نص يبيحه فهو مباح ، ما نبالي أجمع على إباحته أم اختلف فيها ، ولو كانت قضيتكم هذه صحيحة لبطل بها عليكم أكثر أقوالكم ، فيقال لكم : قد حرمتم الصلاة على المحدث والمجنب بإجماع ، فلا تحل لهما إلا بإجماع ولا تجيزوا للجنب أن يصلي بالتيمم ولو عدم الماء شهرا فلا إجماع في ذلك ، بل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم والأسود لا يجيزون له الصلاة بالتيمم ، وأبطلوا
صلاة من توضأ ولم يستنشق ، لأنه لا إجماع في صحتها ، وأبطلوا
صلاة من توضأ بفضل امرأة ومن لم يتوضأ مما مست النار ، وهذا كثير جدا ، وكذلك القول في الصيام والزكاة والحج وجميع الشرائع ، فصح أن قضيتهم هذه في غاية الفساد في ذاتها ، وفي غاية الإفساد لقولهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : وممن قال بقولنا في هذه المسألة
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، وهو قول أصحابنا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه : إن كانت أيامها عشرة أيام فبانقطاع العشرة الأيام يحل
[ ص: 393 ] له وطؤها ، اغتسلت أو لم تغتسل ، مضى لها وقت صلاة أو لم يمض ، توضأت أو لم تتوضأ ، تيممت أو لم تتيمم ، غسلت فرجها أو لم تغسله ، فإن كانت أيام حيضها أقل من عشرة أيام لم يحل له أن يطأها إلا بأن تغتسل أو يمضي لها وقت أدنى صلاة من طهرها ، فإن مضى لها وقت صلاة واحدة طهرت فيه أو قبله ولم تغتسل فيه فله وطؤها ، وإن لم تغتسل ولا تيممت ولا توضأت ولا غسلت فرجها ،
فإن كانت كتابية حل له وطؤها إذا رأت الطهر على كل حال .
وهذه أقوال نحمد الله على السلامة منها ، ولم يرو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم في هذه المسألة شيء ، ولا نعلم أيضا عن أحد من التابعين إلا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار والزهري nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة المنع من وطئها حتى تغتسل ولا حجة في قولهم لو انفردوا ، فكيف وقد عارضهم من هو مثلهم .
وبالله تعالى التوفيق .
وكم من مسألة خالفوا فيها أكثر عددا من هؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم فيها مخالف ، وقد ذكرنا منها كثيرا قبل ، ونذكر إن شاء الله عز وجل من ذلك الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=17193ونافع بن جبير :
لا تجوز الصلاة في مقبرة ولا إلى قبر ، ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة ، فخالفوهم بآرائهم ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=215وثابت بن قيس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس :
الفخذ ليست عورة ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة ، فخالفوهم ، ومثل ذلك كثير جدا .
ولو أن الله تعالى أراد بقوله : {
تطهرن } بعض ما يقع عليه اللفظ دون بعض لما أغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان ذلك ، فلما لم يخص عليه السلام ذلك وأحالنا على القرآن أيقنا قطعا بأن الله عز وجل لم يرد بعض ما يقتضيه اللفظ دون بعض ، فإن قالوا قولنا أحوط ، قلنا حاشا لله ، بل الأحوط أن لا يحرم عليه ما أحله الله عز وجل من الوطء بغير يقين .
فإن قالوا : لا يحل له وطؤها إلا بما يحل لها الصلاة ، قلنا هذه دعوى باطل منتقضة ، أول ذلك أنها لا برهان على صحتها .
والثاني أنه قد يحل له وطؤها حيث لا تحل لها الصلاة ، وهو كونها مجنبة ومحدثة .
والثالث أن يقال لهم : هلا قلتم لا يحل
[ ص: 394 ] له وطؤها إلا بما يحل لها به الصوم وهو يحل لها عندهم برؤية الطهر فقط فهذه دعوى بدعوى فإن قال بعضهم : وجدنا التحريم يدخل بأدق الأشياء ، ولا يدخل التحليل إلا بأغلظ الأشياء ، كنكاح ما نكح الآباء ، يحرم بالعقد ، وتحليل المطلقة ثلاثا لا يحل لها إلا بالعقد والوطء .
قلنا ليس كما قلتم ، بل قد خالفتم قضيتكم هذه على فسادها وبطلانها ، فتركتم أغلظ الأشياء مما قاله غيركم وهو الإجناب ، فإن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري لا يرى المطلقة ثلاثا تحل إلا بالعقد والوطء والإنزال ولا بد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب يرى أنها تحل بالعقد فقط وإن لم يكن وطء ولا دخول .
ثم يقال لهم : قد وجدنا التحليل يدخل بأدق الأشياء وهو فرج الأجنبية الذي في وطئه دخول النار وإباحة الدم بالرجم والشهرة بالسياط ، فإنه يحل بثلاث كلمات أو كلمتين : أنكحني ابنتك . قال قد أنكحتها . أو تلفظ هي بالرضا والولي بالإذن . وبأن يقول سيد الأمة : هي لك هبة . ووجدنا التحريم لا يدخل إلا بأغلظ الأشياء وهو طلاق الثلاث أو انقضاء أمد العدة ، ووجدنا تحريم الربيبة لا يدخل إلا بالعقد والدخول وإلا فلا ، فظهر أن الذي قالوه تخليط وقول بالباطل في الدين ، والحق من هذا هو أن التحريم لا يدخل إلا بما يدخل به التحليل ، وهو القرآن أو السنة ولا مزيد ، وبالله تعالى التوفيق .