[ ص: 272 ] مسألة :
الفقراء هم الذين لا شيء لهم أصلا . والمساكين : هم الذين لهم شيء لا يقوم بهم .
برهان ذلك - : أنه ليس إلا موسر ، أو غني ، أو فقير ، أو مسكين ، في الأسماء . ومن له فضل عن قوته . ومن لا يحتاج إلى أحد وإن لم يفضل عنه شيء . ومن له ما لا يقوم بنفسه منه . ومن لا شيء له فهذه مراتب أربع معلومة بالحس .
فالموسر بلا خلاف : هو الذي يفضل ماله عن قوته وقوت عياله على السعة .
والغني : هو الذي لا يحتاج إلى أحد وإن كان لا يفضل عنه شيء ; لأنه في غنى عن غيره .
وكل موسر غني ، وليس كل غني موسرا - : فإن قيل : لم فرقتم بين المسكين ، والفقير ؟ قلنا : لأن الله تعالى فرق بينهما ، ولا يجوز أن يقال في شيئين فرق الله تعالى بينهما : إنهما شيء واحد ، إلا بنص أو إجماع أو ضرورة حس ; فإذ ذلك كذلك فإن الله تعالى يقول : {
وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } سماهم الله تعالى مساكين ولهم سفينة ; ولو كانت تقوم بهم لكانوا أغنياء بلا خلاف . فصح اسم المسكين بالنص لمن هذه صفته .
وبقي القسم الرابع : وهو من لا شيء له أصلا ; ولم يبق له من الأسماء إلا الفقير ، فوجب ضرورة أنه ذاك . وروينا ما حدثناه
عبد الله بن ربيع ثنا
محمد بن معاوية ثنا
أحمد بن شعيب أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17206نصر بن علي أخبرنا
عبد الأعلى ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=233أبي سلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49326ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان ، والتمرة والتمرتان ، قالوا : فما المسكين يا رسول الله ؟ قال : المسكين الذي لا يجد غنى ، ولا يفطن لحاجته فيتصدق عليه } . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فصح أن المسكين هو الذي لا يجد غنى إلا أن له شيئا لا يقوم له ،
[ ص: 273 ] فهو يصبر وينطوي ، وهو محتاج ولا يسأل . وقال تعالى : {
للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } فصح أن الفقير الذي لا مال له أصلا ; لأن الله تعالى أخبر أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم . ولا يجوز أن يحمل ذلك على بعض أموالهم . فإن قيل : قال الله تعالى : {
للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } .
قلنا : صدق الله تعالى : وقد يلبس المرء في تلك البلاد إزارا ورداء خلقين غسيلين لا يساويان درهما ، فمن رآه كذلك ظنه غنيا ، ولا يعد مالا ما لا بد منه مما يستر العورة ، إذا لم تكن له قيمة - وذكروا قول الشاعر :
أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد
وهذا حجة عليهم ; لأن من كانت حلوبته وفق عياله فهو غني ، وإنما صار فقيرا إذا لم يترك له سبد ، وهو قولنا ؟ والعاملون عليها : هم العمال الخارجون من عند الإمام الواجبة طاعته ، وهم المصدقون ، السعاة ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وقد اتفقت الأمة على أنه ليس كل من قال : أنا عامل عاملا ، وقد قال عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36820من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فكل من عمل من غير أن يوليه الإمام الواجبة طاعته فليس من العاملين عليها ; ولا يجزئ دفع الصدقة إليه ، وهي مظلمة ، إلا أن يكون يضعها مواضعها ، فتجزئ حينئذ ; لأنها قد وصلت إلى أهلها . وأما عامل الإمام الواجبة طاعته فنحن مأمورون بدفعها إليه ; وليس علينا ما يفعل فيها ; لأنه وكيل ، كوصي اليتيم ولا فرق ، وكوكيل الموكل سواء سواء .
والمؤلفة قلوبهم : هم قوم لهم قوة لا يوثق بنصيحتهم للمسلمين فيتألفون بأن
[ ص: 274 ] يعطوا من الصدقات ، ومن خمس الخمس
والرقاب : هم المكاتبون ، والعتقاء ; فجائز أن يعطوا من الزكاة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : لا يعطى منها المكاتب . وقول غيره : يعطى منها ما يتم به كتابته .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذان قولان لا دليل على صحتهما ؟
وبأن المكاتب يعطى من الزكاة يقول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ؟ وجاز أن يعطى منها مكاتب الهاشمي ، والمطلبي ; لأنه ليس منهما ، ولا مولى لهما ما لم يعتق كله ؟ وإن
أعتق الإمام من الزكاة رقابا فولاؤها للمسلمين لأنه لم يعتقها من مال نفسه ولا من مال باق في ملك المعطي الزكاة .
فإن أعتق المرء من زكاة نفسه فولاؤها له ; لأنه أعتق من ماله ، وعبد نفسه ; وقد قال عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12459إنما الولاء لمن أعتق } وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور . وروينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أعتق من زكاتك .
فإن قيل : إنه إن مات رجع ميراثه إلى سيده . قلنا : نعم هذا حسن ، إذا بلغت الزكاة محلها فرجوعها بالوجوه المباحة حسن ، وهم يقولون فيمن
تصدق من زكاته على قريب له ثم مات فوجب ميراثه للمعطي : إنه له حلال ، وإن كان فيه عين زكاته .
والغارمون : هم الذين عليهم ديون لا تفي أموالهم بها ، أو من تحمل بحمالة وإن كان في ماله وفاء بها ; فأما من له وفاء بدينه فلا يسمى في اللغة غارما ؟ - : حدثنا
عبد الله بن ربيع ثنا
محمد بن معاوية ثنا
أحمد بن شعيب أخبرنا
محمد بن النضر بن مساور ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17223هارون بن رئاب حدثني
كنانة بن نعيم عن
قبيصة بن المخارق قال : {
تحملت بحمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها ؟ فقال : أقم يا [ ص: 275 ] قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، أو قال : سدادا من عيش } وذكر الحديث .
وأما سبيل الله فهو الجهاد بحق . حدثنا
عبد الله بن ربيع ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12761ابن السليم ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي ثنا
أبو داود ثنا
الحسن بن علي ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30092لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني } . وقد روي هذا الحديث عن غير
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر فأوقفه بعضهم ، ونقص بعضهم مما ذكر فيه
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر ، وزيادة العدل لا يحل تركها ؟ فإن قيل : قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحج من سبيل الله .
وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن يعطى منها في الحج . قلنا : نعم ، وكل فعل خير فهو من سبيل الله تعالى ، إلا أنه لا خلاف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في
قسمة الصدقات ، فلم يجز أن توضع إلا حيث بين النص ، وهو الذي ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق .
وابن السبيل : هو من خرج في معصية فاحتاج ؟ وقد روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة : ثنا
أبو جعفر عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
حسان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل زكاته في الحج وأن يعتق منها النسمة ؟
[ ص: 276 ] وهذا مما خالف فيه الشافعيون ، والمالكيون ، والحنفيون : صاحبا ، لا يعرف منهم له مخالف .