( قال
وليس يجب على الفقيه أن يحدث بكل ما سمع إلا لغائب حضر خروجه ممن يعلم أنه لم يشتهر في أهل مصره ) يعني بهذا أن أصل البيان واجب ، ولكن الوقت موسع ، وإنما يتضيق عند خوف الفوت كما بينا في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ رضي الله عنه والذي أتاه كان قصده أن يتعلم منه ما لم يشتهر في مصره مما فيه منفعة للناس حتى يفتيهم بذلك إذا رجع إليهم قال الله تعالى {
فلولا نفر من كل فرقة } الآية فما لم يعزم على الرجوع كان الوقت في التعليم واسعا على المعلم ، وإذا عزم على الخروج ، فقد
[ ص: 264 ] تضيق الوقت فلا يسعه تأخير البيان بعد ذلك بمنزلة الصلاة بعد دخول الوقت فرض ، ولكن الوقت واسع ، فإذا بلغ آخر الوقت تضيق فلا يسعه التأخير بعد ذلك ، وهذا فيما لم يشتهر في أهل مصر فأما فيما اشتهر فيهم فلا حاجة ولا ضرورة ; لأن الراجع يتمكن من تحصيل ذلك لنفسه من علماء أهل مصر ، وأهل مصر يتوصلون إلى ذلك من جهة علمائهم دون هذا الراجع إليهم والمؤمنون كنفس واحدة يعني إذا تألم بعض الجسد تألم الكل ، وإذا نال الراحة بعض الجسد اشترك في ذلك الأعضاء ، فإذا كان مشهورا في أهل مصر لا يندرس بامتناع هذا العالم من البيان له ، وإذا لم يكن مشهورا فيهم فترك البيان يؤدي إلى الاندراس في حقهم فكما لا يحل له أن يترك البيان لأهل مصر حتى يندرس فكذا لا يحل ترك البيان للذي ارتحل إليه من موضع آخر لهذا المقصود ، وهو غير مشهور في أهل مصر ثم إن الله تعالى خلق أولاد
آدم عليه السلام خلقا لا تقوم أبدانهم إلا بأربعة أشياء الطعام والشراب واللباس والكن ، أما الطعام فقال الله تعالى {
وما جعلناهم جسدا } الآية وقال عز وجل {
كلوا من طيبات ما رزقناكم } ، وأما الشراب فقال الله تعالى {
وجعلنا من الماء كل شيء حي } وقال جل وعلا {
وكلوا واشربوا } ، وأما اللباس فقال الله تعالى {
يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا } وقال الله تعالى {
خذوا زينتكم عند كل مسجد } الآية ، وأما الكن فلأنهم خلقوا خلقا لا تطيق أبدانهم معه أذى الحر والبرد ، ولا تبقى على شدتهما قال الله تعالى {
وخلق الإنسان ضعيفا } فيحتاج إلى دفع أذى الحر والبرد عن نفسه لتبقى نفسه فيؤدي بها ما تحمل من أمانة الله تعالى ، ولا يتمكن من ذلك إلا بكن فصار الكن لهذا بمعنى الطعام والشراب