صفحة جزء
522 - مسألة : والجمعة إذا صلاها اثنان فصاعدا ركعتان يجهر فيهما بالقراءة .

ومن صلاهما وحده صلاهما أربع ركعات يسر فيها كلها ، لأنها الظهر .

وقد ذكرنا في باب وجوب قصر الصلاة من كتابنا حديث عمر { صلاة الجمعة ركعتان ، وصلاة المسافر ركعتان ، تمام غير قصر ، على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم } .

قال أبو محمد : وذهب بعض الناس إلى أنها ركعتان للفذ وللجماعة بهذا الخبر قال علي : وهذا خطأ ، لأنه الجمعة : اسم إسلامي لليوم ، لم يكن في الجاهلية ، إنما كان يوم الجمعة يسمى في الجاهلية " العروبة " فسمي في الإسلام " يوم الجمعة " ; لأنه يجتمع فيه للصلاة اسما مأخوذا من الجمع ، فلا تكون صلاة الجمعة إلا في جماعة وإلا فليست صلاة جمعة ، إنما هما ظهر ، والظهر أربع كما قدمنا .

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يجهر فيها ، وهو عمل أهل الإسلام ، نقل كواف من عهده عليه السلام إلى اليوم في شرق الأرض وغربها ؟ وأما العدد الذي يصليه الإمام فيه جمعة ركعتين كما ذكرنا - : فقد اختلف فيه - : فروينا عن عمر بن عبد العزيز : الجمعة تكون بخمسين رجلا فصاعدا .

وقال الشافعي : لا جمعة إلا بأربعين رجلا : أحرارا ، مقيمين ، عقلاء ، بالغين - فصاعدا .

وروينا عن بعض الناس : ثلاثين رجلا .

وعن غيره : عشرين رجلا .

وعن عكرمة : سبعة رجال لا أقل .

وعن أبي حنيفة ، والليث بن سعد ، وزفر ، ومحمد بن الحسن : إذا كان ثلاثة [ ص: 249 ] رجال والإمام رابعهم صلوا الجمعة بخطبة ركعتين ، ولا تكون بأقل ؟ وعن الحسن البصري : إذا كان رجلان والإمام ثالثهما صلوا الجمعة بخطبة ركعتين

وهو أحد قولي سفيان الثوري وقول أبي يوسف ، وأبي ثور وعن إبراهيم النخعي : إذا كان واحد مع الإمام صليا الجمعة بخطبة ركعتين .

وهو قول الحسن بن حي ، وأبي سليمان ، وجميع أصحابنا ، وبه نقول ؟ قال علي : فأما من حد خمسين فإنهم ذكروا حديثا فيه { على الخمسين جمعة إذا كان عليهم إمام } . وهذا خبر لا يصح ; لأنه عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة ، والقاسم هذا ضعيف .

وأما من حد بثلاثين فإنهم ذكروا خبرا مرسلا من طريق أبي محمد الأزدي - وهو مجهول - { إذا اجتمع ثلاثون رجلا فليؤمروا رجلا يصلي بهم الجمعة } .

وأما من قال بقول أبي حنيفة ، والليث : فذكروا حديثا من طريق معاوية بن يحيى عن معاوية بن سعيد عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية وقد أدركت النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الجمعة واجبة في كل قرية وإن لم يكن فيهم إلا أربعة ؟ } . وهذا لا يجوز الاحتجاج به ; لأن معاوية بن يحيى ، ومعاوية بن سعيد : مجهولان

وأيضا - : فإن أبا حنيفة أول من يخالف هذا الخبر ، لأنه لا يرى الجمعة في القرى ، لكن في الأمصار فقط

[ ص: 250 ] فكل هذه آثار لا تصح ، ثم لو صحت لما كان في شيء منها حجة ، لأنه ليس في شيء منها إسقاط الجمعة عن أقل من العدد المذكور ؟ وقد روي حديث ساقط عن روح بن غطيف - وهو مجهول { لما بلغوا مائتين جمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم } فإن أخذوا بالأكثر فهذا الخبر هو الأكثر ، وإن أخذوا بالأقل فسنذكر إن شاء الله تعالى حديثا فيه أقل وأما الشافعي : فإنه احتج بخبر صحيح رويناه من طريق الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه : أنه إذا سمع نداء الجمعة ترحم على أبي أمامة أسعد بن زرارة ، فسأله ابنه عن ذلك ؟ فقال : إنه أول من جمع بنا في هزم حرة بني بياضة ، في نقيع يعرف بنقيع الخضمات ونحن يومئذ أربعون رجلا .

قال علي : ولا حجة له في هذا ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل : إنه لا تجوز الجمعة بأقل من هذا العدد ، نعم والجمعة واجبة بأربعين رجلا وبأكثر من أربعين وبأقل من أربعين ؟ واحتج من قال : بقول أبي يوسف بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن سعيد عن يحيى هو القطان - عن هشام هو الدستوائي - ثنا قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم } . وهذا خبر صحيح

، إلا أنه لا حجة لهم فيه ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل : إنه لا تكون جماعة ولا جمعة بأقل من ثلاثة ؟

[ ص: 251 ] وأما حجتنا فهي ما قد ذكرناه قبل من حديث مالك بن الحويرث أن رسول الله : قال له : { إذا سافرتما فأذنا وأقيما ، وليؤمكما أكبركما } فجعل عليه السلام للاثنين حكم الجماعة في الصلاة ؟ فإن قال قائل : إن الاثنين إذا لم يكن لهما ثالث فإن حكم الإمام أن يقف المأموم على يمين الإمام ، فإذا كانوا ثلاثة فقد قيل : يقفان عن يمين الإمام ويساره ؟ وقد قيل : بل خلف الإمام ، ولم يختلفوا في الأربعة : أن الثلاثة يقفون خلف الإمام ، فوجدنا حكم الأربعة غير حكم الاثنين ؟ قلنا : فكان ماذا ؟ نعم ، هو كما تقولون : في مواضع الوقوف ، إلا أن حكم الجماعة واجب لهما بإقراركم ، وليس في حكم اختلاف موقف المأموم دليل على حكم الجمعة أصلا ؟ وقد حكم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأن صلاة الجمعة ركعتان .

وقال عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } . فلا يجوز أن يخرج عن هذا الأمر وعن هذا الحكم أحد إلا من جاء نص جلي أو إجماع متيقن على خروجه عنه ، وليس ذلك إلا الفذ وحده - وبالله تعالى التوفيق .

فإن ابتدأها إنسان ولا أحد معه ثم أتاه آخر أو أكثر ، فسواء أتوه إثر تكبيره فما بين ذلك إلى أن يركع من الركعة الأولى - : يجعلها جمعة ويصليها ركعتين ، لأنها قد صارت صلاة جمعة ، فحقها أن تكون ركعتين ، وهو قادر على أن يجعلها ركعتين بنية الجمعة ، وهي ظهر يومه .

فإن جاءه بعد أن ركع فما بين ذلك إلى أن يسلم - : فيقطع الصلاة ويبتدئها صلاة جمعة ، لا بد من ذلك ، لأنه قد لزمته الجمعة ركعتين ، ولا سبيل له إلى أداء ما لزمه من ذلك إلا بقطع صلاته التي قد بطل حكمها - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية