( قال ) : وإذا
قال لها : إذا حضت حيضة فأنت طالق فإنما يقع عليها بعد ما ينقطع عنها الدم ، وتغتسل ; لأن الشرط مضى حيضة كاملة ولا يتيقن به إلا بعد الحكم بطهرها ، فإن كانت أيامها عشرة فبنفس الانقطاع يتيقن بطهرها ، وإن كانت أيامها دون العشرة ، فإنما يحكم بطهرها إذا اغتسلت أو ذهب وقت صلاة بعد انقطاع الدم ; فلهذا توقف الوقوع عليه .
ولو
قال : إذا حضت حيضة ، فأنت طالق فقالت : قد حضت حيضة لم تصدق في القياس إذا كذبها الزوج ; لأنها تدعي وجود شرط الطلاق ، ومجرد قولها في ذلك ليس بحجة في حق الزوج كما لو كان الشرط دخولها الدار وهذا ; لأن دعواها شرط الطلاق كدعواها نفس الطلاق ، وفي الاستحسان القول قولها ; لأن حيضها لا يعلمه غيرها فلا بد من قبول قولها فيه ; كما لو قال : إن كنت تحبينني أو تبغضينني ، وجب قبول قولها في ذلك مادام في المجلس .
وكذلك لو قال لها : إن شئت إلا أن هناك تقدر على الاختيار في المجلس فبالتأخير عنه تصير مفرطة ، وهنا لا تقدر على الإخبار بالحيض ما لم تر الدم ، فوجب قبول قولها متى أخبرت به .
( قال ) : ويدخل في هذا الاستحسان بعض
[ ص: 104 ] القياس معناه أن الزوج لما علق وقوع الطلاق بالحيض ، صار ذلك من أحكام الحيض بجعله . وقولها حجة تامة في أحكام الحيض كحرمة وطئها إذا أخبرت برؤية الدم ، وحل الوطء إذا أخبرت بانقطاع الدم وكذلك في حكم انقضاء العدة بالحيض يقبل قولها ; لأن الشرع سلطها على الإخبار فكذلك الزوج بتعليق الطلاق به يصير مسلطا لها على الإخبار ، وإذا
قال : إذا حضت ، فأنت طالق وفلانة معك فقالت : حضت فقياس الاستحسان الأول أن يقع الطلاق على فلانة كما يقع عليها ; لأن قولها حجة تامة فيما لا يعلمه غيرها فيكون ثبوت هذا الشرط بقولها كثبوت شرط آخر بالبينة أو بتصديق الزوج ، ولكنا ندع القياس فيه ، ونقول : لا يقع على الأخرى شيء حتى يعلم أنها قد حاضت ; لأن في ذلك حق الضرة وهي ما سلطتها ولا رضيت بخبرها في حق نفسها ثم قبول قولها فيما ما لا يعلمه غيرها لأجل الضرورة ، وذلك في حق نفسها خاصة كما في حل الوطء ، وانقضاء العدة .
والحكم يثبت بحسب الحاجة ألا ترى أن الملك للمستحق إذا ثبت بإقرار المشتري ، لم يرجع على البائع بالثمن ، وإن شهادة امرأتين ورجل بالسرقة حجة في حق المال دون القطع فلهذا مثله ، ولو
قال لها : إذا ولدت غلاما فأنت طالق واحدة ، وإذا ولدت جارية فأنت طالق ثنتين فولدت غلاما وجارية ، فإن علم أنها ولدت الجارية أولا طلقت اثنتين بولادتها الجارية ثم انقضت عدتها بولادة الغلام ، وإن علم أنها ولدت الغلام أولا طلقت واحدة بولادتها الغلام وانقضت عدتها بولادة الجارية ، فإن لم يعلم أيهما أولا ، لم يقع في القضاء إلا تطليقة واحدة ; لأن التيقن فيها ، وفي الثانية شك ، والطلاق بالشك لا يقع وفيما بينه وبين الله تعالى ينبغي أن يأخذ بتطليقتين حتى إذا كان طلقها قبل هذا واحدة فلا ينبغي أن يتزوجها حتى تنكح زوجا غيره ; لاحتمال أنها مطلقة ثلاثا ، ولأن يترك امرأة يحل له وطؤها خير من أن يطأ امرأة محرمة عليه ، وإن ولدت غلاما وجاريتين في بطن واحد فإن علم أنها ولدت الجاريتين أولا ، فهي طالق ثنتين بولادة الأولى منهما ، وقد انقضت عدتها بولادة الغلام ، وإن ولدت الغلام أولا ، طلقت واحدة بولادة الغلام ، وتطليقتين بولادة الجارية الأولى وقد انقضت عدتها بولادة الأخرى ، وإن ولدت إحدى الجاريتين أولا ثم الغلام ثم الجارية ، طلقت تطليقتين بولادة الجارية الأولى ، والثالثة بولادة الغلام ، وانقضت عدتها بولادة الأخرى ، وإن لم يعلم كيف كانت الولادة فنقول في وجه : هي طالق اثنتين وفي وجهين : هي طالق ثلاثا ففي القضاء لا تطلق الاثنتين ; لأن اليقين فيها ، وفي التنزه
[ ص: 105 ] ينبغي أن يأخذ بثلاث تطليقات احتياطا وقد انقضت عدتها بيقين بولادة الآخر منهم .
وإذا
قال لها : كلما ولدت ولدا ، فأنت طالق وقال : إذا ولدت غلاما ، فأنت طالق فولدت جارية ، فهي طالق واحدة ; لأن الجارية ولد فيقع بها تطليقة بحكم الكلام الأول ، فإن ولدت بعدها غلاما في ذلك البطن ، انقضت عدتها بولادة الغلام ; لأنها معتدة وضعت جميع ما في بطنها .
ولا يقع عليها بولادة الغلام شيء ; لأن أوان الوقوع بعد وجود الشرط وهي ليست في عدته بعد ولادة الغلام فهو بمنزلة ما لو قال لها : إذا انقضت عدتك فأنت طالق ، وإن ولدت الغلام أولا ، وقع به تطليقتان أحدهما بالغلام الأول ; لأن الغلام ولد ، والثانية بالكلام الثاني ; لأنه غلام ، وكذلك ولو قال لها : إذا ولدت غلاما فأنت طالق ثم قال : إذا ولدت ولدا ، فأنت طالق فولدت غلاما طلقت اثنتين ; لأنه ولد وغلام وكذلك لو قال : إذا كلمت فلانا ، فأنت طالق ثم قال : إذا كلمت إنسانا ، فأنت طالق فكلمت فلانا تطلق اثنتين ; لأنه إنسان وفلان .
وكذلك إذا قال : إن تزوجت فلانة ، فهي طالق ثم قال : كل امرأة أتزوجها ، فهي طالق فتزوج فلانة ، تطلق اثنتين ; لأنها فلانة وامرأة ، والشيء الواحد يصلح شرطا للحنث في أيمان كثيرة ، ولو قال لامرأته : كلما ولدت غلاما ، فأنت طالق فولدت غلاما وجارية في بطن واحد ، فإن علم أنها ولدت الغلام أولا ، وقع عليها تطليقة بولادة الغلام ، وانقضت عدتها بولادة الجارية ، وإن علم أنها ولدت الجارية أولا ، وقعت عليها تطليقة بولادة الغلام وعليها العدة بثلاث حيض ، وله أن يراجعها في العدة ، إذا علم أن الغلام ولد آخرا ، وإذا لم يعلم أيهما أول ، فعليهما الأخذ بالاحتياط في كل حكم فيلزمها العدة بثلاث حيض ; لجواز أن تكون ولدت الجارية أولا وليس للزوج أن يراجعها في هذه العدة ; لجواز أن تكون ولدت الغلام أولا ، ولو مات أحدهما لم يتوارثا ; لجواز أن تكون ولدت الغلام أولا ثم انتقضت عدتها بولادة الجارية ، والميراث لا يثبت بالشك .