815 - مسألة :
واستطاعة السبيل الذي يجب به الحج إما صحة الجسم والطاقة على المشي والتكسب من عمل أو تجارة ما يبلغ به إلى الحج ويرجع إلى موضع عيشه أو أهله ، وإما مال يمكنه من ركوب البحر أو البر - والعيش منه حتى يبلغ
مكة ويرده - إلى موضع عيشه أو أهله وإن لم يكن صحيح الجسم إلا أنه لا مشقة عليه في السفر برا أو بحرا ; وإما أن يكون له من يطيعه فيحج عنه ويعتمر بأجرة أو بغير أجرة إن كان هو لا يقدر على النهوض لا راكبا ولا راجلا ; فأي هذه الوجوه أمكنت الإنسان المسلم العاقل البالغ ؟ فالحج والعمرة فرض عليه ، ومن
عجز عن جميعها فلا حج عليه ولا عمرة .
وقال قوم : الاستطاعة زاد وراحلة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : الاستطاعة قوة الجسم أو القوة بالمال على الحج بنفسه ، ولم ير وجود من يطيعه استطاعة ولا أوجب بذلك حجا .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أن المقعد من رجليه وإن كان له مال واسع وهو قادر على الثبات على الراحلة فلا حج عليه ، وكذلك الأعمى - وقد روي عنه أن عليه الحج وعلى الأعمى .
ورأى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أن الاستطاعة إنما هي بمال يحج به أو من يطيعه فيحج عنه فقط ، ولم ير قوة الجسم والقدرة على الراحلة استطاعة ; وحجة من قال : الاستطاعة زاد وراحلة بآثار رويناها - :
[ ص: 28 ] منها : عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12402إبراهيم بن يزيد عن
محمد بن عباد بن جعفر المخزومي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49536عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الاستطاعة فقال : الزاد والراحلة ؟ فقيل : يا رسول الله فما الحج ؟ قال : الأشعث التفل } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة : أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ،
وحميد عن
الحسن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49537أن رجلا قال : يا رسول الله ما السبيل إليه ؟ قال : زاد وراحلة } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17081مسلم بن إبراهيم نا
هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو بن مسلم الباهلي نا
أبو إسحاق الهمداني عن
الحارث عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49538من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله - عز وجل - فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا ، أو نصرانيا ; لأن الله تعالى يقول : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } } .
وقالوا : لما قال الله تعالى : {
من استطاع إليه سبيلا } علمنا أنها استطاعة غير القوة
[ ص: 29 ] بالجسم ; إذ لو كان تعالى أراد قوة الجسم لما احتاج إلى ذكرها ; لأننا قد علمنا أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها .
وقالوا : قال الله تعالى : {
إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } فصح أن الرحلة شق الأنفس بالضرورة ولا يكلفنا الله تعالى ذلك لقوله تعالى : {
وما جعل عليكم في الدين من حرج } .
وذكروا ما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قال في استطاعة السبيل إلى الحج : زاد وراحلة .
ومن طريق
الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في ذلك أيضا : زاد ، وبعير : ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل عن
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس {
من استطاع إليه سبيلا } قال : زاد ، وراحلة .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : {
من استطاع إليه سبيلا } قال : ملء بطنه ، وراحلة يركبها - وهو قول
الضحاك بن مزاحم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
ومحمد بن علي بن الحسين ،
nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب السختياني وأحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فادعوا في هذا أنه قول طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف وليس كما قالوا أصلا ; لأننا قد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=16688عمران بن حدير عن
[ ص: 30 ] النزال بن عمار عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " من ملك ثلاثمائة درهم وجب عليه الحج وحرم عليه نكاح الإماء " .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال ، في الحج : سبيله من وجد له سعة ، ولم يحل بينه وبينه - وهذا هو قولنا .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
خالد بن أبي كريمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير قال : {
من استطاع إليه سبيلا } قال : على قدر القوة - وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : أما احتجاجهم بأن الاستطاعة لو كانت على العموم لما كان لذكرها معنى فكلام فاسد ، واعتراض على الله تعالى ، وإخراج للقرآن عن ظاهره بلا برهان .
ثم لو صح هذا لكان حجة عليهم ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب الحج على من لا يستطيعه بجسمه ، ولا بماله - إذا وجد من يحج عنه - كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ; فكان ذلك داخلا في الاستطاعة ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما قولهم : إن الرحلة من شق الأنفس والحرج ، والله تعالى لا يكلف ذلك عباده ، فصحيح ولم نقل نحن : إن من كانت الرحلة تشق عليه - وعليه فيها حرج - أن الحج يلزمه : بل الحج عمن هذه صفته ساقط كما قالوا ; وإنما قلنا : إن من يسهل عليه المشي وهو لو كانت له في دنياه حاجة لاستسهل المشي إليها - فالحج يلزمه ; لأنه مستطيع ؟ وأما الأخبار التي ذكروا - : فإن في أحدها - :
nindex.php?page=showalam&ids=12402إبراهيم بن يزيد وهو ساقط مطرح ; وفي الثاني :
nindex.php?page=showalam&ids=14057الحارث الأعور وهو مذكور بالكذب ، وحديث الحسن مرسل ولا حجة في مرسل والعجب من
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، في هذه المسألة ; فإن المالكيين يقولون : المرسل ، والمسند سواء لا سيما مرسل
الحسن فإنهم ادعوا أنه كان لا يرسل الحديث إلا إذا حدثه به أربعة من الصحابة فصاعدا ; ثم خالفوا هاهنا أحسن مراسيل الحسن ; والشافعيون لا يقولون : إلا بالمسند الصحيح وأخذوا هاهنا بالساقط ، والمرسل .
[ ص: 31 ] وأما الروايات في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم فواهية كلها ; لأنها إما من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني مرسلة ، وإما من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل ، وإما من طريق رجل لم يسم ، وأحسنها الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الموافقة لقولنا ، وأما الرواية الأخرى عنه في الثلاثمائة درهم ، إلا أن هذا مما خالف فيه المالكيون جمهور العلماء وهم يعظمون ذلك .
والحنفيون يبطلون السنن الصحاح - : كنفي الزاني ، وحديث لا تحرم المصة ولا المصتان ، وحديث رضاع
سالم ، وغيرها ; لزعمهم : أنها زائدة على ما في القرآن ، أو مخالفة له ، وأخذوا هاهنا بأخبار ساقطة لا يحل الأخذ بها مخصصة للقرآن مخالفة له ، ثم خالفوها مع ذلك في تخصيصهم المقعد .
وأطرف شيء احتجاجهم في تخصيص المقعد بقول الله تعالى : {
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } وهم يقولون : إن الأعرج يلزمه الحج إذا وجد زادا وراحلة وقدر على الركوب ، وكذلك الأعمى ; فخالفوا ما في الآية وحكموا بها فيما ليس فيها منه شيء ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : فلما بطل كل ما شغبوا به وجب طلب البرهان من القرآن والسنة الصحيحة فوجدنا الله تعالى قال : {
من استطاع إليه سبيلا } فكان هذا عموما لكل استطاعة بمال أو جسم هذا الذي يوجبه لفظ الآية ضرورة ، ولم يجز أن يخص من ذلك مقعد ولا أعمى ولا أعرج إذا كانوا مستطيعين الركوب ومعهم سعة ، وليس هذا من الحرج الذي أسقطه الله تعالى عنهم ; لأنه لا حرج فيه عليهم .
وأيضا : فإن هذه الآية بنص القرآن إنما نزلت في الجهاد ، وهو الذي يحتاج فيه إلى الشد والتحفظ والجري ، وكل ذلك حرج ظاهر على الأعرج والأعمى ; وأما الحج فليس فيه شيء من ذلك أصلا .
وبقي من
لا مال له ولا قوة جسم إلا أنه يجد من يحج عنه بلا أجرة أو بأجرة يقدر عليها ; فوجدنا اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله تعالى في كل ما ألزمنا إياه لا خلاف بين أحد من أهلها في أنه يقال : الخليفة مستطيع لفتح بلد كذا ، ولنصب المنجنيق عليه - وإن كان مريضا مثبتا - لأنه مستطيع لذلك بأمره وطاعة الناس له ، وكان ذلك داخلا في نص الآية .
[ ص: 32 ]
ووجدنا من السنن - : ما حدثناه
عبد الله بن يوسف نا
أحمد بن فتح نا
عبد الوهاب بن عيسى نا
nindex.php?page=showalam&ids=12282أحمد بن محمد نا
nindex.php?page=showalam&ids=12277أحمد بن علي نا
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج نا
nindex.php?page=showalam&ids=16616علي بن خشرم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
ابن شهاب نا
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن
nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن عباس : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49539أن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبي شيخ كبير عليه فريضة الله تعالى في الحج وهو لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : حجي عنه } .
ورويناه ( أيضا ) من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
عبد الله بن مسلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
ابن شهاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ( * ) أن
الخثعمية قالت لرسول الله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49540إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم ، وذلك في حجة الوداع } .
ونا
عبد الله بن ربيع نا
عبد الله بن محمد بن عثمان نا
nindex.php?page=showalam&ids=12252أحمد بن خالد نا
nindex.php?page=showalam&ids=16628علي بن عبد العزيز نا
الحجاج بن المنهال نا
nindex.php?page=showalam&ids=17353يزيد بن إبراهيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين عن
عبيد الله بن العباس قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49541كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال : يا رسول الله إن أمي عجوز كبيرة إن حزمها خشي أن يقتلها وإن لم يحزمها لم تستمسك ؟ فأمره عليه السلام أن يحج عنها } : نا
عبد الله بن ربيع نا
محمد بن معاوية نا
أحمد بن شعيب نا
إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - نا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع بن الجراح نا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
النعمان هو ابن سالم - عن
عمرو بن [ ص: 33 ] أوس عن
أبي رزين العقيلي أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49542يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة والظعن ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : حج عن أبيك واعتمر } .
رويناه أيضا : من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح عن خمسة من الصحابة رضي الله عنهم :
الفضل ،
وعبد الله ،
وعبيد الله بن العباس بن عبد المطلب -
nindex.php?page=showalam&ids=14وابن الزبير ،
وأبو رزين العقيلي .
ويزيد بن إبراهيم المذكور هو أبو سعيد التستري بصري - كان ينزل بأهله عند مقبرة
بني سهم مات سنة ( 161 هـ ) إحدى وستين ومائة ، وقيل : بل في المحرم سنة 162 هـ اثنتين وستين ومائة ثقة ثبت ، وثقه
أبو الوليد الطيالسي ،
وعبد الله بن نمير ،
[ ص: 34 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ،
وابن معين ،
وعمرو بن علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12265وأحمد بن صالح ،
nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وليس هو
nindex.php?page=showalam&ids=17353يزيد بن إبراهيم الذي يروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، ذلك ليس بالقوي .
فبين في هذه الأخبار أن من لم يكن قط صحيحا فإن فريضة الحج لازمة له إذا وجد من يحج عنه ; لأنه عليه السلام سمع قول المرأة عن أبيها : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49543إن فريضة الله تعالى أدركته وهو شيخ كبير لا يستطيع الثبات على الراحلة } ، فلم ينكر ذلك عليها ، ولا على
أبي رزين مثل ذلك في أبيه ; فصح أن الفرض باق على هذين إذا وجدا من يحج عنهما .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إنما يلزمه ذلك إذا كان له زاد وراحلة - وهذا خطأ لأنه ليس في حديث
أبي رزين : أنه كانت له راحلة ، ولا في حديث
عبيد الله بن العباس أيضا ; فهذه زيادة فاسدة .
فإن قيل : إنما جاءت هذه الأحاديث في شيخ كبير ، وعجوز كبيرة ، فمن أين تعديتم ما فيها إلى كل من لا يستطيع الحركة بزمانة ، أو مرض ولم يكن شيخا كبيرا ؟ قلنا : ليس كل شيخ كبير تكون هذه صفته وإنما يكون بهذه الصفة من غلبه الضعف ، فإنما أمر عليه السلام بذلك فيمن لا يستطيع ثباتا على الدابة وليس للشيخ هنالك معنى أصلا .
وأيضا : فإنه ليس للشيخ حد محدود إذا بلغه المرء سمي : شيخا ، ولم يسم : شيخا ، حتى يبلغه ; ودين الله تعالى لا يتسامح فيه ولا يؤخذ بالظنون الكاذبة المفتراة المشروع بها ما لم يأذن به الله تعالى ، ولو كان للشيخ في ذلك حكم لبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حده الذي به ينتقل حكمه إلى أن يحج عنه كما أثبت ذلك فيمن لا يستطيع الثبات على الراحلة ، ولا المشي إلى الحج ; فصح أنه ليس للشيخ في ذلك حكم أصلا ، وإنما الحكم للعجز عن الركوب والمشي فقط - وبالله تعالى التوفيق - فكان هذا استطاعة للسبيل مضافة إلى القوة بالجسم وبالمال .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فتعلل قوم في هذه الآثار بخبر رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
[ ص: 35 ] nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11814أبي إسحاق الشيباني عن
nindex.php?page=showalam&ids=17354يزيد بن الأصم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49544أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأحج عن أبي ؟ قال : نعم ، إن لم تزده خيرا لم تزده شرا } .
قالوا : فهذا دليل على أنه ندب لا فرض . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : وهذا لا حجة لهم فيه ; لأنه ليس فيه أن أباه كان ميتا ، ولا أنه كان عاجزا عن الركوب والمشي ولا أنه كان حج الفريضة ; بل إنما هو سؤال مطلق عن
الحج عن غيره ممن هو ممكن أن يكون قد حج عن نفسه ، أو أنه قادر على الحج ; فأجابه عليه السلام بإباحة ذلك ; وإنما في هذا الخبر جواز الحج عن كل أحد ولا مزيد ، وهو قولنا .
وأما تلك الأحاديث ففيها بيان أنها في الحج الفرض ; وأيضا : فليس قوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49544إن لم تزده خيرا لم تزده شرا } بمخرج لذلك عن الفرض إلى التطوع ; لأن هذه صفة كل عمل مفترض أو تطوع إن لم يتقبل من المرء فإنه على كل حال لا يكتب له به سيئة ; فبطل اعتراضهم بهذا الخبر ؟ وقالوا : قال الله تعالى : {
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : هذه سورة مكية بلا خلاف ، وهذه الأحاديث كانت في حجة الوداع ، فصح أن الله تعالى بعد أن لم يجعل للإنسان إلا ما سعى تفضل على عباده وجعل لهم ما سعى فيه غيرهم عنهم بهذه النصوص الثابتة .
[ ص: 36 ]
وقال بعضهم : قال الله تعالى : {
ولا تزر وازرة وزر أخرى } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : إذا أمر الله تعالى أن تزر وازرة وزر أخرى لزم ذلك ، وكان مخصوصا من هذه الآية ; وقد أجمعوا معنا على أن العاقلة لم تقتل وأنها تغرم عن القاتل ، ولم يعترضوا على ذلك بهذه الآية ، وليس هو إجماعا ; فإن
nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي لا يرى حكم العاقلة .
وأيضا : فإن الذي أتانا بهذا هو الذي افترض أن يحج عن العاجز ، والميت ، وقد قال تعالى : {
من يطع الرسول فقد أطاع الله } وهم يجيزون الحج عن الميت إذا أوصى بذلك ، والصدقة عن الحي ، والميت ، والعتق عنهما أوصيا بذلك أو لم يوصيا ، ولا يعترضون في ذلك بهذه الآية .
فإن قالوا : لما أوصى بالحج كان مما سعى ؟ قلنا لهم : فأوجبوا بذلك أن يصام عنه إذا أوصى بذلك ; لأنه مما سعى .
فإن قالوا : عمل الأبدان لا يعمله أحد عن أحد ؟ فقلنا : هذا باطل ودعوى كاذبة ، ومن أين قلتم هذا ؟ بل كل عمل إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم به أن يعمله المرء عن غيره وجب ذلك على رغم أنف المعاند فإن قالوا : قياسا على الصلاة ؟
[ ص: 37 ] قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو صح لكان هذا عليكم لا لكم ; لأنكم لا تختلفون في جواز أن يصلي المرء الذي يحج عن غيره ركعتين عند المقام عن المحجوج عنه ، فقد جوزتم أن يصلي الناس بعضهم عن بعض فقيسوا على ذلك سائر أعمال الأبدان ؟ وقالوا : لما كان الحج فيه مدخل للمال في جبره بالهدي ، والإطعام - : جاز أن يعمله بعض الناس عن بعض ؟ قلنا : ومن أين لكم هذا الحكم الذي هو كذب مفترى وشرع موضوع بلا شك ؟ ثم قد تناقضتم فيه ; لأن الصيام فيه مدخل للمال في جبره بالعتق ، والإطعام ولا فرق ، وفي وجوب زكاة الفطر من صومه ، فأجيزوا لذلك أن يعمله بعض الناس عن بعض .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : والعجب كله أن المالكيين يجيزون أن يجاهد الرجل عن غيره بجعل ، ويجيزون الكفارة عن المرأة المكرهة على الوطء في نهار رمضان على غيرها عنها ، وهو الذي أكرهها ، فأجازوا كل ذلك حيث لم يجزه الله تعالى ، ولا رسوله عليه السلام ومنعوا من جوازه حيث افترضه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : فإن موهوا بما رويناه من طريق
ابن أبي أويس : نا
محمد بن عبد الله بن كريم الأنصاري عن
إبراهيم بن محمد بن يحيى العدوي النجاري {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49545أن امرأة قالت : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتحجي عنه ، وليس لأحد بعده } .
وبما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13055عبد الملك بن حبيب حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف عن
محمد بن الكرير عن
محمد بن حبان الأنصاري : {
أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبي شيخ كبير لا يقوى على الحج فقال عليه السلام : فلتحجي عنه ، وليس ذلك لأحد بعده } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13055عبد الملك بن حبيب حدثني
هارون بن صالح الطلحي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16327عبد [ ص: 38 ] الرحمن بن زيد بن أسلم عن
ربيعة عن
محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
لا يحج أحد عن أحد إلا ولد عن والد } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : فهذه تكاذيب ، أول ذلك : أنها مرسلة ولا حجة في مرسل : والأول : فيه مجهولان لا يدرى من هما ؟ وهما
محمد بن عبد الله بن كريم ،
وإبراهيم بن محمد العدوي ؟ والآخران من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13055عبد الملك بن حبيب وكفى ; فكيف وفيه :
الطلحي ،
ومحمد بن الكرير ،
ومحمد بن حبان ، ولا يدرى من هم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وعبد الرحمن بن زيد وهو ضعيف ، وهذا خبر حرفه
عبد الملك ; لأننا رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور قال : نا
nindex.php?page=showalam&ids=16327عبد الرحمن بن زيد بن أسلم حدثني
ربيعة بن عثمان التيمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم التيمي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49548أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، أبي مات ولم يحج أفأحج عنه ؟ قال : نعم ولك مثل أجره } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=16327عبد الرحمن بن زيد عن أبيه : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49549أن رجلا قال : يا رسول الله إن أبي مات ولم يحج حجة الإسلام أفأحج عنه ؟ قال : أرأيت لو كان على أبيك دين فدعوت غرماءه لتقضيهم ؟ أكانوا يقبلون ذلك منك ؟ قال : نعم ; قال : فحج عنه فإن الله قابل من أبيك } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فاعجبوا لهذه الفضائح ونعوذ بالله من الخذلان ، ثم لو صحت لكانوا مخالفين لها ; لأنهم يجيزون الحج عن الميت إذا أوصى به ، وأن يحج عنه غير ولده ; وهو خلاف لما في هذه الآثار فهي عليهم [ لا لهم ] وتخصيصهم جواز الحج إذا أوصى به لا يوجد في شيء من النصوص ، ولا يحفظ عن أحد من الصحابة ، ولا يوجبها قياس ; لأن الوصية لا تجوز إلا فيما يجوز للإنسان أن يأمر به في حياته بلا خلاف ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فإن قالوا : قد صح من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : لا يصومن أحد عن أحد ولا يحجن أحد عن أحد .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
أفلح عن
القاسم بن محمد قال : لا يحج أحد عن أحد ؟ قلنا : نعم ، هذا صحيح عنهما ، وأنتم مخالفون لهما في ذلك ; لأنكم تجيزون
[ ص: 39 ] الحج عن الميت إذا أوصى بذلك وهو خلاف قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
والقاسم وما وجدنا قولهم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ; وصح قولنا عن طائفة من السلف .
كما روينا من طريق
الحجاج بن المنهال عن
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
مسلم القري قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : إن أمي حجت ولم تعتمر ، أفأعتمر عنها ؟ قال : نعم ; .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد فهذا لا تخصيص فيه لميت دون حي .