صفحة جزء
؟ 737 - مسألة : ولا كفارة على من تعمد فطرا في رمضان بما لم يبح له ، إلا من وطئ في الفرج من امرأته أو أمته المباح له وطؤهما إذا لم يكن صائما فقط ; فإن عليه الكفارة ، على ما نصف بعد هذا إن شاء الله تعالى ، ولا يقدر القضاء ، لما ذكرنا ؟ برهان ذلك - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب الكفارة إلا على واطئ امرأته عامدا ، واسم امرأته يقع على الأمة المباح وطؤها ، كما يقع على الزوجة ، ولا جمع للمرأة من لفظها ; لكن جمع المرأة على نساء ، ولا واحد للنساء من لفظه ، قال تعالى : { نساؤكم حرث لكم } فدخل في ذلك - بلا خلاف - : الأمة المباحة ، والزوجة ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد [ ص: 314 ] ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال { جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت يا رسول الله ، قال : وما أهلكك ؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، قال : هل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا ، قال : فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ قال لا ثم جلس ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر ، فقال : تصدق بهذا ؟ فقال : أفقر منا فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : اذهب فأطعمه أهلك } .

قال أبو محمد : هكذا رواه منصور بن المعتمر ، وشعيب بن أبي حمزة ، والليث بن سعد ، والأوزاعي ، ومعمر ، وعراك بن مالك كلهم عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وخالف أشهب في هذا اللفظ سائر أصحاب الليث ؟ فلم يوجب الكفارة على غير من ذكرنا ، وقد قال عليه السلام { : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلا يحل مال أحد بغير نص أو إجماع متيقن .

ولا يحل لأحد إيجاب غرامة لم يوجبها القرآن ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتعدى بذلك حدود الله ، ويبيح المال المحرم ، ويشرع ما لم يأذن به الله تعالى ؟ [ ص: 315 ] فإن قيل : فلم لم توجبوا الكفارة على كل من أفطر في رمضان فطرا لم يبح له ، بأي شيء أفطر ؟ بما رويتموه من طريق مالك ، وابن جريج ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، كلهم عن الزهري ، ومن طريق أشهب عن الليث عن الزهري ، ثم اتفقوا : عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة { أن رجلا أفطر في نهار رمضان ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا ؟ فقال : لا أجد ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر ، فقال : خذ هذا فتصدق به ؟ فقال : يا رسول الله لا أجد [ ص: 316 ] أحوج إليه مني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، وقال : كله } .

قلنا : لأنه خبر واحد عن رجل واحد ، في قصة واحدة ، بلا شك ، فرواه من ذكرنا [ ص: 317 ] عن الزهري مجملا مختصرا ، ورواه الآخرون الذي ذكرنا قبل وأتوا بلفظ الخبر كما وقع ، كما سئل عليه السلام ، وكما أفتى ، وبينوا فيه أن تلك القضية إنما كانت وطئا لامرأته ، ورتبوا الكفارة كما أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحال مالك ، وابن جريج ، ويحيى : صفة الترتيب ، وأجملوا الأمر ، وأتوا بغير لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجز الأخذ بما رووه من ذلك ، مما هو لفظ من دون النبي عليه السلام ممن اختصر الخبر وأجمله ، وكان الفرض أخذ فتيا النبي عليه السلام كما أفتى بها ، بنص كلامه فيما أفتى به ؟ فإن قيل : فإنا نقيس كل مفطر على المفطر بالوطء ; لأنه كله فطر محرم ؟ قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هاهنا هذا القياس باطلا ; لأنه قد جاء خبر المتقيئ عمدا ، وفيه القضاء ، ولم يذكر فيه كفارة .

فما الذي جعل قياس سائر المفطرين على حكم الواطئ أولى من قياسهم على حكم المتعمد للقيء ؟ والآكل ، والشارب أشبه بالمتعمد للقيء منهما بالواطئ ; لأن فطرهم كلهم من حلوقهم لا من فروجهم ، بخلاف الواطئ ; ولأن فطرهم كلهم لا يوجب الغسل ، بخلاف فطر الواطئ ; فهذا أصح في القياس ، لو كان القياس حقا ؟ وقد أجمعوا على أنه لا كفارة على المتعمد لقطع صلاته ; والصلاة أعظم حرمة وآكد من الصيام ، فصارت الكفارة خارجة عن الأصل ; فلم يجز أن يقاس على خبرها ؟ فإن قال : إني أوجب الكفارة على المتعمد للقيء ; لأني أدخله في جملة من أفطر فأمر بالكفارة ، وأجعل هذا الخبر الذي رواه مالك ، وابن جريج ، ويحيى عن الزهري - : زائدا على ما في خبر المتعمد القيء ؟ قلنا : هذا لازم لكل من استعمل لفظ خبر مالك ، وابن جريج عن الزهري لازم له ، وإلا فهو متناقض ، وقد قال بهذا بعض الفقهاء .

وروي عن أبي ثور ، وابن الماجشون ، إلا أن من ذهب إلى هذا لم يكلم إلا في تغليب رواية سائر أصحاب الزهري التي قدمنا على ما اختصره هؤلاء فقط . [ ص: 318 ]

وليس إلا قولنا أو قول من أوجب الكفارة والقضاء على كل مفطر ، بأي وجه أفطر ، بعموم رواية مالك ، وابن جريج ، ويحيى ، وبالقياس جملة على المفطر بالوطء وبالقيء .

وأما الحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون : فلم يتعلقوا بشيء من هذا الخبر أصلا ، ولا بالقياس ، ولا بقول أحد من السلف لأنهم أوجبوا الكفارة على بعض من أفطر بغير الوطء فتعدوا ما رواه جمهور أصحاب الزهري ، وأسقطوا الكفارة عن بعض من أفطر بغير الوطء ، مما قد أوجبها فيه غيرهم ، فخالفوا ما رواه مالك ، ويحيى ، وابن جريج ; فخالفوا كل لفظ خبر ورد في ذلك جملة وخالفوا القياس ; إذ لم يوجبوا الكفارة على بعض من أفطر بغير الوطء وبالوطء ، ولم يتبعوا ظاهر الآثار ; إذ أوجبوها على بعض من أفطر بغير الوطء على ما نذكر من أقوالهم بعد هذا ; فلا يجوز إيهامهم بأنهم تعلقوا في هذا الموضع بشيء من الآثار ، أو بشيء من القياس - : على من نبهناه على تخاذل أقوالهم في ذلك وبالله تعالى التوفيق .

قال أبو محمد : وقد اختلف السلف في هذا ، فنذكر إن شاء الله تعالى ما يسر الله عز وجل لذكره من أقوالهم ، ثم نعقب بأقوال الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين ، التي لا متعلق لها بالقرآن ولا بشيء من الروايات ، والسنن ، لا صحيحها ولا سقيمها ، ولا بإجماع ، ولا بقول صاحب ، ولا بقياس ، ولا برأي له وجه ، ولا باحتياط ، وبالله تعالى نتأيد ؟ فقالت طائفة : لا كفارة على مفطر في رمضان بوطء ولا بغيره - : روينا بأصح إسناد عن الحجاج بن المنهال : ثنا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم - عن إبراهيم النخعي ، في رجل أفطر يوما من رمضان ، قال : يستغفر الله ويصوم يوما مكانه ؟ وعن الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان ، وأيوب السختياني ، وحبيب بن الشهيد ، وهشام بن حسان ، قال حماد : عن إبراهيم النخعي ، وقال أيوب ، وحبيب وهشام كلهم عن محمد بن سيرين . ثم اتفق إبراهيم ، وابن سيرين ، فيمن وطئ عمدا في رمضان : أنه يتوب إلى الله [ ص: 319 ] تعالى ، ويتقرب إليه ما استطاع ، ويصوم يوما مكانه .

ورويناه أيضا من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين فيمن أكل يوما من رمضان عامدا ، قال : يقضي يوما ويستغفر الله ؟ ومن طريق الحجاج بن المنهال : ثنا جرير بن حازم حدثني يعلى بن حكيم قال : سألت سعيد بن جبير عن رجل وقع بامرأته في رمضان : ما يكفره ؟ فقال : ما ندري ما يكفره ذنب أو خطيئة ، يصنع الله تعالى به فيه ما يشاء ويصوم يوما مكانه ؟ ومن طريق حجاج بن المنهال : ثنا أبو عوانة عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر الشعبي أنه قال فيمن أفطر يوما من رمضان : لو كنت أنا لصمت يوما مكانه ؟ فهؤلاء : ابن سيرين ، والنخعي ، والشعبي ، وسعيد بن جبير : لا يرون على الواطئ في نهار رمضان عامدا كفارة وقالت طائفة بالكفارة ، ثم اختلفوا فروينا من طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج الكلابي عن عوف بن مالك الأشجعي قال قال عمر بن الخطاب : صوم يوم من غير رمضان وإطعام مسكين يعدل يوما من رمضان وجمع بين أصبعيه ؟ قال أبو محمد : وعهدناهم يقلدون عمر في أجل العنين ، وفي حد الخمر ثمانين .

ولا يصح في ذلك شيء عن عمر ، فليقلدوه هاهنا ; فهو أثبت عنه مما قلدوه ولكنهم متحكمون بالباطل في الدين وقالت طائفة كما روينا عن المعتمر بن سليمان : قرأت على فضيل عن أبي حريز قال : حدثني أيفع قال : سألت سعيد بن جبير عمن أفطر في رمضان ؟ فقال : كان ابن عباس يقول : من أفطر في رمضان فعليه عتق رقبة ، أو صوم شهر ، أو إطعام ثلاثين مسكينا ، ومن وقع على امرأته وهي حائض ، وسمع أذان الجمعة ولم يجمع ، وليس له عذر - : كذلك عتق رقبة ؟ [ ص: 320 ] قال علي : وهذا قول لا نص فيه ، وعهدنا بالحنفيين يقولون في مثل هذا - إذا وافق أهواءهم - : مثل هذا لا يقال بالرأي ، فلم يبق إلا أنه توقيف ، فيلزمهم أن يقولوه هاهنا ، وإلا فهم متلاعبون بالدين ؟ وقالت طائفة كما روينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي ، في رجل أفطر يوما من رمضان : يصوم ثلاثة آلاف يوم . وقالت طائفة كما روينا من طريق حماد بن سلمة : أنا حميد أنه سأل الحسن البصري عن رجل أفطر في رمضان أربعة أيام يأكل ويشرب وينكح ؟ فقال الحسن : يعتق أربعة رقاب ، فإن لم يجد فأربع من البدن ، فإن لم يجد فعشرين صاعا من تمر لكل يوم ، فإن لم يجد صام لكل يوم يومين ؟ وقد ذكرنا مثل هذا مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق سعيد بن المسيب .

وروينا أيضا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والحسن { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وطئ امرأته في رمضان : رقبة ، ثم بدنة } ، ثم ذكر نحو حديث الزهري في العرق من التمر ؟ ومن طريق وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد واقع أهله في رمضان ، فقال له عليه السلام : أعتق رقبة ؟ قال : لا أجد ، قال : أهد بدنة ؟ قال : لا أجد ، قال : صم شهرين ، قال : لا أستطيع ، قال : أطعم ستين مسكينا ؟ قال : لا أجد ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل فيه تمر فقال : تصدق بهذا ؟ فقال : يا رسول الله : ما بينهما أهل بيت أحوج منا ، قال : كله أنت وعيالك } ؟ ومن طريق حماد بن سلمة : أنا عمارة بن ميمون عن عطاء بن أبي رباح { أن [ ص: 321 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذي وقع بامرأته في رمضان أن يعتق رقبة ؟ قال : لا أجد ، قال : أهد هديا ؟ قال : لا أجده وذكر باقي الحديث } ؟ فإن تعللوا في مرسل سعيد بأنه ذكر له ما رواه عطاء الخراساني عنه من ذلك ؟ فقال سعيد : كذب ، إنما قلت له : تصدق تصدق - : فإن الحسن وقتادة ، وعطاء رووه أيضا مرسلا وفيه الهدي بالبدنة .

قال أبو محمد : عهدنا بالحنفيين ، والمالكيين يقولون : المرسل كالمسند ، وهذا مرسل من طرق ، فيلزمهم القول به ; لأنه زاد على سائر الأحاديث ذكر الهدي .

وأيضا - من طريق القياس : فإن البدنة ، والهدي يجبر بهما نقص الحج ; ولم نجد شيئا من الأعمال يجبر نقصه بكفارة إلا الحج ، والصوم ; فيجب أن يكون للهدي في الصوم مدخل كما له في الحج ; ولكن القوم لا يثبتون على شيء ؟ وأما نحن فلا حجة في مرسل عندنا أصلا .

وقالت طائفة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : سألت سعيد بن المسيب عن رجل أكل في رمضان عامدا ؟ فقال : عليه صيام شهر ، قلت : يومين ؟ قال : صيام شهر ، قال : فعددت أياما فقال : صيام شهر ؟ ومن طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الذي يفطر من رمضان متعمدا : عليه صوم شهر ؟ ومن طريق الحجاج بن المنهال : ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : عليه لكل يوم أفطر شهر ؟ قال علي : يحتمل هذا القول أنه أراد شهرا شهرا عن كل يوم ، ويحتمل ما رواه معمر من أن عليه لكل يوم أفطر شهرا واحدا ، وهذا أظهر وأولى ، لتيقن الروايات عنه ؟ وحجة من قال بهذا : ما رويناه من طريق أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار قال : ثنا أحمد بن يحيى الصوفي الكوفي ثنا أبو غسان ثنا مندل عن عبد الوارث عن [ ص: 322 ] أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : من أفطر يوما من رمضان فعليه صوم شهر } .

قال علي : مندل ضعيف ، وعبد الوارث مجهول . ولو صح لقلنا به ، ويلزم القول به من لم يبال بالضعفاء ; لأنه زائد على سائر الأخبار ، ويلزم أيضا المالكيين القائلين بأن نية واحدة في أول الشهر تجزئ لجميعه ; لأنه كله كصلاة واحدة ، وكيوم واحد ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية