وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25263فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح أو دالية نصف العشر } فهو خبر صحيح ; لو لم يأت ما يخصه لم يجز خلافه لأحد .
[ ص: 23 ] لكن وجدنا ما حدثناه
عبد الله بن يوسف وأحمد بن محمد الطلمنكي ، قال
عبد الله : ثنا
أحمد بن فتح ثنا
عبد الوهاب بن عيسى ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12282أحمد بن محمد ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12277أحمد بن علي ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16696وعمرو الناقد ،
وزهير بن حرب ، قالوا كلهم : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14712الطلمنكي : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13542ابن مفرج ثنا
محمد بن أيوب الرقي ثنا
أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا
أحمد بن الوليد العدني ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم - : ثم اتفق
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ،
ويحيى ، كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
إسماعيل بن أمية عن
nindex.php?page=showalam&ids=17038محمد بن يحيى بن حبان عن
يحيى بن عمارة عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49129ليس فيما دون خمسة أوساق تمر ولا حب صدقة } . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع في روايته " من تمر " واتفقا فيما عدا ذلك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذا إسناد في غاية الصحة ، فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة عن كل ما دون خمسة أوساق من حب أو تمر . ولفظة " دون " في اللغة العربية تقع على معنيين وقوعا مستويا ، ليس أحدهما أولى من الآخر ، وهما بمعنى : أقل ، وبمعنى : غير ، قال عز وجل : {
ألا تتخذوا من دوني وكيلا } أي من غيري .
وقال عز وجل : {
وآخرين من دونهم لا تعلمونهم } أي من غيرهم .
وحيثما وقعت لفظة " دون " في القرآن فهي بمعنى : غير ; فلا يجوز لأحد أن يقتصر بلفظة " دون " في هذا الخبر على معنى : أقل دون معنى : غير
[ ص: 24 ]
ونحن إذا حملنا " دون " هاهنا على معنى : غير دخل فيه : أقل ; وتخصيص اللفظ بلا برهان من نص لا يحل . فصح يقينا أنه
لا زكاة في غير خمسة أوسق من حب أو تمر ، ووجبت الزكاة فيما زاد على خمسة أوسق بنص قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالإجماع المتيقن على ذلك .
وكذلك في الإبل ، والبقر والغنم والذهب والفضة ، وبالإجماع المتيقن والنص أيضا .
وسقطت الزكاة عما عدا ذلك مما اختلف فيه ولا نص فيه ، بنفي النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة عن كل ما هو غير خمسة أوسق من حب أو تمر ثم وجب أن ننظر ما يقع عليه اسم " حب " في اللغة التي بها خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - : فوجدنا ما حدثناه
محمد بن سعيد بن نبات ثنا
أحمد بن عبد البصير ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ثنا
محمد بن عبد السلام الخشني ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ثنا
عبد العزيز بن عبد الصمد العمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى : {
حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا } قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الحب : البر ، والقضب : الفصفصة ، فاقتصر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - وهو الحجة في اللغة - بالحب على البر . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11991أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري اللغوي في كتابه في النبات في باب ترجمته " باب الزرع والحرث وأسماء الحب والقطاني وأوصافها " فقال - : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12112أبو عمرو وهو الشيباني - جميع بزور النبات يقال لها " الحبة " بكسر الحاء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49130فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل } : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11991أبو حنيفة الدينوري في الباب المذكور : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : واحد الحبة : حبة ،
[ ص: 25 ] بفتح الحاء ; فأما الحب فليس إلا الحنطة ، والشعير ، واحدها حبة ، بفتح الحاء ; وإنما افترقتا في الجمع . ثم ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة بعد هذا الفصل - إثر كلام ذكره
لأبي نصر صاحب الأصمعي كلاما نصه : وكذلك غيره من الحبوب كالأرز ، والدخن ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : فهذه ثلاثة جموع - : الحب للحنطة ، والشعير خاصة ، والحبة - بكسر الحاء وزيادة الهاء في آخرها - لكل ما عداهما من البزور خاصة ، والحبوب للحنطة والشعير وسائر البزور .
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي إمام في اللغة ، وفي الدين ، والعدالة . فإذ قد صح أن الحب لا يقع إلا على الحنطة والشعير في لغة
العرب ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا بنفي الزكاة عن غيرهما وغير التمر - : فلا زكاة في شيء من النبات غيرهما وغير التمر .
وقد روى من لا يوثق به ، عمن لا يوثق به ، ولا يدرى من هو ، عمن لا يوثق به إيجاب
الزكاة في الحبوب - وهو
عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن
الطلحي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16327عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وهو أيضا منقطع .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وقال قوم من السلف بمثل هذا ، وزادوا إلى هذه الثلاثة : الزبيب . كما حدثنا
محمد بن سعيد بن نبات ثنا
عبد الله بن نصر ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17180موسى بن معاوية ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
nindex.php?page=showalam&ids=16713عمرو بن عثمان ،
وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله - : قال
عمرو عن
موسى بن طلحة بن عبيد الله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49131أن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا لما قدم اليمن لم يأخذ الصدقة إلا من الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب } .
وقال
طلحة بن يحيى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11935أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أنه لم يأخذها إلا من الحنطة والشعير والتمر والزبيب .
حدثنا
أحمد بن محمد الجسور ثنا
محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16628علي بن عبد العزيز ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا
حجاج هو ابن محمد الأعور - عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في صدقة الثمار والزرع ، قال : ما كان من نخل ، أو عنب ، أو حنطة ، أو شعير .
[ ص: 26 ] وبه إلى
أبي عبيد : ثنا
يزيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام هو ابن حسان - عن
الحسن البصري : أنه كان لا يرى العشر إلا في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . قال
أبو عبيد : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد هو القطان - عن
nindex.php?page=showalam&ids=12320أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني - عن
الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972ومحمد بن سيرين أنهما قالا : الصدقة في تسعة أشياء - : الذهب ، والورق ، والإبل ، والبقر ، والغنم ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب .
قال
أبو عبيد : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري . حدثنا
حمام ثنا
عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا
عبد الله بن يونس ثنا
بقي بن مخلد ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ثنا
حميد بن عبد الرحمن عن
الحسن هو ابن حي - عن
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف - قال قال لي
الحكم بن عتيبة وقد سألته عن الأقطان ، والسماسم : أفيها صدقة . قال : ما حفظنا عن أصحابنا أنهم كانوا يقولون : ليس في شيء من هذا شيء ، إلا في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد :
الحكم أدرك كبار التابعين وبعض الصحابة . وبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبي بكر بن أبي شيبة ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله قال : سأل
عبد الحميد موسى بن طلحة بن عبيد الله عن الصدقة . فقال
موسى : إنما الصدقة في : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب .
وبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا
محمد بن بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال لي
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ،
وعمرو بن دينار : لا صدقة إلا في نخل ، أو عنب ، أو حب .
وقد روي نحو هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن حي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وعبد الله بن المبارك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد وغيرهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وادعى من ذهب إلى هذا أن إيجاب
الزكاة في الزبيب إجماع ، وذكر آثارا ليس منها شيء يصح .
[ ص: 27 ] أحدها - من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17176موسى بن طلحة : عندنا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49132كتاب nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما أخذ الصدقة من : التمر ، والزبيب ، والحنطة ، والشعير } . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : هذا منقطع ، لأن
nindex.php?page=showalam&ids=17176موسى بن طلحة لم يدرك
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا بعقله .
وآخر - من طريق
محمد بن أبي ليلى ، وهو سيئ الحفظ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16395عبد الكريم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وهي صحيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49133العشر في : التمر ، والزبيب ، والحنطة ، والشعير } .
وخصومنا يخالفون كثيرا من صحيفة
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، ولا يرونه حجة . وآخر - من طريق
عبد الرحمن بن إسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=16470وعبد الله بن نافع ، وكلاهما في غاية الضعف . ومن طريق
محمد بن مسلم الطائفي ، وهو في غاية الضعف . ومن طريق
عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12310أسد بن موسى - وهو منكر الحديث ، عن
نصر بن طريف وهو أبو جزء ، وهو ساقط ألبتة ; كلهم يذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن
عتاب بن أسيد أنه أمر بخرص العنب
. وسعيد لم يولد إلا بعد موت
عتاب بسنتين .
وعتاب لم يوله النبي صلى الله عليه وسلم إلا
مكة ولا زرع بها ، ولا عنب . فسقط كل ما شغبوا به ، ولو صح شيء من هذه الآثار لأخذنا به ، ولما حل لنا خلافه ، كما لا يحل الأخذ في دين الله تعالى بخبر لا يصح .
وأما دعوى الإجماع فباطل - : كما حدثنا
أحمد بن محمد بن الجسور ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17008محمد بن عيسى ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16628علي بن عبد العزيز ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا
عباد بن العوام عن
nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين عن
الحكم بن عتيبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح قال : تؤخذ الصدقة من : الحنطة ، والشعير ، والتمر كان لا يرى في العنب صدقة .
وبه إلى
أبي عبيد : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم عن
الأجلح عن
الشعبي قال : الصدقة في : البر ، والشعير ، والتمر . حدثنا
محمد بن سعيد بن نبات ثنا
أحمد بن عون الله ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ثنا
محمد بن عبد السلام الخشني [ ص: 28 ] ثنا
محمد بن بشار بندار ثنا
غندر ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
الحكم بن عتيبة قال : ليس في الخيل زكاة ; ولا في الإبل العوامل زكاة ; وليس في الزبيب : شيء . فهؤلاء :
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح ،
والشعبي ،
والحكم بن عتيبة ، لا يرون في الزبيب زكاة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وليس إلا قول من قال بإيجاب الزكاة في كل ما أنبتته الأرض ; على عموم الخبر الثابت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25263فيما سقت السماء العشر } أو قولنا ، وهو لا زكاة إلا فيما أوجبها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه ، على ما صح عنه عليه السلام من أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49134ليس فيما دون خمسة أوسق من حب ولا تمر صدقة } .
وأما من أسقط من ذلك الخبر ما يقتضيه عمومه ، وزاد في هذا الخبر ما ليس فيه - : فلم يتعلقوا بقرآن ولا بسنة صحيحة ، ولا برواية ضعيفة ، ولا بقول صاحب لا مخالف له منهم ، ولا بقياس ولا بتعليل مطرد ; بل خالفوا كل ذلك ; لأنهم إن راعوا القوت ، فقد أسقطوا الزكاة عن كثير من الأقوات : كالتين ، والقسطل ، واللبن ، وغير ذلك ، وأوجبوه فيما ليس قوتا : كالزيت والحمص ، وغير ذلك مما لا يتقوت إلا لضرورة مجاعة .
وإن راعوا الأكل فقد أسقطوها عن كثير مما يؤكل ، وأوجبها بعضهم فيما لا يؤكل : كزيت الفجل والقطن ، وغير ذلك .
وإن راعوا ما يوسق ، فقد أسقطوها عن كثير مما يوسق .
ثم أيضا - لو راعوا شيئا من هذه المعاني وطردوا أصلهم لكانوا قائلين بلا برهان ; لكن بدعوى فاسدة وظن كاذب ، والله تعالى يقول : {
إن الظن لا يغني من الحق شيئا } .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12908إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } .
فإن لم يبق إلا أحد هذين القولين المذكورين ; فإن قول من أوجب الزكاة في كل ما أنبتت الأرض حرج شديد ، وشق الأنفس ، وعسر لا يطاق .
والأخذ بذلك الخبر تكليف ما ليس في الوسع ، وممتنع لا يمكن ألبتة ; لأنه يوجب أن لا ينبت في دار أحد ، أو في قطعة أرض له : عشب ، ولو أنه ورقة واحدة ، أو نرجسة ، أو فول ، أو غصن حرف أو بهارة أو تينة واحدة إلا وجب عليه عشر كل
[ ص: 29 ] ذلك ، أو نصف عشره .
وكذلك ورق الشجر والتبن ، حتى تبن الفول ، وقصب الكتان ; نعم . وأصول الشجر نفسها ; لأن كل ذلك مما يسقيه الماء ; وهذا ما لا يمكن ألبتة .
وقد قال تعالى : {
ما جعل عليكم في الدين من حرج }
وقال تعالى : {
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .
وقال تعالى : {
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }
وامتن تعالى علينا إذ أجابنا في دعائنا الذي أمرنا تعالى أن ندعو به فنقول {
ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به }
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43859يسروا ولا تعسروا } .
فإن قيل : يفعل في ذلك ما يفعل الشريكان فيه . قلنا : هذا لا يجوز ; لأن بيع أحد الشريكين من صاحبه مباح ، وتحليله له جائز ، ولا يجوز
بيع الصدقة قبل قبضها ، ولا التحليل منها أصلا . فصح يقينا أن ذلك الخبر ليس على عمومه ; فإذ ذلك كذلك فلا ندري ما يخرج منه إلا ببيان نص آخر . فصح أن لا زكاة إلا فيما أوجبه بيان نص غير ذلك النص ، أو إجماع متيقن ، ولا نص ولا إجماع إلا في البر والشعير والتمر فقط .
ومن تعدى هذا فإنما يشرع برأيه ، ويخصص الأثر بظنه الكاذب - وهذا حرام - وبالله تعالى التوفيق .
وأما المعادن : فإن الأمة مجمعة بلا خلاف من أحد على أن
الصفر ، والحديد ، والرصاص ، والقزدير : لا زكاة في أعيانها ، وإن كثرت .
ثم اختلفوا إذا مزج شيء منها في : الدنانير ، والدراهم ، والحلي . فقالت طائفة : تزكى تلك الدنانير ، والدراهم : بوزنها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذا خطأ فاحش ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط الزكاة نصا فيما دون
[ ص: 30 ] خمس أواق من الورق ، وفيما دون مقدارها من الذهب ، ولم يوجب - بلا خلاف - زكاة في شيء من أعيان المعادن المذكورة ، فمن أوجب
الزكاة في الدنانير ، والدراهم الممزوجة بالنحاس ، أو الحديد ، أو الرصاص ، أو القزدير ; فقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين - :
إحداهما - في إيجابه الزكاة في أقل من خمس أواق من الرقة .
والثانية - في إيجابه الزكاة في أعيان المعادن المذكورة . وأيضا : فإنهم تناقضوا إذ أوجبوا الزكاة في : الصفر ، والرصاص ، والقزدير ، والحديد ، إذا مزج شيء منها بفضة ، أو ذهب ، وأسقطوا الزكاة عنها إذا كانت صرفا وهذا تحكم لا يحل .
وأيضا : فنسألهم عن شيء من هذه المعادن مزج بفضة ، أو ذهب ، فكان الممزوج منها أكثر من الذهب ، ومن الفضة . ثم لا نزال نزيدهم إلى أن نسألهم عن مائتي درهم في كل درهم فلس فضة فقط وسائرها نحاس . فإن جعلوا فيها الزكاة أفحشوا جدا ، وإن أسقطوها سألناهم عن الحد الذي يوجبون فيه الزكاة والذي يسقطونها فيه . فإن حدوا في ذلك حدا زادوا في التحكم بالباطل ، وإن لم يحدوا حدا كانوا قد خلطوا ما يحرمون بما يحلون ; ولم يبينوا لأنفسهم ولا لمن اتبعهم الحرام فيجتنبوه ، من الحلال فيأتوه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : والحق من هذا ، هو أن الأسماء في اللغة والديانة واقعة على المسميات بصفات محمولة فيها ; فللفضة صفاتها التي إذا وجدت في شيء سمي ذلك الشيء فضة ; وكذلك القول في اسم الذهب واسم النحاس واسم كل مسمى في العالم . وأحكام الديانة إنما جاءت على الأسماء ; فللفضة حكمها ، وللذهب حكمه ،
[ ص: 31 ] وكذلك كل اسم في العالم .
فإذا سقط الاسم الذي عليه جاء النص بالحكم سقط ذلك الحكم ، وانتقل المسمى إلى الحكم الذي جاء في النص على الاسم الذي وقع عليه ; كالعصير والخمر ، والخل ، والماء ، والدم ، واللبن ، واللحم ، والآنية ، والدنانير ، وكل ما في العالم .
فإن كان المزج في الفضة أو الذهب لا يغير صفاتهما التي ما دامت فيها سميا فضة ; وذهبا فهي فضة وذهب ; فالزكاة فيهما . وإن كان المزج في الفضة ، أو الذهب قد غير صفاتهما - وسقط عن الدنانير والدراهم اسم فضة واسم ذهب لظهور المزج فيهما - فهو حينئذ : فضة مع ذهب ; أو فضة مع نحاس ، فالواجب أن في مقدار الفضة التي في تلك الدراهم تجب الزكاة فيها خاصة ، ولا زكاة في النحاس الظاهر فيها أثره - وكذلك القول في الذهب مع ما مزج به . فإن
كان في الدنانير ذهب تجب في مقداره الزكاة ، وفضة لا تجب فيها الزكاة ; فالزكاة فيما فيها من الذهب دون ما فيها من الفضة . وإن كان ما فيها من الفضة تجب فيه الزكاة ، وما فيها من الذهب لا تجب فيه الزكاة ; فالزكاة فيما فيها من الفضة دون ما فيها من الذهب . وإن كان فيها من الفضة ومن الذهب ما تجب في كل واحد منهما الزكاة ، زكي كل واحد منهما كحكمه ولو كان منفردا .
وإن كان ما فيهما من الذهب ومن الفضة لا تجب فيه الزكاة لو انفرد ، فلا زكاة هناك أصلا .
فإن زاد المزج حتى لا يكون للفضة ولا للذهب هناك صفة فليس في تلك الأعيان فضة أصلا ولا ذهب ; فلا زكاة فيها أصلا ، اتباعا للنص - وبالله تعالى التوفيق .