642 - مسألة :
ولا زكاة في تمر ، ولا بر ، ولا شعير : حتى يبلغ ما يصيبه المرء الواحد من الصنف الواحد منها خمسة أوسق ; والوسق ستون صاعا ; والصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم .
والمد من رطل ونصف إلى رطل وربع على قدر رزانة المد وخفته ، وسواء زرعه في أرض له أو في أرض لغيره بغصب أو بمعاملة جائزة ، أو غير جائزة ، إذا كان النذر غير مغصوب ، سواء أرض خراج كانت أو أرض عشر .
وهذا قول جمهور الناس ، وبه يقول :
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبو سليمان وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يزكى ما قل من ذلك وما كثر ، فإن
كان في أرض خراج فلا زكاة فيما أصيب فيها ، فإن كانت الأرض مستأجرة فالزكاة على رب الأرض لا على الزارع ، فإن كان في أرض مغصوبة ، فإن قضي لصاحب الأرض بما نقصها الزرع فالزكاة على
[ ص: 48 ] صاحب الأرض ، وإن لم يقض له بشيء فالزكاة على الزارع - قال : والمد رطلان . فهذه خمسة مواضع خالف فيها الحق في هذه المسألة وقد ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49153ليس فيما دون خمسة أوسق من حب أو ثمر صدقة } . وتعلق
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25263فيما سقت السماء العشر } .
وأخطأ في هذا ، لأنه استعمل هذا الخبر وعصى الآخر وهذا لا يحل ، ونحن أطعنا ما في الخبرين جميعا ، وهو قد خالف هذا الخبر أيضا ، إذ خص مما سقت السماء كثيرا برأيه ، كالقصب ، والحطب ، والحشيش ، وورق الشجر وما أصيب في أرض الخراج ، ولم ير أن يخصه بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأيضا فإنه كلف من ذلك ما لا يطاق كما قدمنا وخص من ذلك برأيه ما أصيب في عرصات الدور ، وهذه تخاليط لا نظير لها .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=15858أبو سليمان فقال : ما كان يحتمل التوسيق فلا زكاة فيه حتى يبلغ خمسة أوسق ، وما كان لا يحتمل التوسيق فالزكاة في قليله وكثيره ، وقد ذكرنا فساد هذا القول قبل . والعجب أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة يزعم أنه صاحب قياس ، وهو لم ير فيما يزكى شيئا قليله وكثيره فهلا قاس الزرع على الماشية والعين . فلا النص اتبع ، ولا القياس طرد .
وأما المد فإن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة وأصحابه احتجوا في ذلك بما رويناه من طريق
شريك بن عبد الله القاضي عن
عبد الله بن عيسى عن
عبد الله بن جبر عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49154ويجزئ في الوضوء رطلان } ، مع الأثر الصحيح في {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49155أنه عليه السلام كان يتوضأ بالمد } . وهذا لا حجة فيه ، لأن
شريكا مطرح ، مشهور بتدليس المنكرات إلى الثقات ، وقد أسقط حديثه الإمامان :
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=17293ويحيى بن سعيد القطان ; وتالله لا أفلح من شهدا عليه بالجرحة .
ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة ; لأنه لا يدل ذلك على أن المد رطلان ، وقد صح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49156أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي المد } ، ولا خلاف في أنه عليه السلام لم يكن يعير له الماء
[ ص: 49 ] للوضوء بكيل ككيل الزيت لا يزيد ولا ينقص . أيضا - فلو صح لما كان في قوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49154يجزئ في الوضوء رطلان } مانع من أن يجزئ أقل ، وهم أول موافق لنا في هذا ، فمن توضأ عندهم بنصف رطل أجزأه ، فبطل تعلقهم بهذا الأثر . واحتجوا بخبر رويناه من طريق
موسى الجهني : كنت عند
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد فأتى بإناء يسع ثمانية أرطال تسعة أرطال ، عشرة أرطال ، فقال : قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49157كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بمثل هذا } مع الأثر الثابت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49158أنه عليه السلام كان يغتسل بالصاع . } قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذا لا حجة فيه ، لأن
موسى قد شك في ذلك الإناء من ثمانية أرطال إلى عشرة ، وهم لا يقولون : إن الصاع يزيد على ثمانية أرطال ولا فلسا .
وأيضا - فقد صح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49159أنه عليه السلام اغتسل هو nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة رضي الله عنها جميعا من إناء يسع ثلاثة أمداد } ; وأيضا من إناء هو الفرق ، والفرق : اثنا عشر مدا ، وأيضا - بخمسة أمداد ، وأيضا - بخمسة مكاكي .
وكل هذه الآثار في غاية الصحة ، والإسناد الوثيق الثابت المتصل ، والخمسة مكاكي : خمسون مدا .
ولا خلاف في أنه عليه السلام لم يعير له الماء للغسل بكيل ككيل الزيت ، ولا توضأ واغتسل بإناءين مخصوصين بل قد توضأ في الحضر والسفر بلا مراعاة لمقدار الماء .
هم أول مخالف لهذا التحديد فلا يختلفون في أن امرأ لو اغتسل نصف صاع لأجزأه - فبطل تعلقهم بهذه الآثار الواهية .
واحتجوا بروايتين واهيتين - :
[ ص: 50 ] إحداهما - من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12297أحمد بن يونس عن
nindex.php?page=showalam&ids=15932زهير بن معاوية عن
أبي إسحاق عن رجل عن
nindex.php?page=showalam&ids=17176موسى بن طلحة : أن القفيز الحجاجي قفيز
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، أو صاع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر .
والأخرى - من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16878مجالد عن
الشعبي قال : القفيز الحجاجي - صاع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر .
وبرواية عن
إبراهيم : عيرنا صاع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فوجدناه حجاجيا .
وبرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=15689الحجاج بن أرطاة عن
الحكم عن
إبراهيم {
كان صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أرطال ، ومده رطلين } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : هذا كله سواء ، وجوده وعدمه . أما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17176موسى بن طلحة فبين
أبي إسحاق وبينه من لا يدرى من هو ;
nindex.php?page=showalam&ids=16878ومجالد ضعيف ، أول من ضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
وإبراهيم لم يدرك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر . ثم لو صح كل ذلك لما انتفعوا به ; لأننا لم ننازعهم في صاع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ولا في قفيزه ، إنما نازعناهم في صاع النبي صلى الله عليه وسلم ولسنا ندفع أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر : صاع ، وقفيز ، ومد . رتبه لأهل
العراق لنفقاتهم وأرزاقهم ; كما
بمصر الويبة والإردب ;
وبالشام المد وكما كان
لمروان بالمدينة مد اخترعه ،
ولهشام بن إسماعيل مد اخترعه ، ولا حجة في شيء من ذلك .
وأما قول
إبراهيم في صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده : فقول
إبراهيم ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة سواء في الرغبة عنهما إذا خالفا الصواب .
وقد روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة ثنا
القاسم بن مالك المزني ثنا
الجعيد بن عبد الرحمن عن
nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49161كان الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم ، فزيد فيه في زمن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز } وروينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه قال في مكيلة زكاة الفطر بالمد الأصغر مد رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 51 ] وعنه أيضا في زكاة الحبوب والزيتون بالصاع الأول صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يعطي زكاة الفطر من رمضان بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم المد الأول فصح أن
بالمدينة صاعا ، ومدا غير مد النبي صلى الله عليه وسلم . ولو كان صاع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم لما نسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أصلا دون أن ينسب إلى
أبي بكر ، ولا إلى
أبي بكر أيضا دون أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصح بلا شك أن مد
هشام إنما رتبه
هشام ، وأن صاع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر إنما رتبه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر .
هذا إن صح أنه كان هنالك صاع يقال له " صاع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر " فإن صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومده منسوبان إليه لا إلى غيره ، باقيان بحسبهما .
وأما حقيقة الصاع الحجاجي الذي عولوا عليه فإننا روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق عن
مسدد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17116المعتمر بن سليمان عن
nindex.php?page=showalam&ids=15689الحجاج بن أرطاة قال : حدثني من سمع
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج بن يوسف يقول : صاعي هذا صاع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أعطتنيه عجوز
بالمدينة . فإن احتجوا برواية
nindex.php?page=showalam&ids=15689الحجاج بن أرطاة عن
إبراهيم فروايته هذه حجة عليهم ، وهذا أصل صاع
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج ، فلا كثر ولا طيب ولا بورك في
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج ولا في صاعه .
وروينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15628جرير هو ابن عبد الحميد - عن
يزيد هو ابن زياد - عن
nindex.php?page=showalam&ids=16330عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : الصاع يزيد على الحجاجي مكيالا . فبطل ما موهوا به من الباطل ووجب الرجوع إلى ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
كما حدثنا
عبد الله بن ربيع ثنا
محمد بن معاوية ثنا
أحمد بن شعيب أنا
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق هو ابن راهويه -
ومحمد بن إسماعيل بن علية ، قال
إسحاق عن
الملائي وقال
ابن علية : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم هو الفضل بن دكين - كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15258المكيال على مكيال أهل [ ص: 52 ] المدينة ، والوزن على وزن أهل مكة } .
فلم يسع أحدا الخروج عن مكيال أهل
المدينة ومقداره عندهم ، ولا عن موازين أهل
مكة ، ووجدنا أهل
المدينة " لا يختلف منهم اثنان في أن مد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي به تؤدى الصدقات ليس أكثر من رطل ونصف ، ولا أقل من رطل وربع " .
وقال بعضهم : رطل وثلث ، وليس هذا اختلافا ; لكنه على حسب رزانة المكيل من البر ، والتمر ، والشعير - : حدثنا
حمام ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13542ابن مفرج ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي ثنا
الدبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49162أن مد النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يأخذ به الصدقات : رطل ونصف } .
حدثنا
عبد الله بن ربيع ثنا
محمد بن إسحاق بن السليم ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي ثنا
أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل قال : صاع
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث .
قال
أبو داود : وهو صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا
حمام ثنا
عباس بن أصبغ ثنا
محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : ذكر أبي أنه عير مد النبي صلى الله عليه وسلم بالحنطة فوجدها رطلا وثلثا في البر ، قال : ولا يبلغ من التمر هذا المقدار - : حدثنا
يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا
أحمد بن دحيم ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12369إبراهيم بن حماد ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق قال : دفع إلينا
nindex.php?page=showalam&ids=12427إسماعيل بن أبي أويس المد ، وقال هذا مد
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وهو على مثال مد النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت به إلى السوق ، وخرط لي عليه مد وحملته معي إلى
البصرة ، فوجدته نصف كيلجة بكيلجة
البصرة ، يزيد على كيلجة
البصرة شيئا يسيرا
[ ص: 53 ] خفيفا ، إنما هو شبيه بالرجحان الذي لا يقع عليه جزء من الأجزاء ، ونصف كيلجة
البصرة هو ربع كيلجة
بغداد - فالمد : ربع الصاع ، والصاع مقدار كيلجة بغدادية يزيد الصاع عليها شيئا يسيرا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وخرط لي مد على تحقيق المد المتوارث عند آل
عبد الله بن علي الباجي ، وهو عند أكبرهم لا يفارق داره ، أخرجه إلى ثقتي الذي كلفته ذلك :
علي بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن علي المذكور وذكر أنه مد أبيه وجده وأبي جده أخذه وخرطه على مد
nindex.php?page=showalam&ids=12252أحمد بن خالد ، وأخبره
nindex.php?page=showalam&ids=12252أحمد بن خالد أنه خرطه على مد
يحيى بن يحيى ، الذي أعطاه إياه ابنه
عبيد الله بن يحيى بن يحيى ، وخرطه
يحيى على مد
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، ولا أشك أن
nindex.php?page=showalam&ids=12252أحمد بن خالد صححه أيضا على مد
محمد بن وضاح الذي صححه
nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح بالمدينة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : ثم كلته بالقمح الطيب ، ثم وزنته فوجدته رطلا واحدا ونصف رطل بالفلفلي ، لا يزيد حبة ، وكلته بالشعير ، إلا أنه لم يكن بالطيب ; فوجدته رطلا واحدا ونصف أوقية .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذا أمر مشهور
بالمدينة منقول نقل الكافة صغيرهم وكبيرهم ، وصالحهم وطالحهم ، وعالمهم وجاهلهم ، وحرائرهم وإمائهم ، كما نقل أهل
مكة موضع
الصفا ،
والمروة ، والاعتراض على أهل
المدينة في صاعهم ومدهم كالمعترض على أهل
مكة في موضع
الصفا والمروة ولا فرق ، وكمن يعترض على أهل
المدينة في القبر والمنبر والبقيع ، وهذا خروج عن الديانة والمعقول .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وبحثت أنا غاية البحث عند كل من وثقت بتمييزه ، فكل اتفق لي على أن دينار الذهب
بمكة وزنه : اثنان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير المطلق ، والدرهم سبعة أعشار المثقال ; فوزن الدرهم المكي سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر حبة ، فالرطل مائة درهم واحدة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور .
وقد رجع
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف إلى الحق في هذه المسألة إذ دخل
المدينة ووقف على أمداد أهلها .
[ ص: 54 ] وقد موه بعضهم بأنه إنما سمي الوسق ; لأنه من وسق البعير .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذا طريف في الهوج جدا وليت شعري من له بذلك وهلا قال : لأنه وسق الحمار ، ثم أيضا - فإن الوسق الذي أشار إليه هو عندهم : ستة عشر ربعا بالقرطبي ، وحمل البعير أكثر من هذا المقدار بنحو نصفه .
وأما إسقاطهم
الزكاة عما أصيب في أرض الخراج من بر ، وتمر ، وشعير ; ففاحش جدا ، وعظيم من القول .
وإسقاط للزكاة المفترضة . وموهوا في هذا بطوام ، منها : أن قال قائلهم : - إن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لم يأخذ الزكاة من أرض الخراج . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذا تمويه بارد ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه إنما ضرب الخراج على أهل الكفر ، ولا زكاة تؤخذ منهم . فإن ادعى : أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لم يأخذ الزكاة ممن أسلم من أصحاب أرض الخراج فقد كذب جدا ، ولا يجد هذا أبدا ; ومن ادعى أن
nindex.php?page=showalam&ids=2 - عمر أسقط الزكاة عنهم كمن ادعى أنه أسقط الصلاة عنهم ولا فرق . وموه بعضهم بأن ذكر ما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49163منعت العراق قفيزها ودرهمها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم } شهد على ذلك لحم
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ودمه ، قالوا : فأخبر عليه السلام بما يجب في هذه الأرضين ، ولم يخبر أن فيها زكاة ; ولو كان فيها زكاة لأخبر بها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : مثل هذا ليس لإيراده وجه ; إلا ليحمد الله تعالى من سمعه على خلاصه من عظيم ما ابتلوا به من المجاهرة بالباطل ، ومعارضة الحق بأغث ما يكون من الكلام .
[ ص: 55 ] وليت شعري في أي معقول وجدوا أن كل شريعة لم تذكر في هذا الحديث فهي ساقطة . وهل يقول هذا من له نصيب من التمييز . وهل بين من أسقط الزكاة - لأنها لم تذكر في هذا الخبر - فرق ، وبين من أسقط الصلاة والحج لأنهما لم يذكرا في هذا الخبر . وحتى لو صح لهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد بهذا الخبر ذكر ما يجب في هذه الأرضين - ومعاذ الله من أن يصح هذا فهو الكذب البحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في ذلك إسقاط سائر حقوق الله تعالى عن أهلها .
وليس في الدنيا حديث انتظم ذكر جميع الشرائع أولها عن آخرها ، نعم ، ولا سورة أيضا .
وإنما قصد عليه السلام في هذا الحديث الإنذار بخلاء أيدي المفتتحين لهذه البلاد من أخذ طعامها ودراهمها ودنانيرها فقط ; وقد ظهر ما أنذر به عليه السلام .
ومن الباطل الممتنع أن يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زعموا ; لأنه لو كان ذلك ، وكان أرباب أراضي
الشام ،
ومصر ،
والعراق مسلمين ; فمن هم المخاطبون بأنهم يعودون كما بدءوا ومن المانع ما ذكر منعه .
هذا تخصيص منهم بالباطل وبما ليس في الخبر منه نص ولا دليل ، ولو قيل لهم : بل في قوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25263فيما سقت السماء العشر } دليل على سقوط الخراج وبطلانه ، إذ لو كان فيها خراج لذكره عليه السلام . والعجب أيضا إسقاطهم الجزية بهذا الخبر عن أهل الخراج فأسقطوا فرضين من فرائض الإسلام برأي صاحب ، وهذا عجب جدا .
وخالفوا ذلك الصاحب في هذه القضية نفسها ; لأنه قد صح عنه إيجاب الجزية مع الخراج ; فمرة يكون فعله حجة يخالف بها القرآن ، وهم مع ذلك كاذبون عليه ، فما روي عنه قط إسقاط الزكاة عما أصيب في أرض الخراج ; ومرة لا يرونه حجة أصلا ومعه الحق . فإن قالوا : إن الصحابة أجمعوا على أخذ الخراج قيل لهم : والصحابة أجمعوا على أخذ الزكاة قبل إجماعهم على الخراج ومعه وبعده بلا شك ; ولا عجب أعجب من إيجاب
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن الخراج على المسلم في أرض الخراج إذا ملكها ، وإسقاط الزكاة عنه ، وإيجابه الزكاة على اليهودي والنصراني إذا ملكا أرض العشر ، وإسقاط الخراج عنهما وفاعل هذا متهم على الإسلام وأهله .
[ ص: 56 ]
وقالوا : لا يجتمع حقان في مال واحد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : كذبوا وأفكوا بل تجتمع حقوق لله تعالى في مال واحد ; ولو أنها ألف حق ، وما ندري من أين وقع لهم أنه لا يجتمع حقان في مال واحد ; وهم يوجبون الخمس في معادن الذهب والفضة والزكاة أيضا ; إما عند الحول ، وإما في ذلك الوقت إن كان بلغ حول ما عنده من الذهب والفضة ; ويوجبون أيضا الخراج في أرض المعدن إن كانت أرض خراج .
ومن عجائب الدنيا تغليبهم الخراج على الزكاة فأسقطوها به ، ثم غلبوا زكاة البر والشعير والتمر والماشية على زكاة التجارة ، فأسقطوها بها ; ثم غلبوا زكاة التجارة في الرقيق على زكاة الفطر ، فأسقطوها بها ; فمرة رأوا زكاة التجارة أوكد من الزكاة المفروضة ، ومرة رأوا الزكاة المفروضة أولى من زكاة التجارة .
nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي : يرى أن يزكى ما زرع للتجارة زكاة التجارة لا الزكاة المفروضة . وذكرنا هذا لئلا يدعوا في ذلك إجماعا ، فهذا أخف شيء عليهم . وإن تناقض المالكيين والشافعيين لظاهر في إسقاطهم الزكاة عن عروض التجارة للزكاة المفروضة وإبقائهم إياها مع زكاة الفطر في الرقيق .
وكذلك أيضا - تناقض الحنيفيون إذ أثبتوا الإجارة والزكاة في أرض واحدة .
وممن صح عنه إيجاب الزكاة في الخارج من أرض الخراج :
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ،
nindex.php?page=showalam&ids=16330وابن أبي ليلى ،
nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة ،
وشريك ،
nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي . وقال
سفيان ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد : إن فضل بعد الخراج خمسة أوسق فصاعدا ففيه الزكاة . ولا يحفظ عن أحد من
السلف مثل قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في ذلك .
والعجب كله من تمويههم بالثابت عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه من قوله إذ أسلمت دهقانة نهر الملك إن اختارت أرضها أو أدت ما على أرضها فخلوا بينها وبين أرضها ، وإلا فخلوا بين المسلمين وأرضهم - وعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي نحو هذا .
[ ص: 57 ]
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إنكار الدخول في أرض الخراج للمسلم .
وليت شعري هل عقل ذو عقل قط أن في شيء من هذا إسقاط الزكاة عما أخرجت الأرض . وهذا مكان لا يقابل إلا بالتعجب ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . ويكفي من هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25263فيما سقت السماء العشر } فعم ولم يخص .
وأيضا فإن من البرهان على أن الزكاة على الرافع لا على الأرض إجماع الأمة على أنه إن أراد أن يعطي العشر من غير الذي أصاب في تلك الأرض لكان ذلك له ; ولم يجز إجباره على أن يعطي من عين ما أخرجت الأرض فصح أن الزكاة في ذمة المسلم الرافع ; لا في الأرض