266 - مسألة :
وأقل الحيض دفعة ، فإذا رأت المرأة الدم الأسود من فرجها أمسكت عن الصلاة والصوم وحرم وطؤها على بعلها وسيدها ، فإن رأت أثر الدم الأحمر أو كغسالة اللحم أو الصفرة أو الكدرة أو البياض أو الجفوف التام - فقد طهرت وتغتسل أو تتيمم إن كانت من أهل التيمم ، وتصلي وتصوم ويأتيها بعلها أو سيدها ، وهكذا أبدا متى رأت الدم الأسود فهو حيض ، ومتى رأت غيره فهو طهر ، وتعتد بذلك من الطلاق ، فإن تمادى الأسود فهو حيض إلى تمام سبعة عشر يوما ، فإن زاد ما قل أو كثر فليس حيضا ، ونذكر حكم ذلك بعد هذا إن شاء الله عز وجل .
برهان ذلك ما ذكرناه من ورود النص بأن دم الحيض أسود يعرف ، وما عداه ليس حيضا ، ولم يخص عليه السلام لذلك عدد أوقات من عدد ، بل أوجب برؤيته أن لا تصلي ولا تصوم ، وحرم تعالى
نكاحهن فيه ، وأمر عليه السلام بالصلاة عند إدباره والصوم ، وأباح تعالى
الوطء عند الطهر منه ، فلا يجوز تخصيص وقت دون وقت بذلك ، وما دام يوجد الحيض فله حكمه الذي جعله الله تعالى له ، حتى يأتي نص أو إجماع على أنه ليس حيضا ، ولا نص ولا إجماع في أقل من سبعة عشر يوما ، فما صح الإجماع فيه أنه ليس حيضا وقف عنده ، وانتقلت عن حكم الحائض وما اختلف فيه فمردود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عليه السلام جعل للدم الأسود حكم الحيض ، فهو حيض مانع مما ذكرنا ، ولم يأت نص ولا إجماع على أن بعض الطهر المبيح للصلاة والصوم لا يكون قرءا في العدة ، فالمفرق بين ذلك مخطئ متيقن الخطأ ، قائل ما لا قرآن جاء به ولا سنة ، لا صحيحة ولا سقيمة ، ولا قياس ولا إجماع ، بل القرآن والسنة كلاهما يوجب ما قلنا : من امتناع الصلاة والصوم بالحيض ، ووجودهما بعدم الحيض ، ووجود الطهر وكون الطهر بين الحيضتين قرءا يحتسب به في العدة .
قال الله تعالى : {
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فمن حد في أيام القرء حدا فهو مبطل ، وقاف ما لا علم له به ، وما لم يأت به نص ولا إجماع .
وفي هذا خلاف في ثلاثة مواضع : أحدها أقل مدة الحيض ، والثاني أكثر مدة
[ ص: 406 ] الحيض ، والثالث الفرق بين العدة في ذلك وبين الصلاة والصوم ، فأما
أقل مدة الحيض فإن طائفة قالت : أقل الحيض دفعة تترك لها الصلاة والصوم ويحرم الوطء وأما في العدة فأقله ثلاثة أيام ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك :
أقله في العدة خمسة أيام .
وقالت طائفة : أقل الحيض دفعة واحدة في الصلاة والصوم والوطء والعدة ، وهو قول
الأوزاعي وأحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود وأصحابه .
وقالت طائفة : أقل الحيض يوم وليلة ، وهو الأشهر من قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء وقالت طائفة : أقل الحيض ثلاثة أيام ، فإن
انقطع قبل الثلاثة الأيام فهو استحاضة وليس حيضا ولا تترك له صلاة ولا صوم ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وأصحابه
وسفيان وقالت طائفة : حيض النساء ست أو سبع ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد بن حنبل .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : أما من فرق بين الصلاة والصوم وتحريم الوطء وبين العدة ، فقول ظاهر الخطأ ، ولا نعلم له حجة أصلا ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من إجماع ، ولا من قول صاحب ولا من قياس ولا من احتياط ولا من رأي له وجه ، فوجب تركه .
ثم نظرنا في قول من قال : حيض النساء يدور على ست أو سبع ، فلم نجد لهم حجة إلا أن قالوا : هذا هو المعهود في النساء ، وذكروا حديثا رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
عبد الله بن محمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12386إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه
عمران بن طلحة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47803عن nindex.php?page=showalam&ids=10583أم حبيبة أنها استحيضت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل حيضتها ستة أيام أو سبعة } .
ورويناه أيضا من طريق
الحارث بن أبي أسامة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15925زكريا بن عدي عن
عبيد الله بن عمرو الرقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13371عبد الله بن محمد بن عقيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12386إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه
عمران بن طلحة عن أمه
حمنة بنت جحش {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47804أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : تحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله - عز وجل - ثم اغتسلي ، فإذا استنقأت فصلي أربعا وعشرين أو ثلاثا وعشرين وأيامها وصومي كذلك ، وافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن } .
وقد أخذ بهذا الحديث
أبو عبيد فجعل هذا حكم المبتدأة .
[ ص: 407 ]
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : أما هذان الخبران فلا يصحان ، أما أحدهما فإن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج لم يسمعه من
nindex.php?page=showalam&ids=13371عبد الله بن محمد بن عقيل .
كذلك حدثناه
حمام عن
عباس بن أصبغ عن
nindex.php?page=showalam&ids=12559ابن أيمن عن
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه - وذكر هذا الحديث فقال - قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : حدثت عن
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل ، ولم يسمعه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
النعمان بن راشد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد :
والنعمان يعرف فيه الضعف .
وقد رواه أيضا
شريك nindex.php?page=showalam&ids=15930وزهير بن محمد وكلاهما ضعيف .
وعن
عمرو بن ثابت وهو ضعيف . وأيضا
فعمر بن طلحة غير مخلوق ، لا يعرف
nindex.php?page=showalam&ids=55لطلحة ابن اسمه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر .
وأما الآخر فمن طريق
الحارث بن أبي أسامة ، وقد ترك حديثه فسقط الخبر جملة .
وأما قولهم : إن هذا هو المعهود من حيض النساء فلا حجة في هذا ، لأنه لم يوجب مراعاة ذلك قرآن ولا سنة ولا إجماع ، وقد يوجد في النساء من لا تحيض أصلا فلا يجعل لها حكم الحيض ، فبطل حملهن على المعهود ، وقد يوجد من تحيض أقل وأكثر ، فسقط هذا القول .
ثم نظرنا في قول من قال : أقل الحيض خمس ، فوجدناه قولا بلا دليل ، وما كان هكذا فهو ساقط .
ثم نظرنا في قول من جعل أقل الحيض ثلاثة أيام فوجدناهم يحتجون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18871دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي } رويناه من طريق
أبي أمامة : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة أخبرني أبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك
لفاطمة بنت أبي حبيش ، ورويناه أيضا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح عن
الزهري {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47805عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير : حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش أنها أمرت nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء ، أو nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء حدثتني أنها أمرتها فاطمة بنت أبي حبيش أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وقالوا : أقل ما يقع عليه اسم أيام فثلاثة ، وبحديث رويناه من طريق
جعفر بن محمد بن بريق عن
عبد الرحمن بن نافع درخت ثنا
أسد بن سعيد البلخي عن
محمد بن الحسن الصدفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16294عبادة بن نسي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16345عبد الرحمن بن غنم عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم {
لا حيض أقل من ثلاث ولا فوق عشر } قالوا : وهو
[ ص: 408 ] قول
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ، رويناه من طريق
الجلد بن أيوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=17112معاوية بن قرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ، وروينا أيضا عن
عائشة أفتت بذلك بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل عن نهيه وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : أما الخبر الصحيح في هذا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=129وفاطمة nindex.php?page=showalam&ids=64وأسماء فلا حجة لهم فيه ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك من كانت لها أيام معهودة ، هذا نص ذلك الخبر الذي لا يحل أن يحال عنه ولم يأمر عليه السلام بذلك من لا أيام لها .
برهان ذلك أن الناس والجم الغفير
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان nindex.php?page=showalam&ids=15932وزهير بن معاوية nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد وسفيان nindex.php?page=showalam&ids=12156وأبو معاوية وجرير وعبد الله بن نمير nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج والدراوردي nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع بن الجراح ، كلهم رووا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47807إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وصلي } ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد وسعيد بن عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة nindex.php?page=showalam&ids=16700وعمرو بن الحارث كلهم رووا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47808إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي } ورواه
الأوزاعي عن
الزهري عن
عروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ،
والمنذر بن المغيرة عن
عروة كلهم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47809إذا جاءت الحيضة وإذا جاء قرؤك و إذا جاء الدم الأسود } دون ذكر أيام .
وحدثنا
عبد الله بن يوسف ثنا
أحمد بن فتح ثنا
عبد الوهاب بن عيسى ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12282أحمد بن محمد ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12277أحمد بن علي ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج ثنا
محمد بن رمح nindex.php?page=showalam&ids=16818وقتيبة ، كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب عن
nindex.php?page=showalam&ids=15632جعفر بن ربيعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16560عراك بن مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين قالت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47816إن nindex.php?page=showalam&ids=10583أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم . قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : رأيت مركنها ملآن ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي } فهذا أمر لمن كانت حيضتها أقل من ثلاثة أيام ، ومن يوم وأكثر من عشرة أيام أيضا .
وهذه كلها فتاوى حق لا يحل تركها ، ولا إحالة شيء منها عن ظاهرها ، ولا يحل لأحد أن يقول إن مراده عليه السلام بقوله كل ما ذكرنا : إنما أراد ثلاثة أيام ، فإن أقدم على ذلك مقدم كان كاذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقط تعلقهم بالحديث .
وأما خبر
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ففي غاية السقوط ; لأنه من طريق
محمد بن الحسن الصدفي وهو
[ ص: 409 ] مجهول ، فهو موضوع بلا شك ، والعجب من انتصارهم ههنا على أنه لا يقع اسم الأيام إلا على ثلاث لا أقل ، وهم يقولون : إن قول الله تعالى : {
فإن كان له إخوة فلأمه السدس } أنه لا يقع على أخوين فقط فهلا جعلوا لفظة الأيام تقع ههنا على يومين ؟ وأما احتجاجهم بقول
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس وعائشة فلا يصح عنهما ، لأنه من طريق
الجلد بن أيوب وهو ضعيف ، ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل وليس بالقوي ، ثم لو صح عنه وعن أم المؤمنين لما كان في ذلك حجة ، لأنه قد خالفهما غيرهما من الصحابة على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ، فكيف وإنما أفتت أم المؤمنين بذلك من لها أيام معهودة ، وبالله تعالى التوفيق ، فسقط هذا القول . وبالله تعالى التوفيق .
ثم نظرنا في قول من قال : أقل الحيض يوم وليلة ، فوجدناه أيضا لا حجة لهم في شيء من النصوص ، فإن ادعى مدع إجماعا في ذلك فهذا خطأ لأن
الأوزاعي يقول : إنه يعرف امرأة تطهر عشية وتحيض غدوة ، وأيضا فإن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي قد أوجبا برؤية دفعة من الدم ترك الصلاة وفطر الصائمة وتحريم الوطء ، وهذه أحكام الحيض ، فسقط أيضا هذا القول . وبالله تعالى التوفيق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : ثم نسألهم عمن رأت الدم في أيام حيضتها : بماذا تفتونها ؟ فلا يختلف منهم أحد في أنها حائض ولا تصلي ولا تصوم ، فنسألهم : إن رأت الطهر إثرها ؟ فكلهم يقول : تغتسلي وتصلي ، فظهر فساد قولهم ، وكان يلزمهم إذا رأت الدم في أيام حيضتها ألا تفطر ولا تدع الصلاة وألا يحرم وطؤها إلا حتى تتم يوما وليلة في قول من يرى ذلك أقل الحيض ، أو ثلاثة أيام بلياليها في قول من رأى ذلك أقل الحيض ، فإذ لا يقولون بهذا ولا يقوله أحد من أهل الإسلام فقد ظهر فساد قولهم ، وصح الإجماع على صحة قولنا ، والحمد لله .
وأيضا فإن الآثار الصحاح كما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47811إذا جاءت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغتسلي وصلي } دون تحديد وقت ، وهذا هو قولنا ، وقد ذكرنا قبل - بأصح إسناد يكون - عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه أفتى إذا رأت الدم البحراني أن تدع الصلاة ، فإذا رأت الطهر ولو ساعة من نهار فلتغتسل وتصلي .