[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم {
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب } ، وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وسلم .
( قال الشيخ ) الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله ونور ضريحه وهو في الحبس
بأوزجند إملاء : ( الحمد ) لله بارئ النسم ، ومحيي الرمم ومجزل القسم ، مبدع البدائع ، وشارع الشرائع دينا رضيا ، ونورا مضيا ، لتكليف المحجوجين ، ووعد المؤتمرين ، ووأد المعتدين ، بينة للعالمين ، على لسان سيد المرسلين ، وإمام المتقين خاتم النبيين ، سيدنا
محمد - صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين - . ( وبعد ) : فإن
أقوى الفرائض بعد الإيمان بالله - تعالى - طلب العلم كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=78988طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة } والعلم ميراث النبوة كما جاء في الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=78989أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر } .
والعلم علمان : علم التوحيد والصفات وعلم الفقه والشرائع .
فالأصل في علم التوحيد التمسك بالكتاب والسنة ومجانبة الهوى والبدعة كما كان عليه الصحابة والتابعون والسلف الصالحون - رضوان الله عليهم أجمعين - الذين أخفاهم التراب ، وآثارهم بتصانيفهم باقية في هذا الباب ، وقد عزمت على جمع أقاويلهم في تأليف هذا الكتاب تذكرة لأولي الألباب .
وأما علم الفقه والشرائع فهو الخير الكثير كما قال الله - عز وجل - : {
ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنه الحكمة معرفة الأحكام من الحلال والحرام وقد ندب الله - تعالى - إلى ذلك بقوله - تعالى - : {
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } فقد جعل ولاية الإنذار والدعوة للفقهاء ، وهذه درجة الأنبياء ، تركوها ميراثا للعلماء ، كما قال عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14638العلماء ورثة الأنبياء } ، وبعد انقطاع النبوة هذه الدرجة أعلى النهاية في القوة ، وهو معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37622من يرد الله به خيرا يفقهه [ ص: 3 ] في الدين } وقال عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18593خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا } ولهذا اشتغل به أعلام الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم .
( وأول ) من فرع فيه وألف وصنف سراج الأمة
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة - رحمة الله عليه - بتوفيق من الله - عز وجل - خصه به ، واتفاق من أصحاب اجتمعوا له
nindex.php?page=showalam&ids=14954كأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم بن خنيس الأنصاري رحمه الله تعالى المقدم في علم الأخبار ،
والحسن بن زيادة اللؤلؤي المقدم في السؤال والتفريع ،
nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر بن الهذيل رحمه الله بن قيس بن مكمل بن ذهل بن ذؤيب بن جذيمة بن عمرو المقدم في القياس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى المقدم في الفطنة وعلم الإعراب والنحو والحساب . هذا مع أنه ولد في عهد الصحابة رضوان الله عليهم ولقي منهم جماعة
nindex.php?page=showalam&ids=9كأنس بن مالك وعامر بن الطفيل وعبد الله بن خبر الزبيدي رضوان الله عليهم أجمعين ونشأ في زمن التابعين رحمهم الله وتفقه وأفتى معهم وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=78990خير القرون قرني الذين أنا فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد ويحلف قبل أن يستحلف } . فمن فرع ودون العلم في زمن شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله بالخير والصدق كان مصيبا مقدما ، كيف وقد أقر له الخصوم بذلك ؟ حتى قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : " الناس كلهم عيال على
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله في الفقه " .
( وبلغ )
ابن سريج رحمه الله وكان مقدما من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله أن رجلا يقع في
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله فدعاه وقال : يا هذا أتقع في رجل سلم له جميع الأمة ثلاثة أرباع العلم وهو لا يسلم لهم الربع . قال : وكيف ذلك ؟ قال : الفقه سؤال وجواب وهو الذي تفرد بوضع الأسئلة فسلم له نصف العلم ثم أجاب عن الكل ، وخصومه لا يقولون إنه أخطأ في الكل فإذا جعلت ما وافقوه مقابلا بما خالفوه فيه سلم له ثلاثة أرباع العلم وبقي الربع بينه وبين سائر الناس . فتاب الرجل عن مقالته .
( ومن ) فرغ نفسه لتصنيف ما فرعه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله فإنه جمع المبسوط لترغيب المتعلمين والتيسير عليهم ببسط الألفاظ وتكرار المسائل في الكتب ليحفظوها شاءوا أو أبوا إلى أن رأى الحاكم الشهيد
أبو الفضل محمد بن أحمد المروزي رحمه الله إعراضا من بعض المتعلمين عن قراءة المبسوط لبسط في الألفاظ وتكرار في المسائل فرأى الصواب في تأليف المختصر بذكر معاني كتب
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن رحمه الله المبسوطة فيه وحذف المكرر من مسائله ترغيبا للمقتبسين ونعم ما صنع .
[ ص: 4 ] قال الشيخ الإمام ) رحمه الله تعالى ثم إني رأيت في زماني بعض الإعراض عن الفقه من الطالبين لأسباب : فمنها قصور الهمم لبعضهم حتى اكتفوا بالخلافيات من المسائل الطوال ، ومنها ترك النصيحة من بعض المدرسين بالتطويل عليهم بالنكات الطردية التي لا فقه تحتها ، ومنها تطويل بعض المتكلمين بذكر ألفاظ الفلاسفة في شرح معاني الفقه وخلط حدود كلامهم بها . ( فرأيت ) الصواب في تأليف شرح المختصر لا أزيد على المعنى المؤثر في بيان كل مسألة اكتفاء بما هو المعتمد في كل باب ، وقد انضم إلى ذلك سؤال بعض الخواص من زمن حبسي ، حين ساعدوني لأنسي ، أن أملي عليهم ذلك فأجبتهم إليه . ( وأسأل ) الله - تعالى - التوفيق للصواب ، والعصمة عن الخطأ وما يوجب العقاب ، وأن يجعل ما نويت فيما أمليت سببا لخلاصي في الدنيا ونجاتي في الآخرة إنه قريب مجيب .