صفحة جزء
. 945 - مسألة :

وأي الأبوين الكافرين أسلم ؟ فكل من لم يبلغ من أولادهما مسلم بإسلام من أسلم منهما - الأم أسلمت أو الأب - وهو قول عثمان البتي ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والحسن بن حي ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم كلهم .

وقال مالك ، وأبو سليمان : لا يكونون مسلمين إلا بإسلام الأب ، لا بإسلام الأم .

وقال بعض فقهاء المدينة : لا يكونون مسلمين إلا بإسلام الأم ، وأما بإسلام الأب فلا ; لأنهم تبع للأم في الحرية ، والرق لا للأب .

قال أبو محمد : ما نعلم لمن جعلهم بإسلام الأب خاصة مسلمين حجة أصلا ، ونسألهم عن قولهم في ابن المسلمة من زنا استكراه فمن قولهم : إنه مسلم بإسلامها وهذا ترك منهم لقولهم ، ووافقونا أنه إن أسلم الأبوان ، أو أحدهما ، ولهما بنون وبنات قد بلغوا مبلغ الرجال والنساء فإنهم على دينهم لا يجبرون على الإسلام - وبه نقول لقول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } والبالغ مخاطب قد لزمه حكم الكفر أو الذمة ، وليس غير البالغ مخاطبا كما قدمنا قال مالك : نعم ، ولو كان الولد حزورا قد قارب البلوغ ولم يبلغ فهو على دينه .

قال أبو محمد : وهذا خطأ فاحش ; لأنه ليس بالغا ، وما لم يكن بالغا فحكمه حكم من لم يبلغ لا من بلغ - وبالله تعالى التوفيق .

وأما من قاس الدين على الحرية والرق فالقياس كله باطل قال الله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .

فصح أنه لا يجوز تبديل دين الإسلام لأحد ولا يترك أحد يبدله إلا من أمر الله تعالى بتركه على تبديله فقط ، وقال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } ، [ ص: 383 ] فصح أنه لا يجوز أن يقبل في الدنيا ولا في الآخرة دين من أحد غير دين الإسلام إلا من أمر الله تعالى بأن يقبل منه ويقر عليه .

ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مولود يولد إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه } فصح أنه لا يكون أحد إلا على الإسلام حتى يعبر عن نفسه ; فمن أذن الله تعالى في إقراره على مفارقة الإسلام الذي ولد عليه أقررناه ، ومن لا لم نقره على غير الإسلام .

ومن طريق مسلم نا حاجب بن الوليد نا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مولود إلا يولد على الفطرة أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء } .

قال أبو محمد : فصح أنه لا يترك أحد على مخالفة الإسلام إلا من اتفق أبواه على تهويده ، أو تنصيره ، أو تمجيسه فقط ، فإذا أسلم أحدهما فلم يمجسه أبواه ، ولا نصراه ، ولا هوداه فهو باق على ما ولد عليه من الإسلام ولا بد بنص القرآن والسنة .

وقد وهل قوم في هذه الآية وهذه الأخبار وهي بينة وهي العهد الذي أخذه الله تعالى على الأنفس حين خلقها كما قال تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين }

وقد اختلف قول عطاء في هذا . فمرة قال كقولنا : إنه مسلم بإسلام أي أبويه أسلم .

ومرة قال : هم مسلمون بإسلام أمهم لا بإسلام أبيهم . [ ص: 384 ]

ومرة قال : أيهما أسلم ورثا جميعا من مات من صغار ولدهما وورثهما صغار ولدهما .

روينا هذه الأقوال كلها عن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عنه - روينا عن شعبة عن الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان أنهما قالا جميعا في الصغير يكون أحد أبويه مسلما فيموت : إنه يرثه المسلم ويصلى عليه .

ومن طريق معمر عن عمرو والمغيرة قال عمرو : عن الحسن ، وقال المغيرة : عن إبراهيم النخعي قالا جميعا في نصرانيين بينهما ولد صغار فأسلم أحدهما : إن أولاهما بهم المسلم يرثهم ويرثونه .

وقال الأوزاعي : إن أسلم جد الصغير ، أو عمه فهو مسلم بإسلام أيهما أسلم ، وقال سليمان بن موسى : الأمر فيما مضى في أولينا الذي يعمل به ولا يشك فيه ونحن عليه الآن أن النصرانيين بينها ولد صغار فأسلمت الأم ورثته كتاب الله تعالى وما بقي فللمسلمين ، فإن كان أبواه نصرانيين وهو صغير وله أخ من أم مسلم ، أو أخت مسلمة ورثه أخوه ، أو أخته كتاب الله ، ثم كان ما بقي للمسلمين . روينا هذا عنه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : أنه سمع سليمان بن موسى يقول هذا لعطاء ، وسليمان فقيه أهل الشام أدرك التابعين الأكابر . ولسنا نراه مسلما بإسلام جد ، ولا عم ، ولا أخ ، ولا أخت ، إذا اجتمع أبواه على تهويده ، أو تنصيره ، أو تمجيسه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

التالي السابق


الخدمات العلمية