باب الظهار اعلم بأن
الظهار كان طلاقا في الجاهلية فقرر الشرع أصله ونقل حكمه إلى تحريم مؤقت بالكفارة
[ ص: 224 ] من غير أن يكون مزيلا للملك بيانه في قوله تعالى {
والذين يظاهرون من نسائهم } الآية وسبب نزولها {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80358قصة خولة بنت ثعلبة فإنها قالت كنت تحت أوس بن الصامت رضي الله عنه وقد ساء خلقه لكبر سنه فراجعته في بعض ما أمرني به فقال أنت علي كظهر أمي ثم خرج فجلس في نادي قومه ثم رجع إلي وراودني عن نفسي فقلت والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي قد قلت ما قلت حتى يقضي الله ورسوله في ذلك فوقع علي فدفعته بما تدفع به المرأة الشيخ الكبير وقد خرجت إلى بعض جيراني فأخذت ثيابا ولبستها فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فجعل يقول لي : زوجك وابن عمك وقد كبر فأحسني إليه فجعلت أشكو إلى الله ما أرى من سوء خلقه فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يغشاه عند نزول الوحي فلما سري عنه قال قد أنزل الله تعالى فيك وفي زوجك بيانا وتلا قوله تعالى { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } إلى آخر آيات الظهار ثم قال مريه فليعتق رقبة فقلت لا يجد ذلك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم مريه أن يصوم شهرين متتابعين فقلت هو شيخ كبير لا يطيق الصوم فقال صلى الله عليه وسلم مريه فليطعم ستين مسكينا فقلت ما عنده شيء يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم إنا سنعينه بفرق وقلت أنا أعينه بفرق أيضا فقال صلى الله عليه وسلم افعلي واستوصي به خيرا } .
ثم
اختلفت العلماء رحمهم الله تعالى في قوله تعالى { ثم يعودون لما قالوا } فقال علماؤنا رحمهم الله تعالى هو العزم على الجماع الذي هو إمساك بالمعروف وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى المراد هو السكوت عن طلاقها عقيب الظهار وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود المراد تكرار الظهار حتى إن على مذهبهم لا يلزمه الكفارة بالظهار مرة حتى يعيد مرة أخرى وهذا ضعيف لأنه لو كان المراد هذا لكان يقول ثم يعودون لما قالوا والدليل على فساده حديث
أوس فإنه لم يكرر الظهار إنما عزم على الجماع وقد ألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفارة وكذلك حديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80359سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه فإنه قال كنت لا أصبر عن الجماع فإذا دخل شهر رمضان ظاهرت من امرأتي مخافة أن لا أصبر عنها بعد طلوع الفجر فظاهرت منها شهر رمضان كله ثم لم أصبر فواقعتها وخرجت إلى قومي فأخبرتهم بذلك فشددوا الأمر علي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فقال صلى الله عليه وسلم أنت بذاك فقلت أنا بذاك وها أنا بين يدك فأمض في حكم الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة } الحديث كما روينا في كتاب
[ ص: 225 ] الصوم وليس في هذا تكرار الظهار
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمه الله تعالى يقول كما سكت عن طلاقها عقيب الظهار فقد صار ممسكا لها فيتقرر عليه الكفارة ولكنا نقول المراد بقوله تعالى {
ثم يعودون لما قالوا } أن يأتي بضد موجب كلامه وموجب كلامه التحريم لا إزالة الملك فاستدامة الملك لا تكون ضده بل ضده العزم على الجماع الذي هو استحلال وبمجرد العزم عندنا لا تتقرر الكفارة أيضا حتى لو أبانها بعد هذا أو ماتت لم تلزمه الكفارة عندنا والحاصل أن عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى معنى العقوبة يترجح في الكفارة فتجب بنفس الظهار الذي هو محظور محض إلا أنه يتمكن من إسقاطها بأن يصل الطلاق بكلامه شرعا فإذا لم يفعل تتقرر عليه الكفارة وعندنا في الكفارة معنى العبادة والعقوبة ، والمحظور المحض لا يكون سببا لها وإنما سببها ما تردد بين الحظر والإباحة وذلك إنما يتحقق بالعزم على الجماع الذي هو إمساك بالمعروف حتى يصير السبب به مترددا وسنقرر هذا الأصل في كتاب الأيمان إن شاء الله سبحانه وتعالى