( قال : )
وإن كان الزوج أجر الصداق فالأجر له ; لأن الصداق في يده مضمون بنفسه كالمغصوب ، والغاصب إذا أجر المغصوب فالأجر له ، ولكن يتصدق به ; لأنه حصل له بكسب خبيث ، فكذلك الزوج ، وهذا عندنا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى
[ ص: 71 ] الأجر لها بناء على أصله أن المنافع عنده مال ، والأجر بدل ما هو مال لها ، فيكون بمنزلة العقر وأرش الطرف ، وعندنا المنافع ليست بمال متقوم ، وإنما تتقوم بالعقد ، والعاقد هو الزوج فكان الأجر له ; لأنه بعقده صير ما ليس بمتقوم من ملك الغير متقوما ، فهو كمن صنع كوزا من تراب غيره وباعه يكون الثمن له .
( قال : ) فإن ولدت أو اكتسبت مالا قبل التسليم فذلك كله للمرأة معها .
والحاصل أن
الزيادة في الصداق قبل القبض نوعان : متصلة ومنفصلة .
فالمتصلة : كالسمن في الجارية وانجلاء البياض عن العين .
والزيادة المنفصلة : إما متولدة من العين كالولد ، والثمار ، والعقر ، وإما غير متولدة من العين كالكسب والغلة ، وذلك كله يسلم للمرأة إذا دخل بها الزوج أو مات عنها ; لأنه يملك بملك الأصل ، وملك الأصل كان سالما لها ، وقد تقرر ذلك بالموت والدخول ، فكذلك الزيادة ، وأما إذا طلقها قبل الدخول بها فالزيادة المتولدة منفصلة كانت أو متصلة تتنصف بالطلاق مع الأصل ; لأنها في حكم جزء من العين ، والحادث من الزيادة بعد العقد قبل القبض كالموجود وقت العقد بدليل المبيعة ، فإن الزيادة المتولدة هناك كالموجود وقت العقد حتى يصير بمقابلتها شيء من الثمن عند القبض .
فأما الكسب والغلة لا تتنصف بالطلاق قبل الدخول بل يسلم الكل لها في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وأما في قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله تعالى تتنصف مع الأصل ، وكذلك لو جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول حتى يبطل ملكها عن جميع الصداق يسلم لها الكسب في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وعندهما يدور الكسب مع الأصل ، وكذلك المبيع قبل القبض إذا اكتسب كسبا ثم انفسخ البيع بهلاك المبيع قبل القبض عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله تعالى يسلم الكسب للمشتري ، وعندهما هو للبائع ، وحجتهما في ذلك أن الكسب زيادة منفصلة عن الأصل فيكون قياس الولد فكما لا يسلم ذلك لها بعد ما بطل ملكها عن الأصل ، فكذلك هذا ; وهذا لأن بطلان ملكها عن الأصل بحكم انفساخ السبب فيه ، والزيادة إنما تملك بملك الأصل متولدة كانت أو غير متولدة ، فبعد ما انفسخ سبب الملك لها في الأصل لا يبقى سببا لملك الزيادة لها
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : السبب الذي به ملكت الكسب لم ينفسخ فيبقى ملك الكسب لها كما قبل الطلاق ، وبيان ذلك أن سبب ملك الكسب إما قبول العبد الهبة أو إجارته نفسه ، واكتسابه من حيث الاحتطاب ، والاحتشاش وشيء من هذه الأسباب لا ينفسخ بالطلاق ، وتأثيره أن الاكتساب يوجب الملك للمكتسب ، ولكن إذا لم يكن
[ ص: 72 ] المكتسب من أهل الملك فمن يخلفه ، وهو مولاه يقوم مقامه في الملك بذلك السبب ; لوصلة الملك بينهما وقت الاكتساب ، ثم ببطلان ملكه في الأصل بعد ذلك لا يتبين أنه لم يخلفه في الملك بذلك السبب ، وليس الكسب بمنزلة الزيادة المتولدة ; لأن المتولد جزء من الأصل يسري إليه ملك الأصل إلا أن يكون مملوكا بسبب حادث ، ألا ترى أن ولد المكاتبة يكون مكاتبا ، وكسبها لا يكون مكاتبا ، وولد المبيعة قبل القبض يكون مبيعا يقابله حصة من الثمن عند القبض ، وكسب المبيع لا يكون مبيعا فلا يقابله شيء من الثمن ، وإن قبض مع الأصل فظهر الفرق بينهما ، وكذلك لو
قبضت المرأة الأصل مع الزيادة المتولدة ثم طلقها قبل أن يدخل بها يتنصف الأصل والزيادة .
لأن حكم التنصف عند الطلاق ثبت في الكل حين كانت الزيادة حادثة قبل القبض فلا يسقط ذلك بقبضها ، ولو كانت قبضت الأصل قبل حدوث الزيادة ثم حدثت الزيادة في يدها ثم طلقها قبل الدخول فإن كانت الزيادة غير متولدة كالكسب والغلة ، فهو سالم لها وردت نصف الأصل على الزوج ; لأن حدوث الكسب كان بعد تمام ملكها ويدها فيكون سالما لها ، وإن لزمها رد الأصل أو بعضه كالمبيع إذا اكتسب في يد المشتري ثم رد الأصل بالعيب يبقى الكسب سالما له ; وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14150الخراج بالضمان } ، وقد كان الصداق في ضمانها فمنفعته تسلم لها ، والكسب بدل المنفعة فأما إذا كانت الزيادة متولدة من العين فإن كانت منفصلة كالولد والثمار ; يمنع تنصف الأصل بالطلاق وعود الكل إليه إذا جاءت الفرقة من قبلها ، ولكن للزوج عليها نصف قيمة الأصل أو جميع قيمته يوم دفع إليها ، وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر رحمه الله تعالى : يتنصف الأصل مع الزيادة بالطلاق ، ويعود الكل إلى الزوج إذا جاءت الفرقة من قبلها ; لأن بقبضها لا يتأكد ملكها ما لم يدخل بها ، بل توهم عود النصف إلى الزوج بالطلاق أو الكل إذا جاءت الفرقة من قبلها ثابت فيسري ذلك الحق إلى الزيادة بمنزلة المشتراة شراء فاسدا إذا قبضها المشتري ، وازدادت زيادة منفصلة فإن البائع يستردها بزيادتها وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمهما الله تعالى قال : في الطلاق يرجع الزوج عليها بنصف قيمة الأصل ، وعند ردتها يسترد منها الأصل مع الزيادة ; لأن الردة تفسخ السبب مع الأصل فيكون الرد بحكم انفساخ السبب بمنزلة الرد بسبب فساد البيع ، وهنا كحكم الرد يثبت في الأصل والزيادة ، فأما الطلاق حل العقد ، وليس بفسخ له من الأصل فلا يثبت حق الزوج في الزيادة التي لم تكن في ملكه ، ولا في يده .
ويتعذر
[ ص: 73 ] تنصف الزيادة بتعذر تنصف الأصل ، ووجه ظاهر الرواية أنها ملكت الصداق بالعقد ، وتم ملكها بالقبض فالزيادة حدثت على ملك تام لها ، وحكم التنصف عند الطلاق إنما يثبت في المفروض في العقد ، والزيادة ما كانت مسماة في العقد لا حقيقة ، ولا حكما إذا لم يرد عليها القبض المستحق بالعقد فتعذر تنصفها ، وهي جزء من العين فيتعذر تنصفها بتعذر تنصف العين كالزيادة المنفصلة في المبيع تمنع رد الأصل بالعيب إذا كان حادثا بعد القبض ، وهذا بخلاف الزيادة المنفصلة في الموهوب فإنه لا يمنع الواهب من الرجوع في الأصل ; لأن الهبة عقد تبرع ، فإذا رجع في الأصل بقيت الزيادة للموهوب له بغير عوض ، وقد كان الأصل سالما بغير عوض فيجوز أن تسلم الزيادة له أيضا بغير عوض ، فأما البيع ، والنكاح معاوضة فبعد تعذر رد الزيادة لو أثبتنا حكم الرد في الأصل بقيت الزيادة سالمة بغير عوض ، وهو جزء من الأصل فلا يجوز أن يسلم الملك بغير عوض بعد رفع عقد المعاوضة بينهما فإذا تعذر تنصيف الأصل وجب عليها نصف القيمة للزوج ; لتعذر رد العين بعد تقرر السبب الموجب له ، وإنما دخل الصداق في ضمانها بالقبض فلهذا كان المعتبر القيمة وقت القبض ، فأما إذا كانت الزيادة متصلة كالسمن ، والجمال وانجلاء البياض فطلقها قبل أن يدخل بها عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف رحمهما الله تعالى هذا ، والزيادة المنفصلة سواء ، وللزوج عليها نصف قيمة الصداق يوم قبضت ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر رحمهما الله تعالى يتنصف الأصل بزيادته ، وحجتهما في ذلك أن النكاح عقد معاوضة ، والزيادة المتصلة لا عبرة بها في عقود المعاوضات كما في البيع لو اشترى جارية بعبد ، وقبض الجارية فازدادت زيادة متصلة ثم هلك العبد قبل التسليم أو رده المشتري بعيب يسترد الجارية بزيادتها بخلاف ما لو كانت الزيادة منفصلة .
وهذا لأن الزيادة المتصلة بمنزلة الشعر ، ألا ترى أنها لو حدثت قبل القبض لا ينقسم الثمن باعتبارها كزيادة الشعر فكذلك في الصداق ، وهذا بخلاف الموهوبة فإن الزيادة المتصلة فيها تمنع الرجوع ; لأن الهبة ليست بعقد ضمان فالقبض بحكمه لما لم يوجب ضمان العين على الموهوب له لم يبق للواهب حق في العين حتى تسري إلى الزيادة ، وإذا تعذر الرجوع في الزيادة تعذر في الأصل ; لأن الأصل لا ينفصل عن الزيادة فأما قبضها الصداق قبض ضمان وثبوت الضمان لحق الزوج فيه يتبين بقاء حق الزوج في الأصل فيسري إلى الزيادة كما في البيع
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا : هذه الزيادة حدثت من ملك صحيح تام لها
[ ص: 74 ] فيكون سالما لها بكل حال كالزيادة المنفصلة .
وإذا تعذر تنصف الزيادة تعذر تنصف الأصل لما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله تعالى : والدليل عليه أن الصداق في حكم الصلة من وجه ; لأنها تملكه لا عوضا عن مال يستحق عليها ، والزيادة المتصلة في الصلات تمنع رد الأصل كالموهوب ، وتأثير الزيادة المتصلة في الصلات أكثر من تأثير الزيادة المنفصلة حتى أن الزيادة المنفصلة في الهبة لا تمنع الرجوع ، والمتصلة تمنع ثم الزيادة المنفصلة هنا تمنع تنصف الأصل فالمتصلة أولى ، فأما البيع فالصحيح أن عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف رحمهما الله تعالى الزيادة المتصلة هناك تمنع فسخ العقد من الأصل كالمنفصلة ، وما ذكر في المأذون فهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله تعالى خاصة ، وقد نص في كتاب البيوع على أن الزيادة المتصلة تمنع الفسخ بالتحالف عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف رحمهما الله تعالى كالزيادة المنفصلة ، ولو كان حدوث الزيادة في يدها بعدما طلقها الزوج قبل الدخول يتنصف الأصل مع الزيادة ; لأن بالطلاق صار رد نصف الأصل مستحقا عليها فيسري ذلك إلى الزيادة كالمشترى شراء فاسدا يرد بزيادته المتصلة والمنفصلة ، بخلاف ما قبل الطلاق .