فأما
إذا تزوج ذات رحم محرم منه من أم أو بنت أو أخت فإنه لا يتعرض له في ذلك ، وإن علمه القاضي ما لم يترافعوا إليه في قول
أبي يوسف رحمه الله تعالى الآخر وذكر في كتاب الطلاق أنه يفرق بينهما إذا علم بذلك ; لما روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله أن فرقوا بين
المجوس وبين محارمهم ، وامنعوهم من الرمرمة إذا أكلوا ، ولكنا نقول : هذا غير مشهور ، وإنما المشهور ما كتب به
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري رضي الله تعالى عنهما ما بال الخلفاء الراشدين تركوا
أهل الذمة ، وما هم عليه من نكاح المحارم ، واقتناء الخمور والخنازير فكتب إليه إنما بذلوا الجزية ; ليتركوا ، وما يعتقدون ، وإنما أنت متبع ولست بمبتدع ، والسلام .
ولأن الولاة والقضاة من ذلك الوقت إلى يومنا هذا لم يشتغل أحد منهم بذلك مع علمهم أنهم يباشرون ذلك ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله تعالى : لهذه الأنكحة فيما بينهم حكم الصحة ، ولهذا قال : يقضى لها بنفقة النكاح إذا طلبت ، ولا يسقط إحصانه إذا دخل بها حتى إذا أسلم يحد قاذفه ، وقال
أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمه الله تعالى : هو باطل في حقهم ، ولكنا لا نتعرض لهم في ذلك ; لمكان عقد الذمة ، وهذا لأن الخطاب بحرمة هذه الأنكحة شائع في دار الإسلام ، وهم من أهل دار الإسلام فيكون الخطاب ثابتا في حقهم ; لأنه ليس في وسع المبلغ التبليغ إلى كل واحد ، وإنما في وسعه جعل الخطاب شائعا فيجعل شيوع الخطاب بمنزلة البلوغ إليهم ، ولكن لا نتعرض لهم ; لمكان عقد الذمة ألا ترى أنهم لا يتوارثون بهذه الأنكحة ، ولو كانت صحيحة في حقهم لتوارثوا بها ، وأما الخمر والخنزير فقد قيل : الحرمة بخطاب خاص في حق المسلمين ، وهو قوله تعالى {
يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } إلى قوله تعالى {
فهل أنتم منتهون } ، وقيل : ليس من ضرورة الحرمة سقوط المالية والتقوم ، فالمال قد يكون حراما ، وقد يكون
[ ص: 40 ] حلالا ، وإنما تنبني المالية على التمول ، وهم يتمولون ذلك فأما من ضرورة حرمة المحل بطلان النكاح ، وقد ثبتت الحرمة في حقهم كما بينا
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : لو تزوج مجوسية صح بالاتفاق ، والمجوسية محرمة النكاح بخطاب الشرع كذوات المحارم .
، وإنما حكمنا بجوازه بينهم ; لأن الخطاب في حقهم كأنه غير نازل فإنهم يكذبون المبلغ ، ويزعمون أنه لم يكن رسولا ، وقد انقطعت ولاية الإلزام بالسيف أو بالحاجة ; لمكان عقد الذمة فصار حكم الخطاب قاصرا عنهم ، وشيوع الخطاب إنما يعتبر في حق من يعتقد كون المبلغ رسولا فإذا اعتقدوا ذلك بأن أسلموا ثبت حكم الخطاب في حقهم ، فأما قبل ذلك لما قصر الخطاب عنهم بقي حكم المنسوخ في حقهم ما لم يثبت الناسخ ، كما بقي حكم جواز الصلاة إلى
بيت المقدس في حق أهل
قباء لما لم يبلغهم الخطاب بالتوجه إلى
الكعبة ، فإذا ثبت حكم صحة الأنكحة بهذا الطريق ثبت به ما هو من ضرورة صحة النكاح كالنفقة ، وبقاء الإحصان ، وأما الميراث فليس استحقاق الميراث من ضرورة صحة النكاح فقد يمتنع التوارث بأسباب كالرق ، واختلاف الدين مع أن التوارث : إنما يستحق الميراث على المورث بعد موته ، وحكم اعتقاده بخلاف الشرع سقط اعتباره بالموت ; لعلمنا أنه قد تيقن بذلك ، ولما أشار الله تعالى إليه في قوله {
وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } فلا يكون اعتقاد الوارث معتبرا في الاستحقاق عليه ، فلهذا لا يرثه بخلاف النفقة في حال الحياة ، وبقاء الإحصان .
إذا ثبتت هذه القاعدة فنقول عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : إن رفع أحدهما الأمر إلى القاضي وطلب حكم الإسلام لم يفرق بينهما إذا كان الآخر يأبى ذلك
وعندهما يفرق بينهما ; لأن أصل النكاح كان باطلا ، ولكن ترك التعرض كان للوفاء بعقد الذمة فإذا رفع أحدهما الأمر ، وانقاد لحكم الإسلام كان هذا بمنزلة ما لو أسلم أحدهما ، ولو أسلم أحدهما فرق القاضي بينهما فكان إسلام أحدهما كإسلامهما ، فكذلك رفع أحدهما إليه كمرافعتهما ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : أصل النكاح كان صحيحا فرفع أحدهما إلى القاضي ، ومطالبته بحكم الإسلام لا يكون حجة على الآخر في إبطال الاستحقاق الثابت له باعتقاده بل اعتقاده يكون معارضا لاعتقاد الآخر فبقي حكم الصحة على ما كان بخلاف ما إذا أسلم أحدهما فإن الإسلام يعلو ، ولا يعلى فلا يكون اعتقاد الآخر معارضا لإسلام المسلم منهما ، وبخلاف ما إذا رفعا ; لأنهما انقادا لحكم الإسلام فيثبت حكم الخطاب في حقها بانقيادهما له ، وإليه أشار الله تعالى في قوله : {
فإن جاءوك فاحكم بينهم } .
فتكون مرافعتهما كإسلامهما ، وبعد
[ ص: 41 ] إسلامهما يفرق بينهما ; لأن المحرمية كما تنافي ابتداء النكاح تنافي البقاء بعدما انعقد صحيحا كما لو اعترضت المحرمية في نكاح المسلمين برضاع أو مصاهرة