كتاب فرائض الخنثى
( قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله ) اعلم بأن الله تعالى خلق بني
آدم ذكورا وإناثا كما قال الله تعالى {
وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } وقال تعالى {
يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور } ثم بين حكم الذكور وحكم الإناث في كتابه ولم يبين حكم شخص هو ذكر وأنثى فعرفنا بذلك أنه لا يجمع الوصفان في شخص واحد وكيف يجتمعان وبينهما مغايرة على سبيل المضادة ،
[ ص: 92 ] وجعل علامة التمييز عند الولادة الآلة إلى أن يتبين سائر العلامات بمضي الزمان ، ثم قد يقع الاشتباه عند الولادة من وجهين :
أحدهما : بالمعارضة بأن يوجد في المولود الآلتان جميعا فيقع الاشتباه إلى أن تترجح إحداهما بخروج البول منه .
والوجه الثاني : أن تنعدم آلة التمييز أصلا بأن لا يكون للمولودة آلة الرجال ولا آلة النساء وهذا أبلغ جهات الاشتباه ولهذا بدأ الكتاب به ورواه عن
الشعبي رحمه الله أنه سئل عن مولود ولد وليس بذكر ولا أنثى وليس له ما للأنثى وليس له ما للذكر يخرج من سرته كهيئة البول الغليظ فسئل عن ميراثه فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه له نصف حظ الأنثى ونصف حظ الذكر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله وهذا عندنا والخنثى المشكل في أمره سواء والمراد إذا مات قبل أن يدرك فيتبين حاله بنبات اللحية أو بنبات الثديين .
اختلف العلماء رحمهم الله في حكم
الخنثى المشكل في الميراث فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف الأول رحمه الله يجعل في الميراث بمنزلة الأنثى إلا أن يكون أسوأ حاله أن يجعل ذكرا فحينئذ يجعل ذكرا وفي الحاصل يكون له شر الحالين وأقل النصيبين ، وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف الآخر له نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى وهو أقرب من قول
الشعبي على ما نبينه ، أما بيان
الحالة التي تكون الذكورة فيه شرا له بأن
تركت المرأة زوجا وأختا لأب وأم وشخصا لأب هو بهذه الصفة مشكل فإن جعل ذكرا لم يرث شيئا ; لأن نصف الميراث للزوج والنصف للأخت لأب وأم فلم يبق للأخ لأب شيء ولو جعل أنثى كان للزوج النصف وللأخت لأب وأم النصف وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين فتعول بسهم والقسمة من سبعة فعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله يجعل ذكرا في هذه الحالة ولا شيء له ، وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف الآخر له سهم من أربعة عشر نصف ميراثها أن لو كانت أنثى ، وكذلك لو
تركت زوجا وأما وأخا لأم وشخصا هو مشكل لأب وأم فإن جعل هذا المشكل ذكرا فللزوج النصف وللأم السدس وللأخ لأم الثلث ولم يبق للأخ لأب وأم شيء ، وإن كانت أنثى فلها النصف ثلاثة ; لأنها أخت لأب وأم وتعول فريضة المسألة بثلاثة
nindex.php?page=showalam&ids=11990فعندهما يجعل ذكرا ولا شيء له ، وفي قياس قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف الآخر لها ثلاثة من ثمانية عشر نصف ميراثها وأن لو كانت أنثى ، وبيان الحال الذي تكون الأنوثة فيه شرا لها ظاهر فإنه لو ترك ابنة وعصبته وولدا هو مشكل فإن كان هذا المشكل ذكرا فله الثلثان ، وإن كان أنثى فله الثلث فيجعل أنثى في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد ، وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف الآخر نصف في كل حالة نصف الثلثين ونصف
[ ص: 93 ] الثلث فيكون له في الحال نصف المال وللابنة الثلث والباقي وهو السدس للعصبة .
وجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أن متردد والأصل في المسائل اعتبار الأحوال عند التردد ويتوزع المستحق على الأحوال كما في الطلاق المبهم والعتاق المبهم إذا طلق إحدى نسائه الأربع قبل الدخول ، ثم مات يسقط نصف صداقها ويتوزع عليهن باعتبار الأحوال ، وكذلك الميراث بينهن باعتبار الأحوال فكذلك هنا يعتبر الأحوال بل أولى ; لأن الاشتباه هنا أكثر والحاجة إلى اعتبار الأحوال بمعنى الاشتباه .
ووجه
nindex.php?page=showalam&ids=11990قولهما هو أن اعتبار الأحوال ينبني على التيقن بالسبب وسبب استحقاق الميراث الفرضية والعصوبة ولا يتيقن بواحد من السببين بهذا المشكل وبدون التيقن بالسبب لا يعتبر الأحوال لكن لا يعطى إلا القدر الذي يتيقن بأنه مستحق له بخلاف الطلاق والعتاق فقد تيقنا بالسبب المسقط لنصف الصداق هناك وبالسبب الموجب لعتق رقبته ، وإنما وقع الشك في المستحق كذلك فبعد التيقن بالسبب يصار فيه إلى اعتبار الأحوال .
ولو
مات وترك ولدا خنثى وعصبة ، ثم مات الولد قبل أن يستبين أمره ومن الاستبانة البول فإن كان يبول من إحدى المبالين فالحكم لذلك ، وإن كان يبول منهما فمن أيهما أسبق فإن خرجا معا ففيه اختلاف يأتيك بيان هذا في كتاب الخنثى ، وإنما الكلام هنا في الميراث فعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أولا لا يعطى إلا ميراث جارية وذلك نصف المال والباقي للعصبة ، وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف الآخر له ثلاثة أرباع المال إما لأنه يستحق الكل في حال والنصف في حال فيعطى نصف الكل ونصف النصف أو لأن النصف اثنان والنصف الآخر يثبت في حال دون حال فيتنصف فله ثلاثة أرباع المال والباقي للعصبة ، فإن كان للميت مع ذلك ابن معروف فعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد للذكر مثل حظ الأنثيين ; لأن أسوأ الحال للخنثى أن يكون أنثى وتكلموا فيما إذا كان الخنثى حيا بعد توهم أن يتبين أمره في الثاني أنه كيف يقسم المال بينهما فمنهم من يقول يدفع الثلث إلى الخنثى والنصف إلى الابن ويوقف السدس كما في الحمل والمفقود فإنه يوقف نصيبهما إلى أن يتبين حالهما ، وأكثرهم على أنه يدفع ذلك إلى الابن ; لأن سبب استحقاقه لجميع المال وهو البنوة معلوم فإنما ينتقص من حقه لمزاحمة الغير والخنثى ما زاحمه إلا في الثلث فما وراء ذلك يبقى مستحقا له .
يوضحه أنا حكمنا بكون الخنثى أنثى حين أعطيناه الثلث مع الابن وبعد ما حكمنا بالأنوثة في حقه يعطى الذكر ضعف ما يعطى الأنثى وبه فارق الحمل والمفقود فإنا لم نحكم فيها بشيء من موت أو حياة فلهذا يوقف نصيبهما
[ ص: 94 ] وإذا دفع الثلثين إلى الابن هل يوجد منه الكفيل ؟ قال بعض مشايخنا رحمهم الله على الخلاف المعروف فإن القاضي إذا دفع المال إلى الوارث المعروف لم يأخذ منه كفيلا في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وعندهما يحتاط في أخذ الكفيل منه ، وقيل بل هنا يحتاط في أخذ الكفيل عندهم جميعا ; لأنه إن تبين علامة الذكورة في الخنثى كان هو المستحق لما زاد على النصف مما أخذه الابن فيحتاط لحقه بأخذ الكفيل من الابن ، وإنما لم يجوز
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة أخذ الكفيل للمجهول وهنا إنما يؤخذ الكفيل لمعلوم فهو طريق مستقيم يصون به القاضي قضاءه وينظر لمن هو عاجز عن النظر لنفسه وهو الخنثى فيأخذ من الابن كفيلا لذلك ، فإن تبين أن الخنثى ذكر استرد ذلك من أخيه ، وإن تبين أنه أنثى فالمقبوض سالم للابن ، وأما في قياس قول
الشعبي فقد اختلف
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد في
القسمة بين الخنثى والابن المعروف قال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف رحمه الله قياس قوله أن يكون المال بينهما على اثني عشر سهما للابن المعروف سبعة وللخنثى خمسة .
أما بيان قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد فظاهر ; لأن الخنثى إن كان ذكرا فالمال بينهما نصفين ، فإن كان أنثى فالمال بينهما أثلاثا فيعطيه نصف كل حالة فاحتجنا إلى حساب ينقسم نصفه نصفين وثلثه نصفين وأقل ذلك اثنا عشر ، فإن كان الخنثى ذكرا فله الستة من اثني عشر ، وإن كان أنثى فله أربعة ، وإما أن تقول له نصف أربعة وهو سهمان ونصف ستة وهو ثلاثة وذلك خمسة وللابن نصف ثمانية وهو أربعة ونصف ستة وهو ثلاثة فيكون سبعة أو تقول الثلث متيقن به للخنثى وهو أربعة وما زاد على ذلك إلى تمام النصف وذلك سهمان يثبت في حال دون حال فينتصف فيكون له خمسة والباقي وهو سبعة للابن فقد فسر
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد قول
الشعبي بهذا ولم يأخذ به ، وأما بيان قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لقول
الشعبي أن يقول الخنثى في حال ابن ، وفي حال ابنة فالابنة في الميراث نصف الابن فيجعل له نصف كل حال فيكون ثلاثة أرباع ابن فكأنه اجتمع ابن وثلاثة أرباع ابن فيجعل لكل ربع من الابن سهما فللابن الكامل أربعة أسهم ولثلاثة أرباع ابن ثلاثة فذلك سبعة أو يقول إن الله تعالى جعل للذكر مثل حظ الأنثيين فكأن الذكر بمنزلة الأنثيين ، وإحدى الأنثيين في حق الخنثى معلوم والأنثى الأخرى ثابتة في حال دون حال فينتصف فيكون الخنثى بمنزلة أنثى ونصف .
ولو تصور
اجتماع ابنة ونصف مع ابنة فإنه يكون المال على سبعة أسهم للابن أربعة ، وللابنة ونصف ثلاثة فهاهنا أيضا يقسم المال بينهما على سبعة أسهم للابن أربعة وللابنة ونصف ثلاثة ، وأشار في الأصل إلى رجوع
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف إلى التفسير الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله
[ ص: 95 ] لقول
الشعبي قالوا وهذا غلط والصحيح أن رجوعه إلى التفسير الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف فإنه رجع إلى قول
الشعبي رحمه الله ثم فسر قوله بما ذكرنا عنه .