869 - مسألة :
ولا يحل لرجل ، ولا لامرأة ، أن يتزوج أو تتزوج ، ولا أن يزوج الرجل غيره من وليته ، ولا أن يخطب خطبة نكاح مذ يحرمان إلى أن تطلع الشمس من يوم النحر ويدخل وقت - رمي جمرة
العقبة ، ويفسخ النكاح قبل الوقت المذكور ، كان فيه دخول وطول مدة وولادة ، أو لم يكن ; فإذا دخل الوقت المذكور حل لهما النكاح والإنكاح ; وله أن يراجع زوجته المطلقة ما دامت في العدة فقط ، ولها أن يراجعها زوجها كذلك أيضا ما دامت في العدة ; وله أن يبتاع الجواري للوطء ولا يطأ - : روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
نبيه بن وهب : أن
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان بن عفان قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32085لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب } وهذا لفظ يقتضي كل ما قلناه .
والمحرم اسم يقع على الجنس ويعم الرجال والنساء ، ومراجعة المرأة [ المطلقة ] في عدتها لا يسمى نكاحا ; لأنها امرأته ، كما كانت ترثه ويرثها وتلزمه نفقتها
[ ص: 212 ] وإسكانها ، ولا صداق في ذلك ، ولا يراعى إذنها ، ولا حكم للولي في ذلك ، وأما بعد
[ ص: 213 ] انقضاء العدة فهو نكاح لا مراجعة ، ولا يكون إلا برضاهما وبصداق وولي .
وابتياع الجواري للوطء لا يسمى نكاحا ، وإنما حرم الله تعالى ما ذكرنا من النكاح والإنكاح والخطبة على المحرم .
والمحرم هو الذي يحرم عليه لباس القمص ، والعمائم ، والبرانس ، وحلق رأسه إلا لضرورة بالنص والإجماع ; فإذا صار في حال يجوز له كل ذلك فليس محرما بلا شك ، فقد تم إحرامه ، وإذا لم يكن محرما حل له النكاح والإنكاح والخطبة .
وبدخول وقت رمي الجمرة يحل له كل ما ذكرنا ، رمى أو لم يرم ، على ما ذكرنا قبل من إباحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقديم الحلق على - الرمي .
فإن
نكح المحرم أو المحرمة فسخ ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36820من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } وكذلك إن أنكح من لا نكاح لها إلا بإنكاحه فهو نكاح مفسوخ لما ذكرنا ; ولفساد الإنكاح الذي لا يصح النكاح إلا به ، ولا صحة لما لا يصح إلا بما يصح .
وأما الخطبة فإن خطب فهو عاص ولا يفسد النكاح ; لأن الخطبة لا متعلق لها بالنكاح ، وقد يخطب ولا يتم النكاح إذا رد الخاطب ، وقد يتم نكاح بلا خطبة أصلا ، لكن بأن يقول لها : انكحيني نفسك ؟ فتقول : نعم قد فعلت ، ويقول هو : قد رضيت ويأذن الولي في ذلك وبالله تعالى التوفيق .
واختلف السلف في هذا فأجاز نكاح المحرم طائفة صح ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ - وقال به
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ،
والقاسم بن محمد بن أبي بكر ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي .
وبه يقول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
وسفيان ، وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت فسخ نكاح المحرم إذا نكح .
وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عنه قال : المحرم لا ينكح ولا ينكح لا يخطب على نفسه ولا على من سواه .
وروينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب لا يجوز نكاح المحرم إن نكح نزعنا منه امرأته ; وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب - وبه يقول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبو سليمان ، وأصحابهم .
[ ص: 214 ]
واحتج من رأى نكاحه جائزا بما رويناه من طريق
الأوزاعي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49720تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم } .
وبما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49721إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهما محرمان } وكذلك رويناه أيضا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد ،
وعكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : فعارضهم الآخرون بأن ذكروا ما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة نا
nindex.php?page=showalam&ids=15684حبيب بن الشهيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران عن
زيد بن الأصم ابن أخت
nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة أم المؤمنين {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49722عن ميمونة أم المؤمنين قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فقال من أجاز نكاح المحرم : لا يعدل
nindex.php?page=showalam&ids=17354يزيد بن الأصم أعرابي بوال على عقبيه
nindex.php?page=showalam&ids=11بعبد الله بن عباس - وقالوا : قد يخفى على
ميمونة كون رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما ، فالمخبر عن كونه عليه السلام محرما زائد علما ; وقالوا : خبر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وارد بحكم زائد فهو أولى ; وقالوا في خبر
عثمان {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32085لا ينكح المحرم ولا ينكح } : إنما معناه لا يوطئ غيره ولا يطأ ; ثم اعترضوا بوساوس من القياس عورضوا بمثلها لا فائدة في ذكرها ; لأنها حماقات ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : هذا كل ما شغبوا به وكله ليس بشيء ; أما تأويلهم في خبر
عثمان رضي الله عنه أن معناه لا يطأ ولا يوطئ : فباطل وتخصيص للخبر بالدعوى الكاذبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صرفوا كلامه عليه السلام إلى بعض ما يقتضيه دون بعض وهذا لا يجوز ، قال تعالى : {
يحرفون الكلم عن مواضعه } .
ويبين ضلال هذا التأويل قوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42379ولا يخطب } فصح أنه عليه السلام أراد النكاح الذي هو العقد ; ولا يجوز أن يخص هذا اللفظ بلا نص بين .
وأما ترجيحهم خبر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على خبر
ميمونة بقولهم : لا يقرن
يزيد إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فنعم والله لا نقرنه إليه ولا كرامة ، وهذا تمويه منهم إنما روى
يزيد عن
ميمونة ، وروى أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فليسمعوا الآن إلى الحق - : نحن نقول : لا نقرن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس صبيا من صبيان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
[ ص: 215 ] ميمونة المتكئة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراش واحد في الرفيق الأعلى ، القديمة الإسلام والصحبة ، ولكن نقرن
nindex.php?page=showalam&ids=17354يزيد بن الأصم إلى أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ولا يقطع بفضلهم عليه .
وأما قولهم : قد يخفى على
ميمونة إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تزوجها فكلام سخيف ، ويعارضون بأن يقال لهم : قد يخفى على
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من إحرامه ، فالمخبرة عن كونه قد أحل زائدة علما ; فحصلنا على : قد يخفى وقد لا يخفى ؟ وأما قولهم : خبر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وارد بحكم زائد فليس كذلك ، بل خبر
عثمان هو الوارد بالحكم الزائد على ما نبين إن شاء الله تعالى ; فبطل كل ما شغبوا به ، فبقي أن نرجح خبر
عثمان ، وخبر
ميمونة على خبر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهم جميعهم .
فنقول وبالله تعالى التوفيق - : خبر
يزيد عن
ميمونة هو الحق ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وهم منه بلا شك لوجوه بينة - : أولها : أنها رضي الله عنها أعلم بنفسها من
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لاختصاصها بتلك القصة دونه ; هذا ما لا يشك فيه أحد . وثانيها :
أنها رضي الله عنها كانت حينئذ امرأة كاملة وكان
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه يومئذ ابن عشرة أعوام وأشهر فبين الضبطين فرق لا يخفى . والثالث :
أنه عليه السلام إنما تزوجها في عمرة القضاء ، هذا ما لا يختلف فيه اثنان
ومكة يومئذ دار حرب ، وإنما هادنهم عليه السلام على أن يدخلها معتمرا ويبقى بها ثلاثة أيام فقط ثم يخرج ، فأتى من
المدينة محرما بعمرة ولم يقدم شيئا ، إذ دخل على الطواف والسعي وتم إحرامه في الوقت ، ولم يختلف أحد في أنه إنما تزوجها
بمكة حاضرا بها لا
بالمدينة .
فصح أنه بلا شك إنما تزوجها بعد تمام إحرامه لا في حال طوافه وسعيه فارتفع الإشكال جملة ، وبقي خبر
ميمونة ، وخبر
عثمان ، لا معارض لهما والحمد لله رب العالمين .
[ ص: 216 ]
ثم لو صح خبر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بيقين ولم يصح خبر
ميمونة لكان خبر
عثمان هو الزائد الوارد بحكم لا يحل خلافه ، لأن النكاح مذ أباحه الله تعالى حلال في كل حال للصائم ، والمحرم ، والمجاهد ، والمعتكف ، وغيرهم ، هذا ما لا شك فيه .
ثم لما أمر عليه السلام بأن لا ينكح المحرم ، ولا ينكح ، ولا يخطب كان ذلك بلا شك ناسخا للحال المتقدمة من الإباحة ، لا يمكن غير هذا أصلا ، وكان يكون خبر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس منسوخا بلا شك لموافقته للحالة المنسوخة بيقين .
ومن ادعى في حكم قد صح نسخه وبطلانه أنه قد عاد حكمه وبطل نسخه فقد كذب أو قطع بالظن إن لم يحقق ذلك ، وكلاهما لا يحل القول به ، ولا يجوز ترك اليقين للظنون .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وقالوا : لما حل له شراء جارية للوطء ولا يطأ : حل له نكاح زوجة للوطء ولا يطأ ؟ فقلنا لهم : لو استعملتم هذا في قولكم : لا يكون صداق يستباح به الفرج أقل من عشرة دراهم ، فهلا قلتم : كما حل له استباحة فرج جارية محرمة بأن يبتاعها بدرهم حل له فرج زوجة محرمة بأن يصدقها درهما ؟ والقياسات لا يعارض بها الحق ; لأن القياس كله باطل .
وقالوا : كما جاز له أن يراجع المطلقة في عدتها جاز له ابتداء النكاح ؟ فقلنا : هذا باطل ; لأنه لو كان قياس النكاح على المراجعة حقا لوجب أن يقولوا : كما جازت المراجعة بغير إذنها ولا إذن وليها ، وبغير صداق : وجب أن يجوز النكاح بغير إذنها ولا إذن وليها وبغير صداق ، وهم لا يقولونه ، وهذه صفة قياساتهم السخيفة ؟ وأما المالكيون فإنهم أجازوا نكاح الموهوبة إذا ذكر فيه صداق ، ومنعوا من نكاح المحرم ، وهم لا يزالون يقولون في الأوامر : هذا ندب .
كقولهم في قوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31231لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ثم يتوضأ منه } إنما هو ندب .
فهلا قالوا : هاهنا في قوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32085لا ينكح المحرم ولا ينكح } : هذا ندب ؟ ولكنهم إنما يجرون على ما سنح - وبالله تعالى التوفيق .