باب نكاح الإماء والعبيد ( قال : ) رضي الله عنه وللرجل
الحر إذا لم يكن تحته حرة أن يتزوج أربعا من الإماء عندنا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله تعالى عنه ليس للحر أن يتزوج إلا أمة واحدة ، والخلاف بيننا وبينه في فصول .
( أحدها : ) أن
الحر إذا لم يكن تحته حرة ، ولكنه قادر على طول الحرة عندنا له أن يتزوج الأمة والأولى أن لا يفعله ، وعنده ليس له أن يتزوج أمة لقوله تعالى : {
ومن لم يستطع منكم طولا } الآية إلى قوله تعالى : {
ذلك لمن خشي العنت منكم } فالله تعالى شرط لجواز نكاح الأمة عدم طول الحرة ، والتعليق بالشرط يقتضي الفصل بين الوجود والعدم ، ثم بين أن نكاح الأمة للحر لضرورة خوف الزنا على نفسه ، وذلك إنما يكون عند عدم طول الحرة ، والمعنى فيه أن في تزوج الحر الأمة تعريض ولده للرق ; لأن الولد جزء منه وهو تابع للأم في الرق ، وكما لا يجوز له أن يعرض نفسه للرق لا يجوز له أن يعرض ولده للرق من غير ضرورة ، ولهذا المعنى لا يجوز نكاح الأمة إذا كان تحته حرة ، فكذلك إذا كان قادرا على طول الحرة ، ولا يبعد أن يمتنع النكاح عليه لحق الولد .
ألا ترى أنه لا يتزوج المعتدة من الغير لما فيه من اشتباه نسب
[ ص: 109 ] الولد ، ولأن نكاح الأمة بدل في حق الحر ; لأن عقد النكاح عقد ازدواج وهو ينبني على المساواة في الأصل ، ولا مساواة بين الحر والأمة فكان نكاح الأمة في معنى البدل ، فكما أن وجود الأصل يمنع العدول إلى البدل فكذلك للقدرة على تحصيله كالتيمم ، فإن وجود الماء كما يمنع التيمم فالقدرة على تحصيله بالشراء تمنع وحجتنا في ذلك قوله تعالى : {
فانكحوا ما طاب لكم من النساء } فإذا استطاب نكاح الأمة جاز له ذلك بظاهر الآية ، والمعنى فيه أن النكاح يختص بمحل الحل ، والأمة من جملة المحلات في حق الحر كالحر فيكون جواز نكاحها أصلا لا بدلا ولا ضرورة ، والدليل على أنها محللة له أنها بملك اليمين محلا له ، ولا يحل بملك اليمين إلا ما يحل بملك النكاح وأنها محللة للعبد أصلا بالاتفاق فكذلك بل أولى ; لأن الحل في حق الحر أوسع منه في حق العبد ، لا يثبت الحل للعبد بملك اليمين ويثبت للحر ، وهذا لأن الأنثى من بنات
آدم في أصل الخلقة تحل للذكور ; لأن المقصود حصول النسل ، وذلك يتحقق بين الذكور والإناث ثم الحرمة بعد ذلك بمعاني نص عليها الشرع من الأمية والأختية ونحوهما ، فإذا انعدمت هذه المعاني كان الحل ثابتا باعتبار الأصل ، ولا معنى لاعتبار تعريض الولد للرق أيضا فأن
نكاح العقيم والعجوز يجوز ، وفيه تضييع النسل أصلا ، فلأن يجوز نكاح الأمة ، وإن كان فيه تضييع صفة الحرية للنسل أولى ، وكذلك إن تزوج أمة ثم قدر على طول الحرة أو تزوج حرة كان له أن يطأ الأمة بالنكاح بعد ذلك ، وفي هذا تعريض ولده للرق ، فبهذا تبين أن اعتماده على هذا المعنى لا يصح ، وكذلك دعواه أن الأمة في حكم البدل فاسد ، فإنها لو كانت بدلا لم يبق النكاح بينه وبينها بعد وجود الأصل ، كما لا يبقى حكم التيمم بعد وجود الماء ، فأما إذا كانت تحته حرة فمن أصحابنا من يقول : حرمة نكاح الأمة في هذه الحالة بالنص ، بخلاف القياس على ما قال صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30646لا تنكح الأمة على الحرة } .
ألا ترى أن الحرة لو كانت صغيرة أو غائبة لم يجز له أن يتزوج الأمة ، وإن كان هو لا يستغني بنكاحها عن الأمة ، ويخاف الوقوع في الزنا فعرفنا أن المانع هناك عين نكاح الحرة لا الاستغناء بنكاحها ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي رحمه الله تعالى يقول بنكاح الحرة يثبت لنسله حق الحرية فهو بتزوج الأمة يبطل الحق الثابت ، وحق الحرية لا يجوز إبطاله بعد ثبوته ، فأما بطول الحرة لا يثبت حق الحرية لولده ، ومنهم من يقول : إن الأمة ليست من جملة المحلات بالنكاح مضمومة إلى الحرة وهي من جملة المحلات منفردة عن الحرة ; لأن الحل الذي ينبني عليه عقد النكاح نعمة في جانب الرجال
[ ص: 110 ] والنساء ، فكما يتنصف ذلك الحل برق الرجل حتى يتزوج العبد اثنتين والحر أربعا فكذلك يتنصف برق المرأة ، ولا يمكن إظهار هذا التنصيف في جانبها بنقصان العدد ; لأن المرأة الواحدة لا تحل إلا لواحد فظهر التنصيف باعتبار الحالة ، فأما أن يقول : الأحوال ثلاثة حال ما قبل نكاح الحرة وحال ما بعده وحال المقارنة ، ولكن الحالة الواحدة لا تحتمل التجزؤ فتغلب الحرمة على الحل فتجعل محللة سابقة على الحرة ومحرمة مقترنة بالحرة أو متأخرة عنها أو في الحقيقة حالتان حالة الانضمام إلى الحرة وحالة الانفراد عنها ، فتجعل محللة منفردة عن الحرة ومحرمة مضمومة إلى الحرة ، فإذا كانت تحته حرة فهو بنكاح الأمة يضمها إلى الحرة فلهذا لا يصح ، فأما مع طول الحرة فهو بنكاح الأمة لا يضمها إلى الحرة فلهذا جاز نكاحها ، فأما الآية فقد نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن المراد حال وجود نكاح الحرة وبه نقول ، على أن من أصلنا أن التعليق بالشرط يقتضي وجود الحكم عند وجود الشرط ، ولكن لا يوجب انعدام الحكم عند انعدام الشرط لجواز أن يكون الحكم ثابتا قبل وجود الشرط لعلة أخرى .
وعلى هذا الأصل قال علماؤنا رحمهم الله تعالى : يجوز للحر أن يتزوج أربعا من الإماء كما يجوز له أن يتزوج أربعا من الحرائر ، وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى ليس للحر أن يتزوج إلا أمة واحدة ; لأن جواز نكاح الأمة للحر عنده لأجل الضرورة ، وهذه الضرورة ترتفع بالواحدة ، فلا يجوز له أن يتزوج أكثر منها ، كتناول الميتة لما كان حلها لأجل الضرورة لم يجز إلا بقدر ما يسد به رمقه ، وعندنا نكاح الأمة للحر مباح مطلقا كنكاح الحرة ، فيجوز له أن يتزوج أربعا من الحرائر ، وعلى هذا يستوي عندنا إن كن مسلمات أو كتابيات ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه لا يجوز
نكاح الأمة الكتابية للمسلمين ; لأن الضرورة ترتفع عنه بنكاح الأمة المسلمة ، فلا يجوز له نكاح الأمة الكتابية أصلا ، فإن الكتابية تكون في ملك الكافر عادة ، وتعريض ولده لرق المسلم أهون من تعريضه لرق الكافر ، واستدل بقوله تعالى : {
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } معناه من الحرائر فلما جوز نكاح الكتابية بشرط أن تكون حرة ، فإذا كانت أمة لم تدخل تحت النص ، وإنما دخلت تحت قوله {
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } ، ولأن كفرها يغلظ ببعض آثاره وهو الرق ، فلا يجوز نكاحها أصلا كالمجوسية وحجتنا في ذلك ما بينا أن الأمة الكتابية محللة للمسلم بملك اليمين فكذلك بملك النكاح كالمسلمة ، وهذا لأن ما لا يحل بملك النكاح لا يحل بملك اليمين
[ ص: 111 ] كالمجوسية ، والدليل عليه أن الشرع سوى بين حكم النكاح والذبيحة ، ثم في حق حل الذبيحة الكتابية كالمسلمة أمة كانت أو حرة فكذلك في حكم النكاح ، وأما الآية فقد قيل : إن المراد من قوله والمحصنات العفائف من
أهل الكتاب فتتناول الأمة كالحرة ، ولئن كان المراد الحرائر فإباحة نكاح الحرائر من
أهل الكتاب لا يكون دليلا على حرمة نكاح الإماء ، ولكن هذا لبيان الأولى ، واسم المشركة لا يتناول الكتابية لاختصاصها باسم آخر ، ألا ترى أن الله تعالى عطف المشركين على
أهل الكتاب بقوله : {
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين } الآية .